مخاوف من انزلاق الثورة المصرية إلى مستنقع العنف اتخذت الأوضاع السياسية في مصر منحى خطراً في أعقاب المواجهات العنيفة التي وقعت في ميدان العباسية مساء يوم 23 يوليو الجاري، في ما عرف ب»موقعة العباسية»، وبدأت مرحلة جديدة من عمر الثورة تتسم بإعلاء لغة «التخوين»، و»الإقصاء»، و»المواجهات العنيفة». وصار المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير الماضي في جانب، والقوى الثورية والسياسية في جانبٍ آخر، ما أثار مخاوف المراقبين من أن الثورة المصرية تتجه للعنف بعد أن أبهرت العالم بسلميتها على مدار الستة أشهر الماضية. لغة التخوين بدأت لغة التخوين تطفو على سطح الأحداث في أعقاب اتهام المجلس العسكري لحركة 6 أبريل ب»محاولة الوقيعة بين الجيش والشعب»، وأنها «لديها مخطط في هذا الشأن تحاول تنفيذه»، وردت الحركة و25 حزب وحركة سياسية وثورية أخرى باتهام المجلس العسكري ب»محاولة الوقيعة بين الجيش والشعب وتشويه صورة الحركات الوطنية»، ولم تكتف بذلك، بل نظمت مسيرة شارك فيها عدة آلاف إلى مقر وزارة الدفاع مساء 23 يوليو وأثناء احتفال الجيش بالذكرى التاسعة والخمسين لثورة 23 يوليو 1952 التي قادها الجيش المصري في ذلك التوقيت، وما إن وصل المتظاهرون إلى ميدان العباسية حتى تعرضوا للضرب بالحجارة والزجاجات الحارقة والعصي من قبل أهالي العباسية ومجموعات من البلطجية، وردوا بالمثل، دفاعاً عن أنفسهم في ما عرف ب»موقعة العباسية»، وأسفرت المواجهات عن إصابة 296 شخصاً، بجروج طفيفة أو اختناقات. موقعة العباسية نقطة فاصلة شكلت موقعة «العباسية» تاريخاً فاصلاً في علاقة المجلس العسكري والقوى الثورية والسياسية، وتركت شرخاً بين الجانبين، حسبما يقول الدكتور عمار علي حسن الخبير السياسي، وأضاف ل»إيلاف» أن تلك الواقعة وما سبقها في الإسكندرية والسويس والإسماعيلية من إعتداءات على المتظاهرين تدل على وجود تقصير من جانب الشرطة والمجلس العسكري في حماية المتظاهرين السلميين، وهو ما يستدعي فتح تحقيق في هذه الأحداث، مشيراً إلى أن اتهام المجلس العسكري لأي فصيل سياسي وطني بالخيانة أو العمل على الوقيعة بين الجيش والشعب أمر مرفوض، وما كان يجب أن يصدر هذا الكلام في ذلك التوقيت، وإن كان صحيحاً، فلماذا لم يتم تقديم تلك المعلومات مدعومة بالأدلة إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، ومحاكمة من تثبت إدانته. ونبه حسن إلى أن العلاقة بين المجلس العسكري والقوى السياسية أو ميدان التحرير تحتاج إلى عملية ترميم بشكل سريع، لإعادة الثقة بين الجانبين. ترميم العلاقة بين الجانبين ولكن كيف تعود الثقة بينهما في ظل إحتدام لغة النقاش والتلاسن الإعلامي بين المجلس والقوى السياسية؟ ويجيب الدكتور أحمد عبد العزيز عضو إتحاد شباب الثورة بالقول إن المجلس العسكري هو من أفسد العلاقة باتهام الوطنيين بالخيانة، ومن أفسد شيئاً فعليه إصلاحه، وأضاف ل»إيلاف» متسائلاً: لماذا التباطؤ في محاكمات قتلة الثوار؟ لماذا التباطؤ في تطهير الإعلام والجامعات ومؤسسات الدولة من رموز النظام السابق؟ لماذا التباطؤ في تطهير القضاء؟ بل رفض الحديث عن تطهير القضاء؟ لماذا التباطؤ في انتخاب مجلس رئاسي مدني؟ لماذا الإبقاء على مبارك في مستشفى فندقي في شرم الشيخ رغم أن صحته جيدة حسب تقارير وزارة الصحة؟ وتابع عبد العزيز: إذا أجاب المجلس العسكري على هذه الأسئلة عملياً سوف يزول الإحتقان، وتعود الثقة فيه أفضل مما كانت، ولكن إذا إستمر في صم أذنيه عن سماع صوت الثوار في ميدان التحرير والقوى السياسية سوف تزاد الأزمة تعقيداً، لأننا لن نترك ثورتنا تسرق منا. الأزهر يندد موقعة العباسية أدت ليس إلى فقدان المجلس العسكري تعاطف ميدان التحرير فقط، بل فقد أيضاً مساندة مؤسسة الأزهر، حيث أصدر مشيخة الأزهر بياناً أعلن فيه «استياءه الشديد لأحداث العباسية، وأدان «العنف أيا كان مصدره»، مشيراً إلى «رفض مبدأ الإقصاء والتخوين لأي من الأطراف»، ودعا «الفرقاء والشركاء السياسيين إلى العمل من أجل مصر، ونبذ الفرقة والعمل على البناء لا على الهدم، حتى تمرّ مصر من تلك المرحلة ولكي تؤكد نجاح ثورتها المباركة». الجماعة الإسلامية تطالب ب»الغدر» وعلى طريقة إمساك العصا من المنتصف أدانت الجماعة الإسلامية «موقعة العباسية»، وقالت في بيان لها، إنها «تقف بقوة مع كافة أبناء الشعب المصري في وجه أي دعاوى أو محاولات لإحداث الصدام بين الشعب والجيش»، في إشارة إلى الاتهامات التي ساقها المجلس العسكري ضد حركة 6 أبريل، غير أن الجماعة طرحت عدة مطالب، دعت إلى تنفيذها فوراً، «منعا لحدوث أي قلق واضطراب داخلي في البلاد»، ومنها «التأكيد على إجراء الانتخابات في موعدها ووضع جدول زمني لذلك مع إصدار مرسوم بقانون لحرمان جميع أعضاء الحزب الوطني من ممارسة العمل السياسي لمدة 5 سنوات لدورهم في إفساد الحياة السياسية وكذلك تفعيل قانون الغدر». ودعت جموع الشعب إلى النزول إلى ميدان التحرير يوم الجمعة المقبل للتأكيد على ما وصفته ب»التلاحم بين الشعب والجيش وفضح المتآمرين الذين يحاولون الوقيعة بين الشعب والجيش مع التأكيد على تقديرها للثوار الحقيقيين أصحاب الأغراض النبيلة والنوايا الحسنة» على قولها. حوار مجتمعي لا اختلاف على أن القوات المسلحة شريك في الثورة، ولا اختلاف أيضاً على وطنية جميع القوى السياسية، والكل يرفض لغة التخوين وتشويه الآخر، والتقصير في حماية المتظاهرين السلميين، إنه حديث الإعلامي حسين عبد الغني وزير إعلام الثورة، وقال ل»إيلاف» إن المجلس العسكري عليه اتخاذ إجراءات عاجلة لتقليل الفجوة التي بدأت تتسع بينه وبين القوى السياسية، مشدداً على أهمية منح الحكومة صلاحياتها كاملة، وتطهير القضاء والإعلام والجامعات والمؤسسات الرسمية، وإجراء حوار مجتمعي حول القوانين قبل إصدارها، وعدم الإنفراد باتخاذ القرارات، واختيار هيئة أو لجنة من المستشارين لمعاونة المجلس في إدارة شؤون البلاد، ولاسيما أن أعضاءه خبراء عسكريون، ولم يسبق لهم ممارسة العمل السياسي. وفتح حوار حقيقي وفاعل مع القوى السياسية. لن تنزلق الثورة للعنف وعلى الجانب الآخر، قال مصدر عسكري ل»إيلاف» إن المجلس العسكري لا يتحدث مع فراغ، وعندما يسوق اتهاما خطراً مثل الموجه لحركة 6 أبريل يكون لديه أدلة ووثائق دامغة، وأضاف أن بعض القوى السياسية لم تعد تبحث سوى عن مصلحتها، مغلبة إياها على مصلحة الوطن العليا، مشيراً إلى أن المجلس العسكري يفتح حواراً مع جميع القوى الوطنية من دون استثناء، ولا يعمل سوى من أجل مصر وإنجاح الثورة، مؤكداً أنه سوف يترك السلطة لرئيس مدني، وليست له أية مطامع فيها، ولفت إلى أن المجلس لن يستطيع إرضاء جميع القوى السياسية، لاسيما القوى الثورية، لأنها مختلفة في ما بينها، ونبه إلى أن هناك نحو 170 ائتلافا للثورة، وليس بينهم اتفاق على مجموعة من المطالب المحددة، وعندما يعقد المجلس اجتماعا يوجه الدعوة إلى غالبية هؤلاء، ولكنه يواجه الاتهام بإقصاء القوى الثورية من قبل شخص أو اثنين لم توجه إليهم الدعوة، ويتم إصدار بيانات وتجري عملية تهييج ضده. مشددا على أن صبر المجلس العسكري لن ينفد وسيظل حامياً للثورة، ولن يتخلى عنها أبداً. وأكد أن الجيش لن يسمح بأن تتحول الثورة من سلميتها إلى العنف، وسوف تظل الثورة سليمة رغم أنف من يحاولون جرها إلى هذا المستنقع.