عبد الواحد سهيل: التنمية الثقافية أصبحت حقا دستوريا ويتعين على المبدعين أن يشكلوا قوة اقتراحية وتفاوضية لتعزيز مكتسباتهم عبد السلام خلفي: هناك تخوف من بعض النخب التي لم تستسغ دسترة الأمازيغية مما يتعين معه الإسراع بإحداث القانون التنظيمي للترسيم تحدث الفاعل السياسي والخبير الاقتصادي، عبد الواحد سهيل، عن العلاقة بين الثقافي والسياسي، معتبرا أن الفعل الثقافي لعب دورا هاما في مناهضة الاستعمار، في تفاعل تام مع المعركة السياسية والفكرية التي خاضتها الحركة الوطنية ءانذاك.. كما أن الثقافة بعد الحصول على الاستقلال، كان لها حضور في صلب تحولات المجتمع. وذكر عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية في مداخلة قدمها في إطار ندوة «الثقافة والفنون في الدستور المغربي الجديد»، التي نظمت ضمن فعاليات الملتقى المسرحي الأول للدار البيضاء، أول أمس الأحد، أن الفعل الثقافي مبني أولا وأساسا على الإبداع والحرية، وأنه لا فعل إبداعي بدون حرية، بل إن هذا الفعل الذي يبدعه الفنان والمثقف يكون معبرا ومؤثرا أكثر من الفعل السياسي المباشر، على اعتبار أنه يصل إلى وجدان المتلقي، ويغرس أفكارا وقيما بوسائل غالبا ما يفتقر إليها رجل السياسة. وعاد سهيل بذاكرته إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي، ليذكر بأن المسألة الثقافية في علاقتها مع السياسة، طرحت في هذا الإبان بمنظور جديد، يرتكز على الالتزام ومحاربة الاستلاب، وإبراز دور المثقف في بناء المجتمع وتنميته. وفي السنوات الأخيرة، يضيف سهيل، أصبحت الثقافة تتجه نحو التحديث، كما أصبحت تحظى بدعم الدولة، بشكل قوي، كما يتجلى ذلك، في ميدان السينما والكتاب والمسرح والموسيقى وغيرها، ويتجلى أيضا في إقامة مؤسسات ثقافية حداثية كالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما تم إدماج الإنتاج الثقافي والفني في وسائل الاتصال العمومية، وخرج إلى الوجود قانون الفنان، والبطاقة المهنية، وإحداث التعاضدية الوطنية للفنانين، وغير ذلك من المكتسبات التي تحققت بفضل جهود المثقفين والفنانين وبدعم من الدولة ومن الفاعل السياسي الجاد... وانتقل سهيل بعد ذلك إلى الحديث عن مدى حضور الثقافة والفنون في الدستور الجديد، مؤكدا على أن هذه الوثيقة الدستورية، أتت بأشياء جديدة، حيث أن التنمية الثقافية، أصبحت حقا دستوريا. وتوقف سهيل عند مسألة الهوية في مختلف تجلياتها، مستعرضا أهميتها لكونها تتمثل الانتماء الثقافي والحضاري للمغرب الذي يتميز بالتعدد والتنوع في إطار من الوحدة الوطنية الجامعة والشاملة لمختلف الروافد والمكونات. وأشاد المتحدث بما جاء في تصدير الدستور باعتباره ينص على أن المملكة المغربية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة وتلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.. كما أشاد سهيل بترسيم اللغة الأمازيغية التي ينص الدستور الجديد على كونها تعد أيضا لغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة. هذا بالإضافة إلى تنصيص الدستور على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة بصلاحيات واختصاصات محددة وواضحة. ونبه عبد الواحد سهيل، بحس سياسي عميق، إلى أن تطبيق فصول الدستور على أرض الواقع واقتراح البدائل الممكنة للسياسة الثقافية، يفرض علينا الاشتغال في إطار مؤسساتي، وتوسيع النقاش والتشاور بين المنظمات الثقافية بكل تلاوينها. وفي سياق الفصل الذي ينص على الدعم الثقافي، دعا سهيل، إلى وجوب الخروج من عقلية الاستجداء، والتخلي عن ثقافة البؤس التي يروج لها البعض والتي تسيء إلى صورة الفنان، وعيا بأن الفنان أو المبدع لا يتسول أحدا بل يشارك في الكفاح من أجل الدفاع عن حقوقه وتحقيق مطالبه وهو يلعب بذلك دورا أساسيا في تنمية الوعي الاجتماعي في محيطه المهني والمجتمعي.. ومن ثم فلا بد من الاعتراف به، ومده بالوسائل للقيام بوظيفته في إطار من الشفافية والحكامة الجيدة، مع العلم أن الدعم لا ينبغي أن يقتصر على الجانب المالي فقط، بل يمكن أن يتسع ليشمل أيضا الجوانب المادية والمعنوية المرتبطة بالبنيات التحتية والوسائل اللوجيستيكية والمجال التشريعي والتنظيمي الذي يمس مباشرة الخصوصيات المهنية لمحترفي الصناعات الثقافية والفنية، وكذا الجانب المرتبط بتنمية المهارات والتكوين وتأهيل الموارد البشرية، هذا بالإضافة إلى الدعم المعنوي الأساسي الذي من شأنه أن يقوي الوضع الاعتباري والرمزي للفنان والمثقف... وكل ذلك لا يمكن أن يتأتى إلا بقدرة الفاعلين في المجال على تمكنهم من سياسة تفاوضية تشاركية وقوة اقتراحية تأخذ بعين الاعتبار الحقوق والواجبات. وركز سهيل، في ختام مداخلته، على المردودية الاقتصادية الأكيدة للثقافة، وربط ذلك بالدور الذي يمكن أن تلعبه السياسة الجهوية في ضمان الإشعاع الثقافي وصيانة التنوع والأشكال التعبيرية. كما أبرز أهمية تنصيص الدستور الحالي على إنشاء صندوقين، أحدهما للتأهيل، حيث أن الجهات المتأخرة في مؤشرات التنمية البشرية، سيتم دعمها عن طريق ميزانية الدولة، فيما الصندوق الآخر خاص بالتضامن بين الجهات الغنية والفقيرة، عبر خصم جزء من المداخيل المرصودة للجهات الغنية ومنحها للجهات للفقيرة، وبالتالي فإن الحركة الثقافية يمكن لها أن تنهض من خلال هذه الدعامة، داعيا إلى ضرورة الإكثار من فضاءات الحوار والترافع كإنشاء تنسيقيات بين منظمات المجتمع المدني للاشتغال على ما ينتظر الحقل الثقافي الوطني من أوراش هامة يفتحها ويتيحها النص الدستوري الجديد. ومن جانبه، ركز الأستاذ الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عبد السلام خلفي حديثه على الفصل الذي ينص على دسترة اللغة الأمازيغية، مستحضرا في البداية التمييز الذي كان حاصلا بين الثقافة العالمة والثقافة الشعبية، حيث أنه كان يتم وضع اللغة العربية الفصيحة واللغة الفرنسية ضمن الثقافة العالمة التي تعد هي السائدة، في حين أن اللغة الدارجة واللغة الأمازيغية كان يتم وضعهما داخل خندق الثقافة الشعبية، باعتبارهما تعيدان إنتاج ثقافة غير رسمية، مرتبطة بالفولكلور والتخلف واللاعقلانية، تعيش في الهامش، خارج أي رعاية مادية من طرف الدولة. ونوه خلفي بالدور الذي لعبته الحركة الثقافية الأمازيغية، التي عملت على بناء تصور للثقافة الشعبية، لتتخندق في الطرف النقيض للثقافة العالمة، لأجل أن تكون في مستواها. وذكر بالتأثير السلبي الذي أحدثته بعض المنطلقات الأديولوجية على الثقافة الأمازيغية، في فترة سابقة، حيث كانت السيادة للتأحيد –على حد تعبيره- أي ثقافة واحدة، دين واحد ولغة واحدة، إلى غير ذلك من التجليات، ومن ثم غض الطرف عن كل تنوع ثقافي. وقد واجهت الحركة الأمازيغية هذا الحيف، برفضها كل مظاهر التأحيد والإقصاء والاستبداد الثقافي. وركز خلفي حديثه بعد ذلك على نوعين من الدينامية اللغوية، أحدهما داخلي والآخر خارجي، معتبرا أن اللغة العربية الفصيحة عرفت بالأساس دينامية داخلية، على اعتبار أن إدماجها في الإعلام والمنظومة التربوية، ساهم في تنمية الدارجة المغربية، وخلق بالتالي تقاربا بينهما، وأفضى كل ذلك إلى تشكل لغة وسطى أي أنها لغة فصيحة دون أن تكون كلاسيكية. في حين أن الدينامية اللغوية الأمازيغية، يقول خلفي، كانت خارجية، حيث أنه لم يكن لها وجود في المدرسة وفي الإعلام، وهو ما جعلها تحتك مع الدارجة والفصيح مما أدى بالتالي إلى تباعد المظهر التواصلي بين اللسان الأمازيغي وغيره من اللغات، وعرقلة ظهوره وإنهاك قدراته اللغوية. غير أنه مع تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، يضيف خلفي، تم التمكن من نقل اللغة الأمازيغية من الشفاهي إلى الكتابي، حيث صدر ما يفوق مائتي ألف كتاب، وما لا يحصى من الوثائق. وانتقل خلفي بعد ذلك إلى الحديث عن ترسيم الأمازيغية في الدستور الجديد، معتبرا إياه حدثا هاما، لكل المغاربة بلا استثناء، دون أن يخفي تخوفه من تعثر تطبيق ذلك على أرض الواقع، نتيجة وجود نخب سياسية وثقافية عبرت عن موقفها المعارض للترسيم، داعيا إلى الإسراع في إخراج القانون التنظيمي لتطبيق ترسيم الأمازيغية، غير أن هذا التخوف سيتلاشى بعد خروج القانون التنظيمي، يؤكد المتحدث. وعبر من جهة أخرى، عن تخوفه من أن يصبح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تحت سلطة المجلس الوطني للغات والثقافة، الذي تم التنصيص عليه في الدستور. كما قدم مجموعة من المؤاخذات على التصدير المتضمن في الدستور الجديد، واعتبر أنه ينطوي على عملية إغراق لبعض المفاهيم، من قبيل الهوية الوطنية وروافدها، وهو ما أدى إلى نوع من الالتباس. وفي تعقيبه على هاتين المداخلتين، أكد المخرج المسرحي مسعود بوحسين، على أن الدستور الجديد أولى أهمية لافتة للجانب الثقافي والفني، في الوقت الذي كان يتم إدماج الثقافة وتذويبها في الشق الاجتماعي. ودعا إلى وجوب أن تلعب الأحزاب السياسية دورها في ما يخص ربط فصول الدستور بالممارسة الميدانية. وذكر أن هناك إحساسا بأن ترسيم الأمازيغية سيتطلب وقتا أكبر لتطبيقه، وأنه سيتم بشكل تدريجي، وأبدى تخوفه من أن تكون هناك تبعات قانونية لهذا الترسيم. كما دعا الدكتور مسعود بوحسين إلى ضرورة التمنييز بين مفهوم الثقافة الأنطروبولوجي الشامل، والمفهوم الخاص الذي ينحصر في جزئيات وخصائص محددة. وكان الكاتب المسرحي الحسين الشعبي الذي أدار هذه الندوة قد أشار تدخله التقديمي إلى أنه تقرر أن لا يكون هذا الملتقى المسرحي مقتصرا على الفرجة المسرحية، وأن يكون بالتالي مجالا للتحاور بين الفاعلين السياسيين والمثقفين والفنانين، مذكرا أن الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، شارك في الدينامية السياسية التي مهدت للاستفتاء الدستوري، وأنه تقدم بمذكرة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، ضمنها المطالب المرتبطة بالمسألة الثقافية والفنية واللغوية، وأن هذه اللجنة استجابت كليا لتلك المطال؛ متمنيا أن تكثف النخب السياسية والثقافية النزيهة مجهوداتها لتنزيل هذا الدستور، وتقطع بذلك الطريق أمام الوصوليين والنكوصيين والانتهازيين. كما أكد في مستهل هذه الندوة، أن الدستور المغربي الجديد يعطي ولأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية أهمية وازنة للمسألة الثقافية، بحيث إلى جانب الديباجة والتصدير حيث يقر الدستور بقيمة التعدد والتنوع التي تسم الشخصية المغربية، ثمة مجالات أخرى نص عليها القانون الأسمى للبلاد من قبيل ترسيم اللغة الأمازيغية، وإحداث مجلس وطني للغات والثقافة والمغربية، والتنصيص على دعم الدولة للتنمية الثقافية والفنية، وضمان حرية الإبداع والتعبير، وسائر الحقوق الثقافية واللغوية للأمة.