يا شعراءَ العالم، مع حلول اليوم العالمي للشعر، يشرفني أن أقول لي، ولكم: تحرروا. حرروا أشعارَكم من أوهام النقاد الذين يعيشون في ربوع المدينة الفاضلة. إن في هذا التحرر إنقاذا للإنسان الذي يُصغي إلى دبيب قلوبكم، من جبروت نفسه الأمَّارةِ بالشَّرّ. يا شعراء العالم، أشعارُنا تكاد تَفْقِدُ وهجَها، منذ دخلنا بها إلى المدينة الفاضلة، منذ رَضِينا بترحاب الفلاسفة الذين رفعوا من مكانتنا، وعلمونا كيف نحافظ على حضورنا في هذه المدينة ذاتِ الأضواء الساحرة، والمدهشة. جَعَلْنا أشعارَنا تنحني خاشعةً لتصوراتهم؛ فَعَرَفَتْ هذه الأشعارُ، مع مرور الزمن، تحولاتٍ عديدةً امتدت إلى شَكْلِهَا، وَهَيْكَلِها اللغوي. في ظل هذه التحولات، اختلفنا في تحديد ماهية الشعر. وفي كل عصر، وضعنا له حدودا تتجاوز ما كان، وألزمنا بها أنفسنا. والجمهور الذي كنا، وما زلنا نخاطبه، هو جمهورُ هذه المدينة الفاضلة. جمهورٌ صنعه الإعلامُ بتحريض من النقاد، والمفكرين الذين أفرزتهم هذه المدينة. ولم نَنْتَبِهْ إلى أن ثَمَّةَ مدنا أخرى بها ظمأٌ للشعر. لم نلتفت إلى سكانها. تركناهم للبيداء تلتهم قلوبَهم. فصاروا كالرجال الجوف، بتعبير ت. س. إليوت. يا شعراء العالم، أجدادُكم الشعراء، كانوا أحرارا؛ لأنهم لم يُشَيِّدوا مدينة فاضلة؛ ليعيشوا بين أسوارها العالية، كما فَعَلَ أكثرُنا. هم عاشوا في مدنهم مع الناس الذين تكونت شخصياتُهم بهذه الأشعار التي كانت تمشي معهم في الأرض، وتتنفس الهواءَ نفسَه الذي يتنفسونه. كانوا يساهمون، مع الشعراء، في خلق النصوص، ونشرها عن حب، وعشق؛ لأن تلك الأشعارَ كانت محملةً بالدعوة إلى حب الإنسان، وكانت تحمل إليهم رسائل هيأ لها الشاعرُ لغةً تُغري بالمتابعة، والقراءة. يا شعراء العالم. نحن غائبون عن هذا العالم. لم ننتبه إلى أن هذا العالم قد هجر الشعر، أو كاد؛ فتولد عن هذا موتُ الإنسان فينا، وفي هذا العالم. اِنْشَغَلْنا بالحروب التي صَنَعْناها، ودمرنا بها شعوبا، وقبائل. دمرنا أيضا بها أنفسَنا حين غَنَّى بعضُنا المنتصرَ، وبكى بعضُنا الآخرُ المنهزمَ المكسور. الجندي الذي لا يَطْرُق قلبَه الشعرُ وَحْشٌ كاسر. القائد الذي لا يطرق قلبَهُ الشعرُ وحش كاسر. الشعرُ وحدَه القادرُ على ترقيق القلوب. يا شعراء العالم تحرروا، هَدِّمُوا أسوارَ المدينة الفاضلة، اخرجوا إلى العالم، انشروا الحب بين الناس، حرروا الشعر من أسوار الجامعات، اجعلوه يمشي بين الناس، ويستنشقونه كما يستنشقون الهواء. يا شعراء العالم في مثل هذا اليوم، مع إطلالة الربيع، نحتفل بالشعر. واحتفالنا هذا مناسبةٌ جميلةٌ لِنُذَكِّر أنفسَنا باعتبارنا منتجين للشعر، على اختلاف لغاتنا، وأجناسنا، بأهمية الشعر في نشر المحبة، وفي جعل الإنسان يرقى بوجدانه إلى الملكوت الأعلى، فلعل هذا ما جعل الدين يهتم بالشعر وهو يملأ قبابه بالتسابيح الروحية. هذا الاحتفال مناسبة أخرى لانتشال الإنسان من الصلصال، والدفع به إلى الملكوت الأعلى، عسى أن نُسهم بهذا الشعر في جعل الإنسان يحب أخاه الإنسان، ولن يتحقق لنا هذا إلا إذا تحررنا من قيود المدينة الفاضلة، وتحرر شعرنا من سلطة النقد، لا من سلطة الدراسة الأدبية. فيا شعراء العالم، تحرروا، وحرروا أشعارَكم، وكل عام، وأنتم بألف خير، وعالُمنا يزهو بالسِّلْم والأمان.