"كسر التحيز"BreakTheBias#، هو الشعار الذي اختارته الأممالمتحدة لإحياء اليوم العالمي للمرأة 2022، في إشارة إلى أهمية العمل الدائم من أجل عالم خال من التمييز والصور النمطية بحق النساء، والسعي إلى إرساء مجتمعات منصفة لجميع أفرادها، تبني دعائم تنمية حقيقية بتقدير الإسهامات المتنوعة والتضحيات الكبيرة لجميع فئاتها، وحيث تكون المساواة مطمحا ومسؤولية يضطلع بها النساء والرجال معا لبناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة. فلا يسأم نساء ورجال هذا العالم الواعيات والواعون بأن تحقيق حلم عالم يتسع للجميع، من رفع شعار المساواة ومكافحة التمييز، ليس لمجرد الاحتفاء أو الصراخ أو تكريس نزعة نرجسية مبنية على النوع.. بل بكل بساطة لأن حلم هذا المجتمع لم يتحقق بعد، ولكي يصبح واقعا لا بد من المزيد من النضال، ولا بد من المزيد من التفكير والنقاش والحوار، بين مختلف فعاليات ومكونات المجتمع التي تقع على عاتقها مسؤولية إصلاحه وتغييره إلى الأفضل، ومهمة الارتقاء بفئاته التي ما تزال تعاني من الهشاشة والتهميش والإقصاء بأوجه متعددة. "كسر التحيز" يرمي إلى مساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الفئات، ومساواة بين الجنسين أمام القانون وفي كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن إرساء النموذج التنموي لا يمكن أن يتم على ساق واحدة، أو على ساقين لا يتوفر في خطواتهما التوافق والانسجام المطلوب من أجل بلوغ خط الوصول. في عصر السرعة، من المهم الوصول بسرعة، لكن الأكثر من ذلك تهم الثقة ووحدة الهدف. في بلادنا، حققت المرأة المغربية خلال العقود الأخيرة مكتسبات مهمة في جميع المجالات، مسيرة بدأت مع الإصلاحات القانونية والدستورية التي منحت للمغربيات أوكسيجين الأمل في غد أفضل. لكن صرخات الألم التي يعج بها واقع التمييز في مجتمعنا، من غرف المنزل الأسري إلى ردهات المحاكم، ما زالت تقض مضاجع النساء وتحرمهن من ذلك الإحساس الثمين بالثقة الذي يشكل في ذاته حافزا أساسيا للعطاء ومواصلة نسج الحلم لأنفسهن ولمن حولهن. منذ أسابيع، حلت الذكرى الثامنة عشرة لصدور مدونة الأسرة التي شكلت في حينه ثورة هادئة وخطوة رائدة نحو المستقبل فيما يتعلق بتكريس الحقوق الإنسانية للنساء والاعتراف بدورهن الأساسي في الأسرة وفي المجتمع. 18 عشرة سنة من عمر المدونة، منحت خلالها لهذا النص- الذي ما زال يعد إنجازا حقيقيا في تاريخ المشرع المغربي- الفرص الكافية من أجل تطبيق واستجلاء تمثلاته في واقع الأسرة المغربية، وخضع بما يكفي إلى التقييم والتمحيص في مقتضياته، وفي إحصاء اختلالاته وعثراته. وفي الوقت الذي شكلت فيه ذكرى الصدور، عند حلولها منذ أسابيع، مناسبة لإعادة التذكير بضرورة الوقوف وقفة حقيقية عند حاجة المدونة إلى إعادة النظر، فلا بأس من اتخاذ مناسبة اليوم العالمي للمرأة، من أجل استشراف مستقبل هذا النص، والذهاب أبعد بمطلب المراجعة إلى مزيد من النقاش الصريح والهادئ، باتجاه تسريع عجلة المبادرة نحو الإصلاح المنشود. والحال أنه لا يبدو هناك من عائق فعلي أو (عصا مفتعلة) تقف في طريق تلك العجلة، فقد كانت المدونة موضوعا للتقييم والانتقاد منذ السنوات الأولى لتطبيقها، وخلصت الدراسة التي أجرتها وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية، على عهد الحكومة السابقة، بعد عشر سنوات من التطبيق، إلى أهمية مراجعة عدد من مقتضياتها بهدف ملاءمتها مع دستور 2011 والالتزامات الدولية للمغرب فيما يخص مكافحة جميع أشكال التمييز ضد النساء. وفضلا عن تقارير ومذكرات الجمعيات النسائية والهيئات الحقوقية، في المجتمع المدني، والعديد من اجتهادات ودراسات فقهاء القانون وعلم الاجتماع، التي عكفت على مقتضيات المدونة بالتحليل والمقارنة مع معطيات الواقع اليومي للأسرة المغربية، ورصدت مكامن الخلل وقدمت مقترحات التعديل، فإن عددا من المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي البيئي، أولت بدورها اهتمامها للموضوع، وعبرت بشكل أو بأخر عن رأيها المنفتح على أهمية المراجعة. ونفس الانطباع تعطيه مختلف المكونات الفاعلة والمؤثرة في حركية مجتمعنا المغربي الذي عرف خلال هذه السنوات الثمانية عشرة تغييرات وتطورات مهمة، وشهد كذلك على أوجه معاناة كبيرة ومآس حقيقية عاشتها النساء ومازلن بسبب عدم إنصاف القوانين وظلم التطبيق. كما أنه (المجتمع) يفترض أن يكون قد ارتقى كذلك، خلال هذه المدة، في مدارج الوعي والنضج بما تشكله معاناة النساء من عائق حقيقي في وجه التنمية. وبالتالي، فإن السؤال يطرح اليوم بإلحاح حول الأسباب التي ما زالت تؤجل التجاوب مع استعجالية مطلب مراجعة المدونة، بكل ما يترتب عن ذلك من تأخر من شأنه أن يكبل مشروع النموذج التنموي الجديد، ويرهن لمزيد من الوقت الضائع واقع ومستقبل الأسرة المغربية وقدرتها على المساهمة الإيجابية في تحقيق هذا النموذج. الأمر، كما يقول من طرحنا عليهم هذا السؤال، لا يتعلق سوى بالإرادة السياسية التي تبدو حاضرة ولكنها ما تزال في حكم الغائبة عن أجندة الفاعل السياسي. فإلى متى تظل قضايا النساء تركن إلى الخلفية بمبررات مختلفة وأعذار غير واضحة؟ في وقت يعلم فيه الجميع أن ركب التنمية لا ينتظر أحدا، وأن استشراف المستقبل بنظرة أوضح لا يحتمل المزيد من التأجيل.