يبلغ عدد المصابين بداء السكري في العالم، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، أزيد من 460 مليون شخص، بمعدل انتشار يفوق 9% لدى البالغين. وتشير تقديرات الهيئة الأممية أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع بسرعة حيث يتوقع أن يصل عدد المصابين إلى أكثر من نصف مليار بحلول نهاية العقد الحالي، خاصة أن رقعة انتشار المرض بدأت تتسع أكثر فأكثر في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وتقدر الكلفة العالمية لداء السكري بأكثر من 3 مليار دولار أمريكي سنويا. وتفيد التقارير الأممية أيضا أن داء السكري يعد سببا رئيسيا من أسباب الإصابة بالعمى والفشل الكلوي، وبالنوبات القلبية والسكتات الدماغية وبتر الأطراف السفلية. وعلى الصعيد العالمي، زادت حالات الوفاة بسبب داء السكري بنسبة 70 في المائة بين عامي 2000 و2019. ويعد مرض السكري واحدا من بين الأسباب العشرة الأولى لارتفاع نسب الوفاة في صفوف الذكور، إذ وصلت الزيادة إلى نسبة 80 في المائة منذ عام 2000. هذه المعطيات المقلقة لا تحد منها الجهود المبذولة في التوعية بمخاطر المرض وسبل الوقاية منه، على الرغم من تزايد الوعي العام بإمكانية الوقاية من السكري ومضاعفاته باحترام بعض القواعد البسيطة المتمثلة أساسا في إتباع نظام غذائي صحي مع القيام بنشاط بدني منتظم والامتناع عن التدخين. كما يمكن علاج مرض السكري وتجنب عواقبه أو تأخير ظهورها من خلال الأدوية والفحص المنتظم وعلاج أية مضاعفات. وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة داء السكري الذي يصادف 14 نونبر من كل سنة، اختارت الأممالمتحدة هذه السنة موضوع "الوصول إلى رعاية مرضى السكري"، وذلك من أجل تسليط الضوء على معاناة ملايين المصابين عبر العالم من نقص الرعاية الصحة وفرص الولوج إلى العلاج، خاصة مع ما يحتاجه هذا المرض المزمن من متابعة مستمرة لضمان استقرار الحالات وتجنب المضاعفات. وكما أشار إلى ذلك أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالة بمناسبة اليوم العالمي، فإن ما يبعث أكثر على القلق أن انتشار وباء السكري أضحى أسرع وأوسع في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، و"هي البلدان الأقل تزودا بأدوات التشخيص والأدوية والمعرفة الجيدة التي تمكنها من توفير العلاج المنقذ للحياة". وأصبح المصابون معرضين بدرجة أكبر للمضاعفات الخطيرة والوفاة في ظل جائحة كوفيد 19 التي حدت بدورها من إمكانية استفادتهم من أبسط الخدمات في المشافي والمراكز الصحية، فضلا عن حصولهم على مادة الأنسولين والأجهزة الأساسية لقياس مستوى السكر في الدم وأشرطة الاختبار. ومن بين البالغين المصابين بالسكري من النوع الثاني، لا يدرك شخص واحد من كل شخصين حالته المرضية. وتقول منظمة الصحة العالمية إن النظم الصحية في العديد من الدول ما زالت تفشل في تشخيص المصابين بالسكري وتقديم الرعاية لهم، إذ أن نصف حالات البالغين المصابين بالسكري من النمط الثاني لا تحظى بالتشخيص. وأما الأشخاص الذين تم تشخيصهم، فليس من المضمون أن يحصلوا على الأدوية الأساسية للسكري وغيرها من الأدوية المرتبطة به والفحص المنتظم من أجل الكشف عن المضاعفات. ومع أن المعطيات العالمية تفيد بأن الأدوية الأساسية لداء السكري متوفرة بشكل عام في حوالي 80 في المائة من المرافق في قطاعي الرعاية الصحية العام والخاص، فإنها تظل غير متوفرة إلا في حوالي نصف المرافق الموجودة في البلدان منخفضة الدخل وبلدان الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط. وتضيف المنظمة أن انخفاض عدد الشركات المصنعة للأنسولين، على الصعيد العالمي، بسبب عوامل تشمل تعقيد عملية التصنيع وحماية الملكية الفكرية وغيرها من الممارسات، مثل القيود التنظيمية واحتكار السوق، أدى إلى خنق المنافسة على الأنسولين وأجهزة إيصاله، وبالتالي ارتفاع الأسعار. ووفقا لمسح أجرته المنظمة مؤخرا، فإن خدمات السكري في 62 في المائة من الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 194 دولة قد تعطلت جزئيا أو كليا خلال جائحة كوفيد 19. وفيما أظهرت جائحة كوفيد 19 ضرورة إيلاء أهمية أكبر لضمان استقرار النظم الصحية وتوافر الخدمات في أوقات الأزمة، فإنها أبرزت كذلك ضعف مرضى السكري أمام المضاعفات الصحية الأخرى، إذ أدت الجائحة إلى ارتفاع نسبة مرضى السكري بين المرضى المقيمين في المستشفيات الذين لديهم أعراض وخيمة ناتجة عن الإصابة بكوفيد 19. ولذلك دعت منظمة الصحة العالمية الدول إلى تطوير أنظمة الرصد وتعزيزها لتشخيص داء السكري ومضاعفاته، وردم الفجوات الكبيرة بين احتياجات العلاج وإمكانيات المنظومات الصحية، مع الترويج للأنماط الغذائية الصحية والنشاط البدني المنتظم وتجنب التبغ، والعمل مع القطاعات ذات الصلة من أجل معالجة العوائق التي تحول دون إتباع نمط حياة صحي. كما أكدت على أهمية تشخيص السكري وعلاجه ورعايته ضمن نظم الرعاية الصحية الأولية، وتعزيز أنظمة الإحالة بين مستويات الرعاية الأولية والمستويات الأخرى، وكذا تقوية قدرات الموارد البشرية الصحية، والقدرة المؤسسية على الكشف المبكر عن السكري وعلاجه. وفي سياق ضمان الحصول على الدواء، شددت المنظمة على أهمية تسهيل شراء البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لمادة الأنسولين وأدوية السكري الأخرى وأجهزة الرصد والإيصال، وزيادة شفافية الأسعار وتيسير التنظيم.