الحق في الحياة مدخل لإلغاء عقوبة الإعدام عبر عدد من الفاعلين الحقوقيين والسياسيين عن تقييم إيجابي للجانب المتعلق بالحقوق والحريات في مشروع الدستور. واعتبر هؤلاء الفاعلون في تصريحاتهم لبيان اليوم أن المشروع نص بشكل صريح على كل الحقوق الأساسية كما تضمن حماية للحريات مقارنة مع الدستور الحالي وإن كان البعض يرى أن هناك بعض الغموض والثغرات التي شابت نص الدستور والتي من شأنها عدم توفير ضمانة كافية لبعض الحريات والحقوق. فبالنسبة لأمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فقد تم، على مستوى المنظمة، تسجيل ثلاث مداخل عامة في هذا المشروع. يتعلق المدخل الأول بالسياق والمقاربة التشاركية، فيما يتعلق الثاني بوضع حقوق الإنسان في المشروع «باعتباره وضعا مهما جدا، إذ تخترق حقوق الإنسان كل المقتضيات»، أما المدخل الثالث فيهم «ترسيخ دولة المؤسسات والتأكيد على المعادلة التي كانت غائبة في السابق وهي المسؤولية والمحاسبة». وتضيف بوعياش في حديثها لبيان اليوم، أن «مبدأ المحاسبة أصبح يخضع له جميع الفاعلين والمسؤولين على تدبير الشأن العام، ليس السياسي فقط بل الاقتصادي والاجتماعي والأمني». ف «الكل مسؤول، وبالتالي، خاضع للمحاسبة». فيما يخص ما نص عليه المشروع من الحق في السلامة الجسدية والنفسية للمواطن قالت رئيسة المنظمة الحقوقية إن «هذا الحق أصبح محصنا من خلال المبدإ أولا، ومن خلال الضمانة بإعمال هذا المبدإ ثانيا، ثم من خلال المساءلة في حال عدم احترام مبدإ السلامة الجسدية للمواطن». واعتبرت أن «هذه المداخل الثلاثة موجودة على مستوى كل السلطات: التنفيذية التي عليها ضمان هذا الحق، والتشريعية التي تسائل عندما يتعرض هذا الحق للانتهاك، ثم السلطة القضائية وآليات الحكامة والمشاركة للمواطن في المتابعة». وأشارت بوعياش في هذا الصدد إلى أن «الممارسة ستبين بجلاء ما إذا كان هناك نقص في هذا المشروع أم لا.» أما عبد اللطيف أوعمو، القانوني وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، فيرى أن «القيمة المضافة في الجانب الحقوقي تكمن أساسا في إقرار كونية الحقوق، وهذا مهم جدا وأساسي جدا»، يقول المتحد في تصريح للجريدة. من جهة ثانية يرى أوعمو أن ذلك «يفتح المجال أمام القيم المشتركة والمتقاسمة مع الشعوب الأخرى، كما يعتبر مفتاح تطور الواقع المغربي كمجتمع متعدد لكن هذه التعددية لا تنحصر في الهوياتية المحلية بل تتفاعل مع هويات أخرى بغض النظر عن نوعها أو جنسيتها» . فدسترة الحقوق، حسب أوعمو، يمكن أن تفتح المجال أمام الوصول إلى مكاسب أخرى. وأعطى مثال الحق في الحياة الذي هو حق طبيعي، معتبرا أن «التنصيص على هذا الحق معناه إعطاء للحياة قيمة إنسانية لا تنتهك، وهو ما سيمكن من فتح ملف إلغاء عقوبة الإعدام». توسيع المجال الحقوقي يتجلى أيضا، حسب المتحدث، في «قضية منع التعذيب بكل أشكاله». «فالتنصيص على جريمة الإبادة والجرائم الإنسانية وجعلها جرائم دستورية يعني أنها لا تقبل التقادم، وهذا يخول المغرب بأن يكون مؤهلا للانخراط في المحكمة الجنائية الدولية وفق ميثاق روما». ويضيف النقيب أوعمو أنه «يمكن أيضا الحديث عن مبدإ المساواة بين الجنسين والمناصفة، رغم أن هذا مازال يتطلب عملية الأجرأة». فالمساواة بين الجنسين، حسب المتحدث، «هي أحد المفاتيح الأساسية لبناء المواطنة وتحقيق حرية الضمير، أي الضمير المدني، الذي يؤمن الجرأة والشجاعة والنقد والاحتفاظ بالكرامة ورفض كل ما يؤثر سلبا على حرية المواطن وشخصيته»، يقول عضو الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية. ويضيف: «يمكن القول أن مشروع الدستور فتح ورشا كبيرا وهو انطلاق لبناء مجتمع ديمقراطي لا زلنا نحلم به فقط». و»الدستور هو أداة من بين الأدوات التي ستمكننا من ذلك»، على حد تعبير عبد اللطيف أوعمو. بخصوص إشكالية سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية وبالصيغة التي جاء بها المشروع يعتبر أوعمو أن «هذا ليس تراجعا». ويقول إن «هناك في المشروع إقرارا بقاعدة سمو المواثيق الدولية، فإذا كان هناك حالة لتناقض القاعدة الدولية مع الدستور فسيتعين آنذاك تعديل الدستور. أما كيف نجعل القاعدة تسمو فهناك ميكانيزمات المصادقات التي يبقى فيها المغرب يمارس السيادة». بطبيعة الحال، يضيف أوعمو، فهذا مرتبط بقيم المجتمع الحالية، وهي ليست قيم حداثية بل قيم محافظة، لذلك تم ربط قاعدة السمو بالثوابث. وتعتبر هذه، حسب المتحدث، «خطوة عظيمة جدا تسمح للمواطنين أن يتمسكوا بالقوانين الدولية التي لم تصلها الملاءمة للتمسك بحقوقهم.» بالنسبة لعبد السلام الصديقي، الحقوقي والفاعل السياسي، فالدستور بتنصيصه على كافة الحقوق الأساسية المتعارف عليها دوليا من حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، قام بتكريس واقع قائم؛ لأن المغرب صادق على أهم الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والبروتوكول المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية محاربة التمييز ضد المرأة». وأضاف أنه «لم يبق للمغرب في هذا المجال سوى التحفظ على الجانب المتعلق بالإرث والجانب الآخر المتعلق بانتقال العرش إلى الإناث». وأضاف عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية في تصريح لبيان اليوم بأنه «لا بد من الإشارة إلى أن المشروع، بتنصيصه على الحق في الحياة، يلغي ضمنيا عقوبة الإعدام وإن كان لا ينص عليها صراحة». ومعلوم أن الحركة الحقوقية، يقول المتحدث، مازالت تطالب بإلغاء عقوبة الحكم بالإعدام، كما يوجد بالمغرب حاليا 133 محكوما بالإعدام لكن لم يطبق عليهم هذا الحكم. وأشار الصديقي إلى أن المشروع «نص أيضا على تجريم التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وعلى سرية المعلومات وحق الولوج إلى المعلومة». كما «نص على الحق في الماء وهذا يتناقض مع خوصصة هذه المادة الحيوية». ويضيف الصديقي: «هناك أيضا الجانب المتعلق بالحق في الولوج إلى المعلومة، وحق المجتمع في مساءلة ومحاسبة كل من يتدبر شأنا عاما». في هذا لإطار «لم يعد بموجب المشروع تعيين رؤساء المقاولات العمومية بظهير بل أصبح تعيينهم يتم من قبل رئيس الحكومة باستثناء بعض المؤسسات ذات الطابع الاستراتيجي وهي معدودة على رؤوس الأصابع، وهو ما يجعلهم تحت طائلة المساءلة والمحاسبة». واعتبر الصديقي أن «الدستور قانون أسمى يفصل في النزاعات وتتم ترجمة مقتضياته في قوانين تنظيمية لا يجب أن تتناقض مع الدستور». ويعد هذا، في رأيه، «مجالا لنضال اجتماعي وسياسي، ويجب أن تكون هناك يقظة تامة في هذه المعركة، معركة القوانين التنظيمية». هذه المعركة «تمتد داخل البرلمان الذي يجب أن يكون برلمانا له من التكوين والمسؤولية والوعي ما يؤهله لأن يكون قادرا على إنجاز هذه المهمة»، يقول عبد السلام الصديقي. مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، يرى أن «مبدأ عدم الإفلات من العقاب منصوص عليه بوضوح في مشروع الدستور»، وهذا المبدأ «مرتبط بالسياق الذي جاء فيه، أي باب الحقوق والحريات والذي يتضمن، من ضمن حقوق أخرى، المساواة والحق في الحياة». واعتبر المانوزي أن «الحق في الحياة لا يعني فقط موضوع الإعدام، بل يعني كل الحقوق التي جرم المشروع انتهاكها باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، مما يقتضي المساءلة الجنائية على هذا الانتهاك»، يقول المانوزي. ويضيف: «طبعا هذا سيتطلب تفعيلا على المستوى التشريعي وعلى المستوى الواقعي، بمعنى أنه من الناحية التشريعية يجب تنزيل هذا المبدإ في المنظومة الجنائية، وعلى المستوى الواقعي يجب على الفاعل السياسي والحقوقي بذل مجهود كبير من أن أجل تفعيله». ويعتبر رئيس منتدى الحقيقية والإنصاف أن «التنصيص على الحق في الحياة لا يعني أن إلغاء عقوبة الإعدام أصبحت واقعا. فمازال هناك المصادقة الصريحة للمغرب على مطلب الإلغاء، ثم تنزيل ذلك في القانون الجنائي سواء من خلال عقوبة بديلة أو شيء آخر». ويضيف المانوزي أنه «في الواقع الدولة تقول أنها لا تنفذ عقوبة الإعدام عمليا, هذا صحيح ولكن يجب الإشارة، بنظره، إلى أن المرء المحكوم عليه بالإعدام ينتظر يوميا تنفيذ هذا الحكم، وبالتالي، فهو يعيش تعذيبا نفسيا مستمرا». لهذا «نحن نعتبر الفصل 20 مدخلا، لكن هذا يتوجب ضغطا كبيرا من أجل الإلغاء الفعلي لعقوبة الإعدام»، يقول رئيس منتدى الحقيقة والإنصاف. على مستوى حرية الرأي والتعبير والفكر يرى المانوزي أن «الغموض الذي يشوب مبدأ سمو القوانين الدولية على التشريعات الوطنية لا يتيح حماية فعلية لهذه الحريات». فإذا رجعنا إلى التصدير، يقول المتحدث، نرى أن الدين الإسلامي هو أول مكون للهوية الوطنية، وهذا يعني أن مازال هناك تحفظات على عدد من الأمور التي تدخل في خانة الحريات والحقوق». ويضيف: «لهذا كنا نطالب بفصل الدين عن السياسة وإقرار دولة مدنية حتى يتم ضمان حماية تامة للحق في إبداء الرأي والتفكير». من جهة ثانية لقد جاءت حرية التفكير ليس في خانة المشاركة السياسية بل في خانة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية...إلخ. ولقد «كنا نود إدخال حرية الفكر في الخانة الأولى حتى تتمتع بحماية أكثر»، يقول المانوزي. وبالتالي «نعتبر أن التنصيص على حرية الفكر والرأي وجعلها في خانة الحقوق لا يضمن حماية كافية وبالتالي مازال الباب مفتوحا أمام متابعة الإدلاء بالرأي وبالفكر في ما يعتبر جرائم الصحافة أو في باب كل ما من شأنه...» يضيف رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف. للتذكير فقد نص مشروع الدستور في ديباجته على حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما; مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء. كما نص المشروع على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة... إلخ. وجعل المشروع الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة. وفي تفصيله لهذه الحقوق نص الفصل 19 على أن يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بموازاة مع سعي الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء من خلال إحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. أما في الفصل 20 فنص على الحق في الحياة وحمايته بالقانون. ونص في الفصل 21 على أن لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته. وجاء تأكيد ذلك في الفصل الموالي (22) حيث نص على ألا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. كما لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية، حيث اعتبر ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي كان، جريمة يعاقب عليها القانون. كما نص على عدم جواز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، وعلى أن الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات، مؤكدا على أن قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان، وأيضا على تمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف اعتقال إنسانية. ويمكنه أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة الإدماج. وحظر المشروع كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف. ونص على معاقبة جريمة الإبادة وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان. وفي الفصل 24 نص على عدم انتهاك حرمة المنزل كما لا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات، التي ينص عليها القانون. كما نص على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. وفي الفصل 27 نص مشروع الدستور على أن للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. وضمان حرية الصحافة التي لا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. وفي الفصل 29 نص على أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. كما أن حق الإضراب مضمون على أن يحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته.