محمد نبيل بنعبد الله في تجمع جماهيري حاشد بمدينة سيدي قاسم مشروع الدستور سيحظى بمشاركة واسعة من الشعب المغربي عقارب الساعة تجاوزت السادسة مساء، والشمس تظهر في الأفق كأنها ترفض أن تميل نحو المغيب، والجو صيفي بامتياز في مدينة سيدي قاسم ثاني أكبر مدن منطقة الغرب، حيث تجاوزت درجات الحرارة الأربعين، ومع ذلك لم يمنع هذا الجو القائظ حشودا من المواطنات والمواطنين من الالتحاق بساحة علال بنعبد الله أمام المقاطعة الحضرية بالمدينة لحضور المهرجان الخطابي الذي نظمه حزب التقدم والاشتراكية عشية الثلاثاء، برآسة الأمين العام، محمد نبيل بعبد الله. الساحة الفسيحة تحيط بها مقاهي ومحلات تجارية تعرض كل أنواع السلع، وفي نهاية بعد الظهر تعرف رواجا كبيرا حيث يحج لها السكان من كل الأحياء والمناطق القريبة، وتشهد حركة ازدحام مكثفة، حيث ينشر الباعة المتجولون بضاعتهم على الناصية أو فوق عربات صغيرة من مختلف الأشكال، يتجاور فيها بائعة الخبز البلدي، بتاجر العطور، وبائع الأواني المنزلية ببائع المصوغات الفضية. يتساكن فيها صاحب دكان الأقمشة والأثواب بصاحب محل المأكولات أو بيع الزيتون. بعيد الموعد المحدد ببضع دقائق، هل موكب الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، مرفوقا بثلة من مناضلي الحزب بمنطقة الغرب، وسط تصفيقات الحشود التي توافدت على الساحة قبل الموعد بكثير، على متن سيارات النقل المزدوج، أو مشيا على أقدامهم. وحتى رواد المقاهي المحيطة دفعهم حب الاستطلاع إلى ترك مقاعدهم وقارورات المياه الباردة والتطلع إلى الاستماع إلى كلمة الأمين العام. وبعد الترحيب بالجماهير التي لبت دعوة الحزب لحضور هذا المهرجان الخطابي الذي يندرج في إطار الحملة الشعبية للاستفتاء على الدستور، من ضمن سلسلة المهرجانات التي ينظمها الحزب عبر ربوع المملكة تحت شعار «نعم لدستور الدولة الديمقراطية الحديثة»، التي تحملت عناء التنقل من مناطق بعيدة في مثل أجواء الصيف الحار، وهذا دليل، بحسب الأمين العام، على الانخراط التام لكل فئات وشرائح المواطنين في المسلسل الإصلاحي الذي يخوضه المغرب، والذي يدخل مرحلة حاسمة وتاريخية بالاستفتاء على الدستور الجديد. وأكد نبيل بنعبد الله على أن مشروع الدستور الجديد لحظة تاريخية متميزة في التاريخ المعاصر، وقفزة نوعية إلى الأمام، ستمكن المغرب من ولوج عهد جديد، عهد البناء الديمقراطي وتحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية لكافة المواطنات والمواطنين. وتجاوبت الحشود مع الأمين العام بالهتاف تارة «الشعب يقول نعم للدستور»، وتارة بترديد «نبيل يا رفيق لازلنا على الطريق»، وغيرها من الشعارات المؤيدة لمشروع الدستور ولموقف الحزب. وذكر نبيل بنعبد الله أن حزب التقدم والاشتراكية قرر التصويت بنعم على مشروع الدستور إيمانا منه بأنه دستور يلبي طموحات كل المغاربة دون استثناء، إلا من أراد التخلف عن الدينامية الإصلاحية التي يعرفها المجتمع، مشيرا إلى أن الحزب كانت له الجرأة والشجاعة الكاملة أن يقول كلمته، خلال سنوات الرصاص، وأدى الثمن غاليا بسبب مواقفه الجريئة. واستطرد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن المشروع المعروض للاستفتاء يستجيب لحوالي 95 في المائة من المطالب الواردة في المذكرة التي رفعها الحزب إلى اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور. وأن قرار أجهزته القيادية بالتصويت بنعم على الوثيقة تنبع من أن المشروع برمته «متقدم جدا سيمكن المغرب من تبوأ مكانته بين الدول الديمقراطية»، وخطوة كبيرة نحو تعزيز مجال الحريات الفردية والجماعية وسمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا، وترسيخ القواعد والمبادئ المرتبطة بالمساواة بين الرجال والنساء، مبرزا أنه ينص على سياسات وإجراءات من شأنها محاربة كافة أشكال التمييز. وأبرز الأمين العام في خطابه أن حزب التقدم والاشتراكية كان من بين الهيئات السياسية القليلة التي دقت ناقوس الخطر، ونبهت إلى ما عرفه المجال السياسي المغربي في السنوات الأخيرة من انحرافات وخروقات وانزلاقات، ولم تعوزه الشجاعة في التنبيه أن مثل هذه الممارسات ستوقف عجلة الإصلاح بالمغرب وستؤدي بالبلاد إلى نتائج لا تحمد عقباها. وكان من الأحزاب القليلة التي قالت بأن المغرب في حاجة إلى جيل جديد من الإصلاحات لمزيد من الديمقراطية، وهو الشعار الذي اختاره لمؤتمره الوطني الأخير، وكان رائدا في المطالبة بتعاقد سياسي جديد. وشدد نبيل بنعبد الله أن مشروع الدستور الحالي تعبير عن تفاعل القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية بالبلاد، ومن بينها حزب التقدم والاشتراكية، التي ناضلت على مدى عقود من الزمن للوصول إلى هذه المحطة التاريخية، تعطى فيه الشعب حرية ممارسة السلطة من خلال برلمان منتخب وبصلاحيات واسعة، وحكومة مسؤولة نابعة من صناديق الاقتراع. وأضاف الأمين العام أن المشروع ثمرة تجاوب بين مطالب عبرت عنها القوى الديمقراطية والتقدمية، والحراك الشعبي الذي يقوده شباب متحمس إلى التغيير، وإرادة ملك مصلح تجاوب إيجابا بحكمة وتبصر مع كل هذه المطالب، في نفس الوقت الذي اختار فيه نهجا مخالفا على ما نهجه زعماء آخرون في مواجهة الشارع. وهو ما جعل المغرب بحق استثناء فريدا في هذه المنطقة التي عرفت ثورات شبابية أطاحت بالعديد من الرؤساء. ودعا نبيل بنعبد الله الحاضرين، وعبرهم كل المواطنات والمواطنين إلى المشاركة المكثفة في الاستفتاء الشعبي على الدستور يوم غد الجمعة، وحثهم على التصويت ب «نعم» لقطع الطريق أمام الذين يدعون إلى المقاطعة. باعتبار أن مشروع الدستور الجديد يشكل قفزة نوعية سترتقي بالمغرب إلى عهد البناء الديمقراطي، دستور يختلف في العمق عن الدساتير التي سبقته. ولا يمكن بأي حال من الأحوال، كما يدعي البعض، أن يكون دستورا ممنوحا. «إنه دستور من صنع المغاربة ولكل المغاربة». وردا على الذين ينعتون اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور، التي انكبت على مدى أكثر من ثلاثة أشهر على وضع مسودة هذا المشروع، بشتى الأوصاف والنعوت قال نبيل بنعبد الله «إن منهم أكاديميين محنكين ومناضلين سياسيين أمضوا سنوات من الاعتقال السياسي والاغتراب القسري ثمنا على مواقفهم، و»حرام أن ينعتوا بمثل تلك الأوصاف». واستطرد بالقول إنه لأول مرة في تاريخ الدساتير في المغرب، يتملك المغاربة قاطبة الوثيقة ويناقشونها بكل جرأة وحرية، دستور يمكن التأكيد على أنه «نابع من المشاركة القوية لكل فئات الشعب». مشيرا إلى أن اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور توصلت بما يفوق 100 مذكرة من طرف الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية والجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني باختلاف تكويناتها، و»لعمري أن المغرب لم يعرف مسلسلا تشاوريا بهذا الشكل من قبل». وتوجه الأمين العام إلى الحضور بالقول إن الدستور «دستور المواطنة»، يعتبركم أنكم مواطنين ومواطنات سواسية أمام القانون، «انتهى عهد الرعايا وعهد الأتباع، أنتم مواطنون كاملي المواطنة، يضمن لكم الدستور حقوق وعليكم واجبات. وأضاف أن هذا الدستور الجديد يمنح لكم الحق في تقديم مقترحات قوانين أمام البرلمان، كمجموعات وكجمعيات، وعليكم أن تضعوا ثقتكم في أشخاص يستحقون أن يمثلونكم أحسن تمثيل في المؤسسة التشريعية، قادرين على إخراج قوانين من شأنها أن تستجيب لحاجياتكم اليومية كمواطنين. كما يتيح لكم الدستور الجديد توقيع عرائض بكل حرية وبمبادرة مواطنة، في كل قضية من القضايا التي تهمهم، سواء تعلق الأمر باحتياجات يومية أو في الحاجة إلى بنيات تحتية أساسية، من قبيل إنشاء الطرق أو بناء المدارس والمستوصفات. واعتبر نبيل بنعبد الله أن مشروع الدستور الجديد يقر لأول مرة في تاريخ الدساتير بالمغرب بالقضاء كسلطة مستقلة، لا تتلقى تعليمات ولا أوامر من أي جهة كانت، ويفرض الدستور على القضاة النزاهة والاستقلالية التامة. وجرم المشروع أي محاولة للضغط أو استمالة القاضي. ووجه الأمين العام حديثه إلى الحضور بالقول كم من واحد منكم «تكرفصات عليه العدالة» أو كان ضحية حكم جائر، من الآن فصاعدا أصبح بإمكان أي واحد منكم أحس أنه متضرر من حكم قضائي الحق في التقدم أمام المحكمة الدستورية بدعوى عدم قانونية الحكم الصادر في حقه، وتوقيف تنفيذ هذا الحكم. وعلى الرغم من الحقوق الواردة في المشروع الجديد للدستور الذي سيتم الاستفتاء حوله يوم غد الجمعة، يقول نبيل بنعبد الله، نحن في حاجة إلى رجال ونساء قادرين على تفعيل هذه المضامين على أرض الواقع وأن يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا، وأن يكونوا في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم. وخلص نبيل بنعبد الله الذي لم ينل منه التعب شيئا، رغم أنه يجوب البلاد طولا وعرضا، يشارك في المهرجانات الخطابية ويباشر الحملة التفسيرية، على غرار باقي أعضاء المكتب السياسي للحزب، إلى أن المشروع سيحظى بمشاركة واسعة من الشعب المغربي، وسيصوت عليه بكثافة، بدون شك، وسيفتح أمام المغرب عهدا جديدا. وليكون كذلك يجب أن تتوفر للجميع الإرادة في الاستمرار في المسلسل الإصلاحي. فالدستور ليس إلا حلقة واحدة من حلقات الإصلاح، وليس بالتصويت عليه فقط سنتتهي كل معاركنا من أجل محاربة الفساد والمفسدين، والوقوف في وجه تجار الانتخابات وتجار الضمائر وأصحاب المال، بل يجب على الجميع أن يتجند لإستكمال حلقات هذا المسلسل.