ذات غروب حملت ماضيها في زوايا مثخنة بالنسيان، تفهرس الذاكرة فصولا و أجزاء، بعد أن أتقنت طيه بين صفحات العمر و رحلت، ك أنثى تمضي ولا تمضي، باقية و ليست بالقرب، تجيد تسطير الذكريات، حتى و إن أرهقها الهذيان، وسارت بها الدروب و الوديان ل ترتقي بها أعالي قمم الضياع، فيحمل الحاضر الماضي على أمواج بحر غارق في الحلم، فتشعر ب الانتماء إليها و لأول مرة يفيض الدمع الراكد في عيونها عله يغسل معه ما يسكنها . وكيف س تغفو تلك العيون، و حروفها تخترق أوتار الروح، كطعنات تكلأ العمر، لتتساقط أوراقه تباعا، و بين رموش القدر غفت روح تلك الأنثى الصاخبة حد الضجيج، الهادئة حد الموت، فصلبت بالهشيم ل تنبض بالارتجاف، عل العقل يستريح من ضياعه في ذاك الركن القديم من الأحلام، و لربما يجد تلك الحقيقة الممزقة من واقعه التائه، ف يجدل ضفائر الكلمات و يستل من الحرف رحيق روحه ل يتركها هشة مدججة بالمعاناة . ربما هذا ما يجري فعلا بداخلها لكن خبروني؟ من يرشي ضمير القمر ليروي قصة حياتها، و يتزحزح ولو قليلاً عن عنق الليل، فينفث شظايا الأحلام، و يعزف معه سيمفونيات وجدها الضائعة، وملاذ روحها، فتتناثر ملء الغياب، و تنسج الذاكرة تاريخها العقيم، وحدها نبوءتها العائدة من براثين الخوف، تجعلها تسكن ذاك الضياء، لتنام في هاجس الليل ممسكة بنور النجوم، تتحسس دفئا يزهر في الظلام لتنتبه إلى همس العواطف . و فوق جدع أقدارها، يهمس التعب ب صوت العندليب، و ينير مشاعل الألق بردهة الحلم، فتنقسم السماء ل حبات من نور و نار، و شال من شفق الأمنيات، تسمع أنفاس الليل بالأسحار تدثر مساءها بالسمّار، و سكرة الشوق تعربد بالضياء . أبحث عبتا عني فيها، فأهز الرؤى من عيون القدر، وليلي تيار جارف يصارع النهار، ليسهر القمر لدي، و لا صوت يسمع، إلا ذاك الذي يتردد من وجيب قلبي، و ربى روحي، ف أضج بالعذاب سهوا و أعاتب علنا وشوشة الصمت و هو يمشط جدائل الفرح . و أنا … دعكم مني، فأنا مجرد أسطورة في ذاكرة الوقت، حين أتشظى يسن الخواء عراء الروح، و سديم غربتها . ف إلى متى سأظل أقتلع أشواكي، و أحصد غلطات عمري، و أنا تائهة بين مسافات الهذيان، و الخوف، و الارتباك، و الفضول يقرع باب الروح أكملت نصابي من الحياة، و حملته بحب وتحنان، ك وليد عمري، أفك أساريري، و أسمع صهيل النوايا بدم العذارى، و كلي يقين ب أن ربي سيروي زهرة قلبي مهما أصابها الذبول. أقرأ كثيرا , ثم أستيقظ ك منبه شوق، دأب توديع ذكرياته المغلفة بالغيوم، و شظى أحاسيسه ليسترد نفسه من غمامة الحنين، أذرف دمعاً كثيرا و فيضا من حبر بداخلي، لأدون حروفا عبثية التساؤلات بلا متن، و إن لامست روحي صدقا، وحقا، ستنساب من حولي كشلالات من معان، ودررا من أفكار، فما تكاد المشاعر تختزلني، حتى تتسرب الأماني، و تفيض الدموع، ومن خمائل الياسمين أنسج ثوبي ومن رحيق الجوري أتعطر . و لأنني أنثى تجيد العزف على أوثار حروف موشومة على كف السماء، و تتقن نسج كلمات بحدس السنابل وتغزل الأمنيات الهاربة، حين ينتاب الشعور السامي لوثةُ واقعي هناك بين ركام التعب،علني أمارس طقوس الحياة بصمت . ككل مرة أرتشف قهوتي من رحيق الحروف، و أرسم شوقي على ملامح الوقت , فينساب عطره بين الفينة و الأخرى، ل تترنم حياتي من ساعات السحر . و حينما تبزغ ابتسامتي في شروق تلك القصيدة، ألبس وإياها ثوب المشتهاة، و أحمل ذاكرتي ما لا طاقة لي به، لأودع ذاتي الطريق الطويل المرهق . تبا، هذه أنا أهرول بين متاهات العمر، أتدحرج على أرصفة الزمن، وأعود من جديد لرسم فرحة اللقاء على جبيني، بلغة شوق وعناقيد وجد , اعذروني طال بي المسير، وحان وقت خلوتي، سبع غافيات كانت مسائاتي، و سطر يتيم كان عزائي في غربتي، لأرسم هناك عند الضفة قمرا و سحابتين، تغرفان من وجنة الضياء ملامحي، وتنسجان من نجومه العذراء قلائد الدرر لأكتسي من سحرها الصبر . ف يا شرفة القمر لا ترسلي النجوى , و طلة الأقدار التي يلفها السمار بعيدا للسماء، لا زلت انتظر الهطول ها هنا، فلتسقط أقمارك على هذياني، ولتسكبي عبير بسمتك في عيوني، كي أراك نرجسا يزين صباحي و مسائي، و أرسم على وجه الليل ثرثرة الرحيل، و صمت غابات الغسق برجفة نوتيها الأسحار حين انتظار في دوح الأصيل , وفي كل وادٍ تمرَح فيه الأقدار , أبلل مقل المشتاقين مرارا للغوص بين حواف السطور و حكايا الحنين، و في عالَمي الخاص أرسم حدودي، هناك بعيدًا عن واقعٍ أدمَى قلبي، فتبخرت أبجديتي ، و أحرقت حروفي في بوتقة الصراع . فعلا فقدت الكثير في أزقة الروح لكنني أشتهي أشياءا صغيرة تماهت مع ظلالي , و أحلاماً برائحة القرنفل تهطل مطراً ندياً، شرساً، و ساذجاً يتعالى برفق فوق خد السماء ، لتولد قصيدة سريالية على صوت عبيرها ، فتخبرني أنني أنثى القمر و كلما جف رحيقُ الحروف، تريثت قليلا في طريق عودتي لعلي نسيت ذكرى بين حناياها بوح و بهجة تسهر اللحظ . أيحزنني ذاك الصمت الذي يستحوذ علي ؟ أم انثر رمادَ الأيام وسط الشهور وليلي تيار يصارع النهار ؟ ف يا أيتها الأقدار هاتِ لي لحنا ماطرا تناءَت فيه الروح لأكمل نصابي، عله يهجرني ذاك الصمت الذي يستحوذ علي إن طل من شرفة قمري، و لا ترسلي يا سليلة الضوء النجوى بعيدا للسماء، ف أنا أنتظر موعد هطولي ها هنا، لأتساقط و أسكب عبيري على عيون جورية نعسى في ثنايا قلبي، لتتكدس جراحي ف أحجب في معابد العشق وأشعل شموع الفرح عل الأيام، فتطرز حروفا من دموع و وداع، وأحملها عناقيد السطور حتى أغزل من حروفي خيوط القمر . و لأنني أنثى ترتشف قهوتها من رحيق الحروف، و وحده عناق روحها يزيح عنها برد الشعور، و يمحي طعم الحزن من حنجرة ذاكرتها التعبة، ف أنا أسأل روحي دائما على أي غصن تغرد حروفي، و تقلقني ثورة مشاعري و أنا أتجول داخلي و إلى أي حد يخيفني سكوني ؟ ….. ربما للحد الذي لا أشعر فيه بشيء معي بت أتنحى أحيانا انهياري ، و ربما بات اعتناق الصمت واجب حين أشعر أن الكلام لا يجدي ولا يروي و إن أتت قطراته برفق، لتلامس رواسب حزن و ألم علق في دواخلي فعلا عنواني وسط السطور . وحدي الليلة أشعر بالتآكل، و إرهاصات اللحظة تنتاب الأحلام، بعدما ارتعشت الأنامل هلعا و جفت أوراق الحروف، فارتدت معان كثيرة من نوافذ روحي و شغاف قلبي إذا كيف للحرف أن يولد، وحمى النِّفاس تطارده قبل أن يعانقني ؟ ربما حين أراني نرجسا يزين الفضاء و يرسم طلة القمر و مخيلتي لا تشاطرني تسابيح النسيان بصمت و أنا التي لا تنحني أبدا للريح و لا تتجول بغابات الغسق و لا تهمس ب ثرثرة الرحيل، و رجفة الانتظار، و على حافة ديسمبر يتهلل خافقها للقاء بعد وجع .