يبدو أن المجال الفني للفنانة زكية العاقيب يرتبط بالصيغ التعبيرية والقيم الفنية والجمالية، إذ تبني منجزها التشكيلي على الاختزال اللوني إلى حد ما، وعلى نبض التمثلات المستقاة من الطبيعة وتثبيتها على خامات من القماش بتقنيات عالية الجودة وخالصة الجمال. وهو ما يؤدي إلى تصويغ عدد من الزخارف التي تشكل بالإضافة إلى رسوماتها التشكيلية نسيجا فنيا رائقا حين تجعل مجموعة من المفردات الفنية الخفيفة تتداخل جماليا سواء عبر اللون أو الشكل أو الرسومات أو الزخارف، لتولف بينها في نطاق مقاربة مغمورة بكل سياقات المادة التشكيلية المشكلة للفضاء، تتسم بوجود وشائج قائمة بين التشكيل والموضوع. ثم إن تلك المادة التي تنجزها الفنانة بحرفية وتقنيات عالية تخفي في عمقها مضامين ودلالات قوية، ترتبط بالتوظيف اللوني الفارقي أحيانا، والذي تنتقيه المبدعة بعناية لتبين بعض التقنيات التي تحيط بالشكل العام للرسومات، لتبدي عمق الخطاب المخفي وراء حجب الشكل العام، لتظل رهينة التأويلات المختلفة والقراءات المتعددة الناتجة عن تعدد الدلالات. وهذا ليس بغريب عن المبدعة زكية العاقيب، لأن البناء التشكيلي عموما لديها يعتمد في جوهره على المادة المتصلة بالشكل في جمالياته المقترنة بالأسلوب المتبع والخاصيات التشكيلية التي تنهجها المبدعة. إن أعمال الفنانة التشكيلية زكية العاقيب تتبدى فيها لمسات الشكل الجمالي المقترن باللون والزخارف بتلقائية وعفوية وانطباعية، ما يفصح عن درجة من الإبداع الفني في ظل هذه الممارسة الفنية. كما أن البناء التشكيلي يبدو مدججا بصياغات الرسوم والزخارف والتوريق، موازاة مع الأشكال التلقائية المعبرة، باختزال قوي للمساحات، وهو ما ينم عن عملية الأخذ من مجال تشكيلي يعتمد العناية بقيم السطح وترك المساحات فارغة لبعث الجمال، بإضافة تصورات واجتهادات تنتج بعض الإيحاءات والرمزية، لتشكل أحد أهم الدعامات الأساسية في عملية بناء أعمالها التشكيلية، حيث تتخذ من الطبيعة أدوات لتحريك الفضاء، وتنسج تفاعليات فنية بين كل مكونات اللوحة بدءا من الكتل اللونية التي تنبض بتدرجاتها المتباينة وبالتقنيات المستعملة والموظفة داخل المنظومة التعبيرية الجميلة التي تنتجها هياكل العمل في شموليته. وتتبدى العناية بالملمس التشكيلي وبقيم السطح بارزة من خلال الألوان والأشكال المتناغمة والمتفاعلة مع الأنماط الطبيعية، وذلك لإبراز أهم مناحي الجمال وتأكيده داخل الفضاء. وبالرغم من تعددية المناحي الأسلوبية التي تحكمها الانطباعية والانسيابية والتلقائية في الأداء، إلا أن المبدعة تسعى إلى رسم أسلوب تعبيري دقيق المعالم، توظف من خلاله الأشكال المستقاة من الطبيعة، إنه تموقع شكلي ولوني يجر إلى ميزات تشكيلية ترومها الفنانة لبسط جملة من العلائق بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها. بل ولتحقق نوعا من التوازن الإبداعي خاصة لما تعطي لمجال الزخرفة حيزا فنيا ينم عن بلاغة معينة وعن جملة من الجماليات وعن نسق حسي فريد. بل إن ذلك يكشف عن قدرة الفنانة الإبداعية وتفاعلها مع هذا النمط التعبيري الذي أضحى قيمة جمالية ناتجة عن استلهامات معرفية وفية. إن أعمالها تحمل خصائص نوعية، تسعف المواضيع التي تشتغل عليها، وترصد العلاقة بين مكونات أعمالها، وذلك بما تتيحه من تداخل، يكتسي في أحايين كثيرة وظائف بنائية ودلالية يؤطرها جانب الشكل واللون. حيث توظف الألوان بطريقة تناسقية تتماشى وتتفاعل مع سياقات الشكل العام، وتسخر الفضاء لبناء المنحى اللوني لتفعيل الخطاب الجمالي على القماش بتقنياتها الخاصة، وتقوية جدليته مع مختلف العناصر والمكونات الأخرى من أشكال وألوان وزخارف. إنها تثبت تشكيليا ما تحمله من تقنيات خاصة للتعبير عن تصوراتها وأفكارها، تبعا لنسق الحياة التي تعيش فيها والمحيط الذي يؤثر في إبداعاتها، وأيضا للجوانب التي تعكس أفكارها ورؤى المجتمع الذي تتشبع بثقافته، إنها بكل ذلك تصنع ابتكارات من حسن اختيارها سعيا لإرساء تخصص أو أسلوب مبني على ضوابط تلقائية، ومحكوم بالاستمرار في ظل تجديد التقنيات برؤى جمالية ومعرفية قويمة.