لقد تطور مفهوم التقويم التربوي في الآونة الأخيرة بشكل جعل منه مجالا علميا مضبوطا، لا يتقنه سوى نخبة محصورة من الخبراء من ذوي الكفاءة العلمية والتربوية الرفيعة، فهو يعد مكونا رئيسيا من مكونات العمل التعليمي الهادف إلى توفير المناخ التربوي المناسب لإرساء المنهاج الدراسي الرسمي، وتحقيق مصلحة الأفراد والمجتمع عن طريق التأكد من بلوغ الأهداف التعليمية الكبرى، والمساهمة المستمرة في تطوير الأداء التعلمي باعتماد التغذية الراجعة، ومراجعة عمليات وإجراءات سير هذا العمل التربوي برمته تزامنا مع التحقق من نجاعة البرامج والمقررات الدراسية، ثم إدارة جودة التعليم بالمؤسسات التعليمية باعتبارها ثاني أهم مؤسسة تعنى بالتنشئة الاجتماعية بعد مؤسسة الأسرة. وهنا نشير إلى كون الهدف الأول من مناقشة هذا الموضوع ليس الخوض في تقليدانية الممارسات التقويمية في المدرسة المغربية بكل أصنافها، بل تسليط الضوء على كيفية تدبير الوزارة الوصية لهذا الركن الهام من أركان المنهاج الدراسي الرسمي في زمن أقل ما يقال عنه بأنه زمن استثنائي يتسم بتباينات كبيرة في فترة التعلم لدى عموم المتعلمين المغاربة، حسب الأوساط ومؤسسات التعلم بين العمومية منها والخصوصية، وذلك وفق ما أملته المذكرة الوزارية 2020/39 في شأن تنظيم الموسم الدراسي 2021/2020. فبخصوص تقويم التعلمات أو الوقوف على مدى تحقق التغيرات المطلوبة في سلوك ومعارف المتعلم، فقد وعدت الوزارة الوصية من خلال المذكرة 2020/39 سالفة الذكر، بالضبط في النقطة السادسة من مجالها الثاني والمتعلق بالأنماط التربوية (الصفحة السادسة)، بإصدار مذكرة في الموضوع، لاحقا، لتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص بين المتعلمين وإعمال الوظيفة الجزائية للمراقبة المستمرة التي ستحدد نسبة مهمة من معدلات الانتقال بين الأسلاك والمستويات. غير أن الفاعل التربوي يقف اليوم وبالملموس على عدم وفاء الوزارة الوصية بوعدها، ونحن على مشارف الفرض الأخير ضمن الجدولة التي عمل بها الجميع بشكل قسري لتدارك الفراغ التنظيمي الحاصل جراء ذلك. فالتدابير والجدولة المعمول بهما ظلت هي نفسها قبل زمن الوباء مما يطرح مشكلا كبيرا يتجلى في تباين الفترة الخاصة بالتعلم بين المؤسسات والأوساط من جهة، ثم إشكال تغطية المقرر الدراسي الذي لن يستطيع متعلم المدرسة العمومية التطرق لأكثر من نصفه في أحسن الأحوال، أو سيتم التطرق إليه كاملا أو بنسبة متقدمة في فترة زمنية مخالفة لما هو محدد في التنظيم الزمني والتدابير البيداغوجية والديداكتيكية لمختلف المواد. لتبقى المذكرات 2010/175 و2010/179 الخاصة بتأطير وتتبع إجراء فروض المراقبة المستمرة بسلك التعليم الابتدائي، ثم المذكرات من 2010/181 إلى 2010/193 الخاصة بتأطير وتتبع إجراء فروض المراقبة المستمرة بسلك التعليم الثانوي، وما رافق إرساء الهندسة المنهاجية الجديدة من تدابير خاصة بالتقويم، سيدة الموقف رغم استحالة التعلم وفق الظروف العادية التي سطرت لها هذه المذكرات والتدابير. وجدير بالتأكيد كون أي تغيير في زمن التعلم أو طريقته ونمطه أو حتى وثيرته اليومية والأسبوعية سيؤثر وبشكل كبير على مصداقية النتائج والمعدلات المحصلة، وبالتالي سنصل إلى انتقال المتعلم إلى مستويات لاحقة رغم عدم التوفر على المواصفات المحددة لملمح التخرج، ومنه تراكم التعثرات المستعصية والتي لن نستطيع تداركها لاحقا. وبهذا الشكل سيستمر انعدام الحكامة والنجاعة في تدبير أهم ركن من أركان المنهاج الدراسي بشكل يؤثر بقوة في المستوى التحصيلي العام للمتعلمين المغاربة ومنه استمرار مهزلة الإخفاقات والحصول على مراتب متخلفة في التقويمات الدولية التي ينخرط المغرب في إجرائها. ليبقى السؤال الذي تستعصي الإجابة عليه هو: أيمكن اعتبار ما يقع بمثابة دليل على انعدام القدرة والأطر اللازمة لمواكبة التدابير الاحترازية بحلول عقلانية وواقعية، أم أن الأمر يتعلق برغبة معينة لتقويض قدرة المدرسة المغربية على الاستجابة لمتطلبات حماية المجتمع من الجهل والأمية قبل حمايته من تفشي وباء كوفيد – 19؟ أما بخصوص تحيين الأطر المرجعية لنظام الإشهاد في المدرسة المغربية، فيجب أولا تجاوز النظرة الضيقة التي تذهب إلى كون هذا النظام مجرد تقويم للتعلمات السابقة لكل مستوى إشهادي، ثم الوصول إلى كونه تقويما للتعلمات السابقة، بالإضافة إلى فحص وقياس قدرة المتعلم على مسايرة تعلمات السلك أو المستوى اللاحق دون إغفال وظيفته الاجتماعية والقيمة الاجتماعية لكل شهادة محصل عليها. ففي الوقت الذي كان فيه الفاعلون التربويون والخبراء والباحثون يتطلعون إلى تمديد الموسم الدراسي وتوفير فترة زمنية إضافية للتمكن من تغطية المقررات الدراسية، أطلت الوزارة الوصية ببلاغ يوم الإثنين 19 أبريل 2021 لتحديد مواعيد الامتحانات المدرسية الإشهادية في توقيت يمتد من 27 ماي 2021 إلى غاية 19 يونيو 2021 بالنسبة للتعليم الثانوي ويوم 22 يونيو 2021 لإجراء الامتحان الإقليمي لنيل شهادة الدروس الابتدائية، وهو ما أقرته المذكرة الوزارية 2021/43 الصادرة بتاريخ 04 ماي 2021 بخصوص المواعيد المعدلة لإجراء الامتحانات الإشهادية برسم الموسم الدراسي 2021/2020. هذا القرار جعل كل الامتحانات الإشهادية تجرى تقريبا في نفس الفترة المعمول بها في الحالات العادية (غياب وباء واعتماد التعليم بالتناوب)، مما سيطرح بحدة مشكل تغطية المقررات الدراسية وإتمامها، وهو ما حاولت الوزارة الوصية معالجته بإصدار أطر مرجعية محينة وفقا لبلاغ رسمي صدر في نفس التاريخ المثبت على المذكرة 2021/43. فأمام هذه التدابير والإجراءات المتسارعة، بشكل يوحي برغبة الوزارة في إنهاء هذا الموسم الدراسي الذي شهد احتقانا كبيرا واحتجاجات دفعت التنظيمات الخاصة بآباء وأولياء المتعلمين إلى مساءلة هذه الوزارة حول مستقبل المتعلم المغربي في خضم هذا الاحتقان المستمر، لابد من تمحيص الإجراءات الوزارية وفحصها للوقوف على ما يعتريها من إشكالات وما ستطرحه من مشاكل مؤثرة في مستوى المتعلم المغربي في باقي محطات مشواره الدراسي وذلك كما يلي: اعتماد مفهوم التحيين بمعنى حذف بعض الدروس وعدم اعتماد تمارين ووضعيات تقويمية في الامتحان الإشهادي تتطلب إجراء هذه الدروس لحلها. فجداول التخصيص ومستويات الأنشطة والوضعيات التقويمية ستحتفظ بنفس النسب والأوزان. حذف الدروس في الأطر المرجعية المحينة المعلن عنها ينفي ما يذهب إليه المنهاج الرسمي من خلال اعتماد مدخل المقاربة بالكفايات كمدخل مهم لتحقيق الأهداف الكبرى للنظام التربوي. فاعتماد حذف الدروس كحل يؤكد تحلي أصحاب هذا القرار بمنطق يختزل التعلمات في إرساء الموارد فقط وهذا مخالف للتدابير والضوابط الديداكتيكية المعمول بها في نظامنا التربوي. ,عدم الاهتمام بامتدادات الدروس المحذوفة في المستويات أو الأسلاك الموالية للمستوى الإشهادي ثم في مقررات مؤسسات التعليم العالي، خصوصا عند المتعلمين والأقسام التي لم تستطع بعد الوصول لنسبة إنجاز المقرر المعتمدة في الإطار المرجعي المحين، ودون إغفال عدم إنهاء مقررات الموسم الفارط وبالتالي تفاقم تعثرات ومشاكل المتعلم المغربي مما سيقوض إمكانيات مسايرة التعلم والتكوين مستقبلا. تأخر التحيين والحذف على علته، حيث كان من الأجدر اعتماد هذا الإجراء مباشرة بعد تحديد الأنماط التربوية للتعلم، خصوصا التعليم بالتناوب الذي أدى إلى اعتماد نصف الحصة الزمنية اللازمة لإرساء المنهاج فقط. بهذا الشكل سنعطي فرصة ذهبية لمتعلمي العالم القروي، باعتبار النمط السائد في هذا الوسط هو التعليم الحضوري، لمعالجة الصعوبات بشكل جيد والرفع من نسب النجاح الدراسي. ثم توفير وقت كاف لإجراء التعديلات المنهاجية اللازمة ضمن مقررات المستويات اللاحقة ومؤسسات التعليم العالي وفقا لملمح التخرج الجديد الذي فرضته ظروف تفشي الوباء. نسبة الدروس المحذوفة تؤكد وجود خلل كبير لدى الوزارة الوصية في التعامل مع إجراءاتها وتدابيرها التي أعلنت عنها بنفسها، فالمتعلم الذي كانت دراسته وتحصيله باعتماد نمط التعليم بالتناوب لن يستطيع تجاوز نصف المقرر الدراسي في أحسن الأحوال، وهذا جلي للممارس التربوي، فهذا النمط اقتصر على نصف الحيز الزمني اللازم لإرساء المنهاج الرسمي. أي أن التدريس وفق التدابير الديداكتيكية الرسمية من حيث عدد الحصص وتوالي المكونات سيفضي فقط إلى إنجاز نصف المقرر الدراسي، اللهم إذا تم التصرف أيضا في التدابير الديداكتيكية. وهنا سنكون أمام معضلة أكبر مما نعيشه اليوم لغياب الصفة والتخصص في القائم على هذا التصرف. لهذا فاعتماد نسبة إنجاز تتجاوز النصف يخالف ما هو واقعي وحقيقي وهذا فقط من خلال استقراء مذكرات وبلاغات الوزارة الوصية على القطاع ولا يحتاج لدراسة أو بحث معمق. تدبير مرحلة نهاية السنة الدراسية 2021/2020 من خلال دعوة المراسلة الوزارية 2021/420 الصادرة بتاريخ 20 أبريل 2021 إلى تخصيص الفترة الزمنية من 17 ماي 2021 إلى غاية إجراء الامتحانات لتنظيم حصص الدعم التربوي اللازم لمعالجة التعثرات والتحضير الجيد للامتحانات حسب منطوق المراسلة، مما سيطرح عدة إشكالات وصعوبات مرتبطة بضرورة استكمال المقرر الدراسي قبل بداية هذه الفترة ناهيك عن تباين الصعوبات والنظرة الاختزالية التي نلاحظها عند فئة مهمة من الممارسين التربويين بخصوص حصص الدعم. إنهاء الموسم الدراسي بالكيفية المقترحة ودون الرجوع لأهل الاختصاص والميدان، من خلال مشاورات جدية وواسعة، سيؤدي حتما إلى تعميق الهوة المرصودة بين مواصفات تخرج المتعلمين من كل سلك وملمح الدخول الخاص بالسلك الموالي ناهيك عن العديد من المشاكل المتراكمة الخاصة بالوسائل اللازمة لتصحيح التعثرات والارتقاء بمستوى المتعلم التحصيلي، ثم التكوين المتين في مجالات التقويم وآلياته والدعم ومختلف استراتيجياته، بالإضافة إلى إشكالات أخرى يطرحها الزمن المدرسي وكيفية تجزيئه بين المكونات وحسب التخصصات والمسالك، ثم تراكم العجز والتعثر جراء عدم استيفاء الحيز الزمني الكامل للتعلم خصوصا وأن المهتمين بمجال الصحة يؤكدون استمرارية الجائحة لمدة ليست بالهينة. فكل المشاكل المحتملة والملاحظات المرصودة تهدد بإفلاس نظام الإشهاد وغياب التقويم الموضوعي لمخرجات المدرسة المغربية مما سيفضي إلى نظام تربوي تعليمي غير قادر على مسايرة الواقع وكل مستجدات الوسط المحتضن للمؤسسة التعليمية.