الكتابة في حاجة إلى متخيل جديد نظمت ثانوية ابن خلدون الإعدادية بالفقيه بن صالح، بتنسيق مع جمعية آباء وأولياء تلاميذ المؤسسة، يوما دراسيا في التجربة الإبداعية والمعرفية للشاعر حسن نجمي. قدم في البدء مسير الجلسة الأستاذ عبد المالك فائز للحضور فحوى ومحتوى هذا اللقاء الذي يسعى إلى طرح تجربة الأستاذ حسن نجمي للجدل في شقها الشعري والروائي وكذا المعرفي. من هنا تكمن أهمية هذا اللقاء الثقافي وجدواه في مؤسسة تعليمية على حد تعبير الأستاذ المسير. وشارك الأستاذ عبد الغني فوزي بورقة تتعلق بالتجربة الشعرية للشاعر حسن نجمي عنونها ب «جدلية الذات والرؤيا في التجربة الشعرية للشاعر حسن نجمي». متناولا فيها تجليات الذات في المجاميع الشعرية لحسن نجمي (لك الإمارة أيتها الخزامى، سقط سهوا، الرياح البنية، حياة صغيرة، المستحمات، على انفراد)، من هذه التجليات شعرنة اليومي والساقط والمنسي عبر أفعال وتأملات تسعى إلى ردم الهوة بين الأنا الواقعية والمتخيلة ..لكن القصيدة مع حسن تسوق ذلك،وفق رؤيا تجعل الذات ترقب ذاتها والعالم، من نقطة ما. الشاعر حسن نجمي من الشعراء الإشكاليين -كما يقر الشاعر عبد الغني فوزي- الذين يخطون على درب القصيدة برهانات وتجاوزات تثبت بلاغة شعرية جديدة لها تصورها ومفهومها المغاير للكتابة والذات والعالم. وبالتالي فالشاعر حسن ينتمي لثلة شعرية في المغرب أضافت نفسا شعريا جديدا متعددا ومركبا من خلال قصيدة نثر لها مساحاتها الجميلة في منجز القصيدة المغربية والعربية المعاصرة. بعد ذلك تقدم الأستاذ الباحث محجوب عرفاوي بدراسة معنونة ب «قراءة وصفية نسقية في كتاب «غناء العيطة: الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب» للباحث حسن نجمي، أثنى الأستاذ عرفاوي في البدء على هذا الكتاب، باعتباره بحثا جامعيا جادا يسعى أن يعرف بنوع غنائي شفوي، ظل ساقطا ومقذوفا لمصيره دون اعتبار أو نظر كمكون أساسي من الهوية الثقافية المغربية ومن تراث الأمة. وبالتالي، فهذا الكتاب -كما طرح الباحث عرفاوي- له أهمية قصوى تتمثل في التجميع لهذا التراث والمسح التاريخي لمسيرته من جانب؛ ومن جانب آخر تصنيف متن العيطة كأنماط (زعرية، ملالية، حوزية، فيلالية، شياظمية...)، ودراسة مقاطع العيطة من الداخل كلغة وإبداع شعري عميق الجمالية والرؤيا. هنا الباحث حسن يسعى إلى الإحاطة بهذه الظاهرة لإثبات أن العيطة إبداع جماعي ينهض على الجسد والحالة ومقامات موسيقية مخصوصة. كما حاول الأخ العارض إبراز الجانب المنهجي في هذا الكتاب المستند على تعدد خلاق (علم موسيقى الشعوب والأنثربلوجيا والتوثيق التاريخي). وهذا يعني أن الباحث حسن أنصت لهذا النوع (دون استلاب نظري)، قصد طرحه كتركة ثرة، ينبغي إنصافها دون تغافل أو تجاهل غير مبررين. الروائي عبد الكريم جويطي تقدم بكلمة في الإبداع الروائي لحسن نجمي، مؤكدا في البدء على اشتغال حسن المتعدد؛ ومن ذلك اشتغاله الصحفي لمدة ليست بالهينة، معتبرا إياه أحد أعمدة الصحافة المكتوبة في المغرب. وقد منح ذلك فرصة لحسن نجمي للاحتكاك والاشتباك باليومي والآخر. الشيء الذي وفر مرجعا متعددا، امتد للكتابة الروائية للمبدع حسن نجمي، فكانت أعماله الروائية منمة عن جهد ودقة في الكتابة. بهذا حاول الروائي عبد الكريم استعراض بعض خصائص الكتابة الروائية لدى حسن، منها التوثيق والدقة، من خلال مقروء متعدد، يوظف باشتغال سردي له رهاناته الجمالية الهادفة إلى قول الحكاية بمتخيل جديد على حد تعبير عبد الكريم جويطي. فكل كاتب في لحظته يسند في خلفه تجربة الأدب الكبرى، والمسعى الأساس عند الكتاب الحقيقيين هو إضافة شيء أو بصمة خاصة للنهر الإنساني العظيم أو شجرة الكتابة كما يقول الروائي عبد الكريم استنادا على بعض التعاريف. الروائي حسن نجمي يدخل ضمن هذه الطينة الباحثة باستمرار عن أفق أو طريقة خاصة في الاشتغال دون ملل أو كلل، وللتاريخ كلمته. كلمة الشاعر حسن نجمي في آخر الأوراق، أتت مفتوحة ومتعددة، استحضرت رمزية مكان الفقيه بن صالح كمعبر لشعراء وأساتذة أجلاء كعبد الله راجع ومحمد بوجبيري.. في تلاقح مع مبدعين هنا في الحاضر لهم أسماؤهم المحترمة على الساحة المغربية والعربية. وبهذا فهي مدينة حديثة متطورة باستمرار. ومن جانب آخر تفاعل الأستاذ حسن مع الأوراق المقدمة، معتبرا إياها إضاءات جميلة وعميقة في تجربته التي تتغذى على الاشتغال الدؤوب للانتساب العميق للكتابة كأفق. كما كانت للشاعر حسن ردود على أسئلة الحاضرين المتنوعة (الأجيال الشعرية كمعيار، علاقته بالكتابة، لماذا العيطة؟ الرواية كأفق جديد، الكتابة والحراك العربي الربيعي..)، ردود حاولت التفصيل فيما قيل سابقا وتعزيزه بإضافات وتفصيلات حول العيطة كلغة وكشعر رفيع معتبرا إياها من أرقى اللحظات الشعرية في الحركة الشعرية الإنسانية ككل. وهو ما يقتضي منا لفت النظر للموروث الشفوي، ومحاولة تدوينه وتلقفه من الأفواه قبل أن تلوذ الأجساد بملاذها الأخير. أما عن علاقة الكتابة بالحدث، فالكتابة العميقة والجديرة بهذا الاسم لاتمحوها اللحظة والآنية. والكاتب الذي يسند التصفيق والحماس سرعان ما تنتهي كتابته لأنها بلا رهانات ولا آفاق... ومن جانب آخر فهو يسعى -كما يقول- إلى كتابة رواية تحرر الحدث من التكرار والاجترار من خلال الانفتاح على متخيل جديد يجعل أي شيء قابل للكتابة، بلمسات ونبرات جديدة. وكان ضيف شرف هذا اللقاء الشاعر والفنان عزيز أزغاي الذي أخرجه الشاعر حسن نجمي من خلوة مرسمه على حد تعبيره.