الحقيقة المرة التي علينا كمتتبعين للشأن التعليمي والتكويني الوطني أن نقر بها، هي أننا لازلنا لا نقيم وزنا لمفهوم الزمن بكل تجلياته، ولا ندرك معنى الحكمة العربية المأثورة «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك». وخصوصا زمن قطاع التربية والتعليم والتكوين، حيث الرهان كله على الطفولة والشباب، الذين المفروض أن يستفيدوا من البرامج التعليمية والتكوينية المقررة بهدف إعداد أجيال قادرة على التنمية والإصلاح تنسينا هموم التبذير وعبث التسيير، ومآسي التدبير غير المعقلن. علينا أن نقر أن التعليم بالتناوب بشكله العشوائي لن يمكن المدرسين من إتمام برامجهم الدراسية. ولا من التطبيق الفعلي للمناهج والوصول إلى الأهداف المنشودة. وأن إضرابات الأساتذة بكل فئاتهم، ومعهم أطر الإدارة التربوية، تؤثر بشكل كبير على الزمن المخصص للدروس والتكوين، وتزيد من عطالة التلاميذ وانشغالهم بأمور أخرى تزيد من تشتيت أفكارهم. نفس الوضع يعيشه الطلبة الجامعيون والمتدربون داخل مدارس ومعاهد التكوين العادي والعالي. دروس ليس إلا.. وتكوين ليس حتى .. وطرق للمراقبة والتقييم غير منصفة. إضافة إلى الخمول والكسل والتلاعب الذي أصاب مجموعة من الأساتذة. وجعلهم يستغلون الزمن الكوروني للتغيب وفرض إجراءات وتدابير غير جادة ولا مثمرة. هدر الزمن المدرسي والجامعي ليس وليد الزمن الكوروني. بل إنه أصبح عرفا متداولا بشكل علني، أمام صمت كل الجهات المعنية. بما فيها الأسر المفروض أنها الأشد حرصا على تربية وتعليم وتكوين أبنائها. تضيع عدة أسابيع من التربية والتحصيل والتكوين خلال كل موسم دراسي، بسبب تأخر موعد الدخول المدرسي والجامعي (الحقيقي)، والإسراع في الإعلان عن نهاية الموسم الدراسي قبل حتى إتمام البرامج والمناهج الدراسية المبرمجة لكل مستوى تعليمي. ولعل ما تعيشه المؤسسات التعليمية من فراغ من الأطر والتلاميذ وعزلة تامة، كلما اقتربت مواعيد الامتحانات الإشهادية وغيرها، لأكبر دليل على الهدر الذي يتعرض له الزمن المدرسي. كل المؤسسات التعليمية بأسلاكها الثلاثة (الابتدائية والثانوية بالسلكين الثانوي والتأهيلي)، تبصم باكرا على بداية عطلة نهاية السنة الدراسية، بعد إجراء الفروض المحروسة الخاصة بالأسدس الدراسي الثاني. ويطلق معظم التلاميذ صرخة أو فرحة التخلص من الدراسة والإعداد لبرنامج الترفيه والتسلية. باستثناء تلاميذ المستويات الإشهادية، الذين وإن توقفوا عن الدراسة رسميا، فإنهم ينتظرون مواعيد اجتياز الامتحانات النهائية الموحدة المحلية (السادس ابتدائي)، والجهوية (الثالثة إعدادي)، والوطنية الاستدراكية الخاصة بالسنة الثانية بكالوريا. علما أن مجموعة من الأساتذة لا يوفقون في إتمام تدريس كل الدروس المبرمجة وفق جداول زمنية محددة. ومع ذلك تغلق حجرات الدرس وتدخل المكاتب الإدارية في مرحلة المداومة. ونفس المصير تلقاه المعاهد والكليات، قبل نهاية كل أسدس، ومع اقتراب امتحانات الطلبة. كما يتأخر البعض في تسجيل الدخول الرسمي مع كل موسم دراسي جامعي. حيث تدخل الإدارة التربوية في دوامة تسجيل وإعادة تسجيل التلاميذ، وإعداد بطائق واستعمالات الزمن الخاصة بالأساتذة والطلبة والتلاميذ. وناذرا ما يلتحق بعض التلاميذ بفصولهم الدراسية بداية شهر شتنبر. ولا حتى الولوج إلى المؤسسات التعليمية (خصوصا الثانوية)، من أجل أداء رسوم التسجيل والتعرف على فصولهم وزملائهم وأساتذتهم. وقد يستمر التماطل والتلاعب لعدة أسابيع. مما يجعل الأساتذة يفضلون عدم البدء في تلقين الدروس، والاكتفاء بحصص للمراجعة والاستئناس غير المبرمجة. هدر الزمن الدراسي له تجليات مختلفة بالتعليم العالي والتكوين المهني، حيث تغيب البرامج والمناهج التعليمية والتكوينية الرسمية. وحيث يبقى الأستاذ الجامعي والمكون وحدهما العالمين بمحتوى الدروس والزمن المخصص لها، ويبقيان وحدهما المتحكمين في الحصص الدراسية وكيفية تدبيرها على هواهما. ويرغم الطالب على الاستفادة من عطل غير مبررة قد تصل إلى نصف زمن الموسم الدراسي. كما يرغم على القبول بكل الأطباق التعليمية التي يعدها الأساتذة. وخوض امتحانات بشأنها. بل إن هناك من يرغمون على اجتياز امتحانات في مواد لم يدرسوها، أو تلقوا تقارير مكتوبة بخصوصها في غياب المدرس، وفي غياب شبه تام للدروس التطبيقية. بقلم: بوشعيب حمراوي