واكب الإبداع الأدبي في مختلف مراحله الزمنية، المحطات الكبرى التي تمر بها البشرية، ومن بين هذه المحطات بطبيعة الحال، الوباء أو الجائحة، وما ينتج عنها من جوانب سلبية وإيجابية كذلك. في هذه النصوص نجد الذات والمجتمع في صراع مع عدو غير مرئي، وتلك هي سر قوته وطغيانه. من خلال حلقات هذه السلسلة إذن، نقف على عينة من النصوص الإبداعية المغربية والعالمية ومدى تفاعلها مع الوباء، حاضرا وماضيا على حد سواء. إعداد: عبد العالي بركات الحلقة الثانية عندما أصبح نهاري ليلا وليلي نهارا بقلم: مهدي قاسم * حينما أخذ نهاري يصبح ليلا و ليلي نهارا، كانت ساعة الحائطقد توقفت عن التكتكة المعتادة والرتيبة المملة .. فلم أعبأ بها فتركتها مصلوبة على صمتها المتحجر وهي تشهق سكونها الكثيف و المتواصل.لكوني أدركتُ أنه من الممكن أن يكون الوقت أخطر عدو متربصلأسير مخطوف إجبارا أو محجوز في حجره الصحي رغما و خوفا. هكذا بدأت حدود الوقت وتفاصيله المبعثرة والمشتتة تتداخل عندي وتتبدل مثل طقوس عشوائية وطارئة.. ثم تُمحى زائلة، شيئا فشيئا، كخطوط رمل متموجة ومتحركة وماضية في مهب رياح مزمجرة. ففي البداية، أخذت أنسى التمييز بين شهور والأسابيع، ثم ذابت الحدود والخطوط وانهدمت بين أيام وأسابيع .. وبعدها بين أيام وساعات .. بل وبين ساعات ودقائق نفسها التي أضحت مطاطية تمط ممتدة حينا وتنكمش بشكل عشوائي حينا آخر بحسب مزاجها الزئبقي والمتقلب دوما، متخذة هيئة حلزون ناعس ومنهك جدا من شدة كسل لذيذ، حيث بالكاد يخطو خطوة متعثرة واحدة حتى يتوقف جامدا فجأة.. كأنما إلى الأبد لينتهي أمري أخيرا إلى أن يصبح نهاري ليلا و ليلي نهارا! ومسائي صباحا و صباحي مساء.أنا الغطاس الكسول في بحيرة وقتي المندلقة شلالات عاليةبرذاذها الفضي والمنعش.أحرس صمتي لوحدي من احتمالات هجمات ضجيج صاخبة و طارئة في أحيان نادرة تقع أنظاري سهوا على صديقي العنكبوت الرصينبحضوره الأصم أبدا، وهو يستوطن سطح الساعة المصلوبة على صمتها المتجمد، فاحييه قائلا: عمتَ وقتا طيبا يا صديقي الهادئ دوما، فما هو آخرأخبار كرورنا؟فيرمقني صديقي العنكبوت مدهوشا مستغربا وهو مازال مستغرقابصمته المهيب دون أن يكلف نفسه بعناء جواب يليق بأهمية السؤال، مستمرا في الوقت نفسه بنسج وحياكة شبكته الحريرية الشفافة لتكون كمائن مميتة لذباب وبعوض متسللة ومزعجة،ولكنه لا يرد بشيء، ربما لأن الأمر لا يعنيه كثيرا،ولكي أشعره بأن عدم جوابه لا يعنيني أنا أيضا فأضيف: ولكن مهما كانت الحال يا جاري العزيز، فالأمور ليستسيئة إلى هذا الحد -على الأقل- بالنسبة لي، مثلما قد تتصور أو تتخيل! فهل يوجد ما هو أجمل وأروع من التحرر من أسر الزمن ومن علب و قضبان الوقت؟ وأنت تعوم في سديم الأبدية متنكبا كتبك وأحلامك وجمرات رغباتك المتأججة، بعدما تكون قد ولدتَ من جديد وبرؤية جديدة، تجعلك أن تكون إنسانا جديدا تماما، وبالضبط إنسان ما بعد مرحلة كورونا؟