لاحظ الكثيرون أن تفشي فيروس «كوفيد – 19» وتداعياته الاقتصادية والمجتمعية أضعف النقاش العمومي حول النموذج التنموي الجديد. وبالرغم من الجهد التواصلي والتفاعلي للجنة ذات الصلة، وسلسلة الجلسات والتظاهرات التي عقدتها مع أطراف عديدة وفِي جهات مختلفة من البلاد، لم يكتسب هذا الحوار الوطني، مع ذلك، كامل مركزيته في الانشغال الوطني، ويكاد الكثيرون اليوم ينسون موضوعه. النموذج التنموي الجديد، وفق ما كان قد رسمه الخطاب الملكي بهذا الخصوص، سيؤطر السياسات العمومية لبلادنا للعقود القادمة، وهو يتطلع أن يبني وطنية متجددة، ويدخل بالمغرب إلى مرحلة سياسية وتنموية مختلفة عما سبق. وترتيبا على هذا، فإن هذا الورش الإستراتيجي الكبير يستحق الوقت الكافي للحوار بشأنه، وتفاعل الآراء والاقتراحات، وذلك بغاية توفير مختلف شروط نجاح المرحلة. وحيث أن مسار بناء وصياغة معالم وأسس هذا النموذج التنموي الجديد تعرض لتقاطع مع مسار آخر ارتبط بتفشي الجائحة، وهو ما فرض انكباب البلاد والسلطات على تدابير مواجهة ذلك وإنقاذ صحة وسلامة المجتمع، فإن دينامية الحوار الوطني العمومي حول النموذج التنموي ضعفت بشكل واضح، ما يقتضي اليوم منح المزيد من الوقت لتمتين التفكير الوطني الجماعي، ومساهمة مختلف أطراف المجتمع في تطوير البلورة النهائية لهذا الأفق الجديد. من جهة ثانية، زمن الجائحة والتداعيات المختلفة التي نجمت عنه، أسس في بلادنا، كما في كل العالم، لوضع عام جديد، وفرض أولويات جديدة، ووضع قطائع أساسية بخصوص قضايا كبرى في الاقتصاد والمجتمع والسياسة والثقافة، وفي العلاقات الداخلية وعبر العالم، وفي التفكير الوطني ككل، ومن ثم يجب استحضار مميزات هذه المرحلة الجديدة الناجمة عن الزمن الوبائي واشتراطاتها ضمن تفاصيل وهندسة النموذج التنموي الجديد. النموذج التنموي، تبعا لما سبق، ليس استعراضا لبرامج تنفيذية قصيرة الأمد أو مخططا حكوميا لولاية واحدة، وليس محصلة تفكير حزب أو تحالف فاز بالانتخابات، ولكنه بلورة وطنية جماعية لتطلعات استراتيجية كبرى تروم تغيير أسس توجه استراتيجي، وصياغة أخرى مختلفة تأخذ بعين الاعتبار تجليات الفشل المسجلة، ومختلف النقائص الواضحة في التنمية والديمقراطية والبناء المؤسساتي والتدبير. كل هذا العمل الهيكلي والاستراتيجي الكبير يلزمنا جميعا، فضلا عن الوعي بأهميته والتعامل ببعد نظر استراتيجي، التفكير بعمق وبحجم وطننا وتطلعات شعبنا، وأيضا استحضار ما يشهده العالم اليوم من تبدلات جوهرية، وما يطرحه ذلك من تحديات على المملكة وعلى محيطها الإقليمي والدولي. النموذج التنموي الجديد يعتبر إذن مناسبة لبلادنا لكي ترسخ انطلاقة تنموية وإستراتيجية مغايرة، ولكي تبني أفقًا جديدا لها يستثمر دروس زمن كورونا وقطائعه وأولوياته، وأيضا دروس المراحل السابقة في مسار بلادنا، ويستحضر انتظارات المغاربة، وما يطرح على المغرب من رهانات مختلفة. لنعد الحيوية للنقاش المغربي المغربي حول مرتكزات ومعالم وأولويات النموذج التنموي الجديد. محتات الرقاص