يرى الدكتور عبد الرحمن التمارة أن جائزة المغرب للكتاب مهما يصاحبها من نقاش فإنها محكومة بغاية إنتاج لحظات هامة تدعمُ الاهتمام بخطاب معرفي وجمالي، مما يُسهمُ في نظره في الوعي بالمنجزات الإبداعية والفكرية والنقدية المغربية، ويُسهم في التحفيز على كشف قِيَّمِها الفكرية والثقافية المختلفة وبخصوص المسافة التي يفترض أن يتخذها الناقد مع متونه يؤكد الكاتب على ضرورة أن تكون معرفية كي لا يحجب الناقد«حقائق»، ويُظهِرُ مغالطات. لهذا أوضح أن شرط المسافة في النقد كفيل بكشف «الحقيقة الإبداعية»، الروائية في سياق الكتاب. أما في ما يرتبط بموضوع كتابه المتوج كشف الدكتور التمارة أن العائق الذي يمكن أن يواجه أيّ ناقد يشتعل على قضية حساسة مثل السياسة هو «سوء الإنصات» للنص الإبداعي، مبرزا تعالق الرواية بالعالم الثقافي المحيط، كما أشارأن الاشتغال بنقد عالم الرواية في غياب هذا المحيط قد يعدُّ نوعاً من العبث النقدي. فهو يعتبر أن نقد الرواية، كما يمارسه في منجزه النقدي، يسعف في فهم العالم والإنسان داخله، وفي فهم قضايا الإنسان المختلفة في جغرافيات متعدّدة، وأزمنة متباينة. ويُعَدّ الناقدالأكاديمي المغربي الدكتورعبدالرحمن التمارة، أستاذ السرديات والنقد الأدبي الحديث، بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية وعضو اتحاد كتاب المغرب، واحدا من أهم الأصوات النقدية المغربية التي تشتغل بعدة منهجية رصينة، استطاع أن يراكم مجموعة من البحوث والدراسات والكتب، حيث صدر له جمالية النص القصصي المغربي الراهن 2010 السردوالدلالة: دراسة في تأويل النص الروائي 2012 – مرجعيات بناء النص الروائي 2013 سوسيولوجية الرواية: البنية واللغة 2015 نقدالنقد: بين التصور المنهجي والإنتاج النصي 2017 السردوالدلالة وقد توّج كتابه النقدي: «الممكن المتخيّل: المرجعية السياسية في الرواية»، الصادرعن "دار كنوز المعرفة للنشر" بجائزة المغرب، فرع الدراسات الأدبية والفنية واللغوية، دورة 2020 . يأتي هذا الحوار بغاية تقريب القراء من الناقد ليكشف بعض انشغالاته ولتسليط الضوء على اهتماماته، والتعرف على وجهة نظره في الفعل النقدي وطبيعة الممارسة الكتابية لديه بداية تهانينا على تتويجكم بجائزة المغرب للكتاب، فرع الدراسات الأدبية والفنية واللغوية، عن مؤلفكم «الممكن المتخيل: المرجعية السياسية في الرواية». كيف استقبلتم ورود اسمكم ضمن الفائزين بالجائزة لهذه السنة؟ شكراً جزيلاً أستاذ محمد على التهنئة، وأرجو أن تكون الجائزة من نصيبك في زمن قادم.وبخصوص كيفية استقبال ورود اسمي ضمن قائمة الأسماء الفائزة بجائزة المغرب للكتاب، فرع الدراسات الأدبية والفنية واللغوية، فيمكن أن أفسرّه من زاويتين: الزاوية الأولى تبيّن أن الجائزة، بجميع فروعها، قد أسست لحظة معرفية هامةلكشف منتوج فكري ونقديلكثير من النقاد والباحثين والمبدعين والمثقفين المغاربة الذين يترقبونها ل«قياس» منتوجهم الفكري. لهذا، فوجود اسم باحث معين ضمن قائمة الفائزين لا يعني قوة إنجازه، وضعف إنجاز الآخرين، بالنظرللسياق التنافسي الذي رجَّح هذا الكتاب، بل يعني وجود قضايا نوعية في المنجز النقدي أو الفكري بالمقارنة مع نصوص أخرى في سياق المناسبة فقط. لذا، فإنّ الزاوية الثانية، تكشف أنَّ جائزة المغرب للكتاب، بكلّ تأكيد، تدعّمُ الباحث للاستمرار في المزيد من البحث النقدي والاشتغال الثقافي، وتدفعه نحو «الاجتهاد» المعرفي النوعي لبلورة أفق فكريمغاير. لهذا، فإنّورود اسمي ضمن لائحة الفائزين بالجائزة عمَّقتفاعليالإنساني والقيمي مع جملة من الباحثين والأدباء والأصدقاء عبر التهنئة، فتراءت، بذلك، الجائزة حدثاً نوعياً يُفرحُ ويُبهجُ، ويُسْهمُ في خلق تواصل إنساني على قاعدة معرفية. كما أريد أن أقول، كذلك، إن ورود اسمي ضمن قائمة الفائزين يبرز أن جوائز الدولة الثقافية، القائمة على أسٍّ معرفي، لا يحكمها منطق التمييز بين الأعمال النقدية والفكرية والإبداعية على قاعدة مُنْتِجها، كان ذكراً أم أنثى، أو على قاعدة جغرافية الانتماء بالمغرب، لأنها تهمُّ كلَّ المغاربة في جميع ربوع الوطن. بهذا المعنى، أتصوّر أنّ جائزةالمغرب للكتاب تكرّس اهتماماً جاداً بالفعل المعرفي والنقدي والفني والأدبي،فتظهربوصفها فعالية نوعية تؤطرها فلسفة تحفيزية من جهة، وتحكمها آفاق إنتاجية إبستمولوجية من جهة ثانية. لهذا، فإنها جائزة، مهما يصاحبها من نقاش صحّي، تبدو محكومة بغاية إنتاج لحظات هامة تدعمُ الاهتمام بخطاب معرفي وجمالي،مما يُسهمُ في الوعي بالمنجزات الإبداعية والفكرية والنقدية المغربية، ويُسهم في التحفيز على كشف قِيَّمِها الفكرية والثقافية المختلفة، وإبرازِ أبْنيَّتها الجمالية والفنية. من هنا، أفترض أنّ جائزة المغرب للكتاب تؤطرها أهداف كثيرة، لكن يبقى الهدف المعرفي الثقافي هو الأهمُّ والأبرز في تقديري. لهذا، فهي، بالنسبة لي على الأقل، جائزة اعتراف جميل بعمل نقدي اشتغلت عليه بجدٍّ ومسؤولية،ومنحتني شحنة نفسية وفكرية هائلة للاشتغال على مشروعي النقدي برؤية موضوعية غايته الإضافة والإجادة. «الممكن المتخيل: المرجعية السياسية في الرواية»،عملكم النقدي المتوج، يكشف عن اشتغال نقدي واع بالآليات المنهجية، ومنطلق ذلك، مفهوم الممكن المتخيّل الذي ترحل من الحقل الفلسفي إلى ميدان الاشتغال النقدي، إلى أي حد أسعفكم المفهوم في مقاربة المتون المنتقاة؟ ثمة تصور لإدوارد سعيد يرى في النقد نشاطاً ذهنياً عقلانياً، مما يُصيّرُهُ فعلاً محكوماً بأفق منهجي وإبستيمولوجي.لهذا، فإنَّ الاشتغال بالنقد، في تحقُّقاته المختلفة التي تتّصل بالتحليل أو بالتنظير أو بالتأريخ، يقترن بسياق معرفي يقومُ على القطع مع «العشوائية» المفاهيمية والمنهجية والتأويلية. من هنا، فإن الجهاز المفاهيمي المشكّل لدراسة «الممكن المتخيل: المرجعية السياسية في الرواية» يستمد أساسهُ من مفهومين مركزيين؛ الأول أسُّه مفهوم «المرجعية»، والثاني قوامهُ مفهوم «الممكن». إن المفهوم الأول اقترن بعالم الرواية النّصي بوصفه عالماً مرتبطاًبالسياسة كما يتصوّرها المبدعُ الروائي، وليس كما هي عليه في الواقع التجريبي، بينما المفهوم الثاني ارتبط بعالم السياسة بصفتها عالماً مفتوحاً على كلِّ الممكنات، سواء كانت إيجابية أم سلبية. من هنا، فإنّ المرجعية النّصية تحيلُ على «صناعة» نصٍّ إبداعي روائي، بناءً على رؤية وفكر وتصور تمثل .. خاص، وليس نقلاً لواقع (مرجع) موجود سلفاً في العالم الخارج نصّي. وبما أنّ الكتاب في مجمله قد ارتبط بالاشتغال النقدي على «قضية» السياسة، فكان لزاماً الاهتمام بالعوالم الممكنة التي تفتحها هذه القضية في الفن وفي الواقع الإنساني. بهذا المعنى، صار تعبير «الممكن المتخيّل»مفيداً في هذا الباب؛ لأنّه تعبير متمفصل إلىمفهوميحيل على «فنّ»السياسة باعتبارها فناً لتدبير مختلف العلاقات الإنسانية في بنية علائقية، وداخل فضاء اجتماعي معين، ووفق آليات تنظيمية نوعية وخاصة بجغرافية معينة. لهذا، فإن الإشارة في بداية الكتاب إلى الاستفادة من باشلار في بلورة العنوان الرئيس، لا تعني أنّ الأمر يتعلق بمفهوم فلسفي خالص، بل بمفاهيم متداولة في حقلي الفكر النقدي (المتخيل الروائي) والسياسي (فن الممكن). فعلاً، إنها مفاهيم أسعفتني كثيراً في تجاوز إشكالية التباين بين المرجعيات النّصية التي شيّدها كلُّ روائي في روايته. إنَّها مفاهيم أسَّست لمبدأ الوحدة في المنطلق النقدي؛ وأقصد بذلك، أن كلّ حديث عن «الممكن المتخيل» يتّصل بفن السياسة المفتوح على «الممكن»، وفن الرواية القائم على بناء دقيق «للمتخيّل». بهذاالمعنى، فهذه المفاهيم تبيّن أنّ مجال النقد الأدبي، الروائي هنا، قائم على مداخل متنوعة ومتعدّدة للمحاورة النصوص الأدبية الروائية نقدياً، وتأويل عوالمها النّصية. وبذلك، إذا كان النقد لا يسمح بممارسة معرفية يصحُّ أنْ يُقال فيها «أيّ شيء»، فإنّه كذلك مجال معرفي محكوم بفرضيات الناقد ورؤاه وتصوراته الدالة على التعدّد والتنوّع في المنطلقات والرؤى والتأويلات. إنّ هذه الوظيفة، التي يضطلع بها النقد، تسهمُ فيها المفاهيم بشكل كبير؛ فتجعل النقد محكوماً بالدّقة المنهجية والمعرفية، وبالقدرة على التعبير عن قضايا مثيرة، مثل قضية السياسة، بكثير من «الموضوعية» المؤطرة بضوابط نقدية عقلانية، والمجرّدة من العواطف الزائدة والإيديولوجية المرفوضة أو المقبولة. * المتأمل في خطاب كتابكم قد يستشف نزوعاً واعياً نحو تقويض الاستبداد في تجلياته النّصيّة، بتعرية السلطة في مختلف انزلاقاتها. كيف تنظرون إلى المسافة التي من المفروض أن يرسيها الناقد مع مقروئه؟ – يطرح هذا السؤال قضية تهمُّ الفعل النقدي، وهي: النقد وإشكالية المسافة. إنها قضية تزداد إشكالاً حين يقترن النقد بالاشتغال على قضية معقدة مثل «السياسة» في الأعمال الإبداعية الروائية، مما قد تؤثر على حفاظ الناقد على «حياده» وموضوعيته، وإن كانت سياسة خاضعة للتمثّل والبناء النّصي، وليس المحقَّقة في الواقع التجريبي الفعلي. لهذا، فإنَّ أخذ«المسافة» في الممارسة النقدية يمكن أن يُسهم في تحقيق فاعلية قرائية تظهر معالمها في تجاوز الجاهز والمتداول والمكرَّس والمعطى (في النّص)، صوبَ بناء الجديد والغائب والمختلف واللامقول. بهذا المعنى، فإنّ إشكال المسافة النقدية نابعٌ من «طموح فكري» غايته تحقيق قراءة نقدية فاعلة ومنتجة ومختلفة. بهذا المعنى، قد يكون طموح تعرية السلطة، وكشف اختلالاتها المتنوعة في علاقة بالتدبير والتسيير والجدال والتدافع السياسي، لكنه طموح مشروط ب«الالتزام» بضوابط الفعل النقدي الخلاق، ومنها ضابط المسافة الذي أشرت إليه في سؤالك. إنَّ ذلك ما يوجّه تصوري لفلسفة المسافة النقدية أثناء التعامل النقدي مع نصوص روائية قامت مرجعياتها النّصيّة على «السياسية» المفتوحة على كلّ الممكنات. لهذا، تعتبر المسافة في النقد «مغامرة قراءة»، بلغة رولان بارت؛ لأنها تصيِّرُ الفعل النقدي مجالاً معرفياً لتشغيل الفكر، وإعمال الفهم الدقيق والتحليل المنتج، وليس الاكتفاء بإعادة أفكار النّص، أو الآخر، بطريقة مخيِّبَة لأفق الإضافة المعرفية. بهذا المعنى، في تقديري، لا وجود لمسافة نقديةدون مغامرة قرائية، ولا وجود لمتعة نقدية دون «جديد» معرفي. من هنا، فإنّ المسافة النقدية تحفظ للنقد فاعليته المعرفية، وتمنعه من «التكرار»، وتُمكِّنهُ من خلق الاختلاف. وكأن قلق المسافة النقدية، التي حرصت عليها في الكتاب، نابعٌ من «سلوك معرفي» متبصِّر غايته التجديد، بوصف التجديد أسَّ كلّ فعل نقدي، بالضرورة؛ لأنه لا نقد من دون رؤية تبصّريّة تمكّن من الفهم الجيّد للكتابة، ومن تفسير عميق، ومن تأويل مختلف ونوعي. قد يتبين، من هذا القول، أنّ الناقد إذا لم يتخذ نمسافة معرفية ن النص الخاضع للفعل النقدي، فإنه سيحجب «حقائق»، ويُظهِرُ مغالطات. لهذا، إنّ شرط المسافة في النقد كفيل بكشف «الحقيقة الإبداعية»، الروائية في سياق الكتاب، حضوراً وغياباً، وإظهار تميّزها النوعي. بهذا المعنى، فإنّ المسافة في النقد تُسهمُ في كشف «الأوضاع الخاطئة» في الكتابة،بحياد وموضوعية وبمنطلقات معرفية ومنهجية، وتساعد على إظهار «الأوضاع الصحيحة» عبر تقويم بناء وخلاّق ينير الفكر وينتج المعرفة. كانت المرجعية السياسية موجهاً رئيساً في انتقاء النصوص المدروسة، ألم يطرح هاجس الاختلاف السياقي بمختلف مكوناته عائقاً أمام التحليل المنجز، سيما في مقاربة الشق الفنّي لهذه الأعمال، في ظل اعتمادكم على المترجم منها؟ بكل تأكيد لا؛ لأن الموجّه للدراسة لم يكن النّص في ذاته، بل «الموضوع» في كلّيته. من هنا، كان المنطلق واضحاً: دراسة المرجعية السياسية التي يبنيها الروائي في عمله، بناء على موقع ورؤية وواقع ..، وفق مقتضيات تأويلية ترى في السياسة عالماً مركباً من عناصر فاعلة، ووجود نوعي مؤسساتي خاص (هيئة، حزب، مؤسسة دستورية، موقع تدبير وتسيير ..). لهذا، أشرت إلى معطى أساسي، وارد في أحد فصول الكتاب، هو أنّ السياسة المتحدث عنها عالجها الكثير من الروائيين المغاربة والعرب والعالميين، ولكن الرؤية والموقف والبناء تختلف. صحيح أن الإشكال الفنّي قد يطرح مع النص الروائي المترجم (حفلة التيس: يوسا)، لكن إدراك مظاهر الاختلاف بين لغة الوصول (العربية) ولغة الانطلاق (الإسبانية)، لا تمنع من وجود مقومات سرديات فنّية حاضرة في هذا العمل. لذلك، فإنّ الاختلاف السياقي بين النصوص الروائية المدروسة بين أن السياسة قدر كلِّ الناس، وفي كل الجغرافيات، وفي كل الأزمنة. من هنا، أعتقد أن العائق الذي يمكن أن يواجه أيّ ناقد يشتعل على قضية حساسة مثل السياسة هو «سوء الإنصات» للنص الإبداعي. لهذا، فإنّ النصّ الروائي، وإن كان مترجما، فإنه متميز بتركيبه السردي وعوالمه الدّالة، وليس فقط بمكون فنّي واحد وأوحد؛ لكن الدراسة النقدية السطحية قد تطمس قيمته، وتسلبه أهميته، أو العكس تماما، فقد تكشف قيمته الجمالية التي أسُّها التعدّد، وتبرز أهميته المتنوعة فكريا وفنياً. لذلك، فإنّ العوائق التي يمكنها ان تعترض الفعل النقدي، في صيغته المطلقة، يمكن تجاوزها حين يصير هذا الفعل محكوماً بوضعية معرفية توجّهها دعوة صريحة لاستبدال القراءة الاستعجالية والسطحية ب«القراءة النبيهة» و«القراءة اليقظة»، بلغة إدوارد سعيد. إنّ الأفق الإبستيمولوجي الذي يمكن أن ترسيه القراءة «النبيهة» قد يفضي لإنتاج نقدي قوامهُ كشف ممكنات قيمية يتأسّس عليها النص الإبداعي، وإن كان مترجماً؛ لأنَّه كشفٌ ارتبط بوضعية مفضية لفكر التّقصّي الشامل لمكونات النّص الجمالية الفنية والفكرية الدلالية. أرسيتم مساراً كتابياً لافتاً، يبدو ارتكازه قائما على المقاربة الثقافية، كيف تفسرون ذلك. أشكرك محمد أستاذ على تقويمك الإيجابي لمنجزي النقدي الذي تراءى«لافتاً» في نظرك. وبالرغم من أن الخجل يرافقني حين أرغب في الحديث عن مساري الكتابي النقدي، إلاّ أن سؤالك يفرض عليّ الإجابة. هكذا،يبدو أن سؤالك، بحسب ما فهمته منه، مرتبط بطبيعة الدراسة النقدية للنصوص السردية الحديثة التي أنجزها، بالموازاة مع دراسة النصوص النقدية الأدبية، والخلفية المعرفية والمنهجية التي تؤطر اشتغالي النقدي.لهذا، فإنّ الدراسات النقدية التي أنجزتها تنبني على تحليل النصوص من زاوية السميائيات التطورية؛ بوصفها مجالاً معرفياً يعمل على تأويل النص الروائي من زاوية حركيته ضمن مسار إبداعي عام، وفي علاقة بمجموع أعمال المبدع خاصة. من هنا، فهذه الخلفية المعرفية المنهجية جعلت نظرتي النقدية للنصوص الروائية مؤسسة على الاشتغال عليها بوصفها «ملتقى علامات» متنوعة، يقتضي تأويلها الانفتاح على «العالم». بهذا المعنى، فإن المرتكز النقدي في هذا النمط من المقاربة يقوم على تجاوز التصور الذي يتخذ من الرواية «عيّنةً» إبداعية يضعها تحت «مجهر» النقد، ثم يبدأ وصف التفاصيل الأساس لهذه العمل الإبداعي. بكلّ تأكيد، هذا عمل مهم، وقد عملت الدراسات البنيوية على بلورته وإرسائه، ولكن تأويل «النص» يقتضي تفكيك علاماته وعوالمه وبنياته المختلفة في ضوء علاقاته بالعالم. إننا حين نبحث عن صلة النص بالعالم، فهذا يعني أننا نربطه بسلطة وثقافة وحضارة ووجود ..، وأكثر من ذلك نربطه بإنسان في امتداداته المختلفة، الوجودية والقيمية والنفسية والثقافية والأنثروبولوجية .. إلخ. بهذا المعنى، فأعتقد، بشكل يقترب من الجزم، أن صلة الرواية بالعالم الثقافي المحيط شيءٌ مركزي، وأن الاشتغال بنقد لعالمها في غياب هذا المحيط قد يعدُّ نوعاً من العبث النقدي. لهذا، أتصور أن نقد الرواية، كما أمارسه في منجزي النقدي، يسعف في فهم العالم والإنسان داخله، وفي فهم قضايا الإنسان المختلفة في جغرافيات متعدّدة، وأزمنة متباينة. لذلك، قد تجد كثيراً من الإشارات النقدية الدالة على الارتباط المتين بين الرواية وقضايا الهوية والسلطة والثقافة والتاريخ والحضارة والهامش ..، وكلّ القضايا المتّصلة بالوجود الإنساني في اختلافه وتباينه وتميزه، الذي لا يعني أفضلية هذا الإنسان على ذاك. من هنا، فإن الخلفية المعرفية والمنهجية التي أنطلق منها تبيّن أن الرواية «عمل ثقافي»، ولكن بناءه يتم وفق ضوابط سردية وفنية تتباين من نص لأخر. وكأن نقد الرواية، بهذا المعنى، قائم على خلق توليف، أثناء تأويل عوالمها المتعدّدة، بين «داخل» النص، كما تبرزه المرجعية المعروضة فيه، وبين «خارج النص» الذي يحيل على عالم وثقافة وإنسان.