النقاش الذي أطرته الفيدرالية المغربية لناشري الصحف والنقابة الوطنية للصحافة المغربية يوم الجمعة الأخير في الدارالبيضاء، وحضره عشرات المهنيين والحقوقيين، لم يكن جلسة تفاوض بين الباطرونا والأجراء، ولم يكن مهرجانا خطابيا لإعلاء المطالب وتجديد تمرين الحناجر، إنما كان فضاء للتفكير الهادئ والرصين في المهنة وفي رهانات الإصلاح المتعلق بها وبممارسيها، وأيضا للترافع من أجل إصلاح المهنة ضمن التطلع الوطني العام المعبر عنه اليوم من أجل الديمقراطية والتقدم. الإشارة اللافتة الأولى التي خلفها النقاش المذكور جسدها التفاعل بين مدراء الصحف والصحفيين، والتقارب الواضح بين هيئتيهم التمثيليتين في المواقف وفي أشكال الترافع، ما يؤكد خصوصية هذه المهنة، ويكشف أيضا عن وعي جديد وسط المهنيين، هو الذي جعل كلمات الافتتاح تجمع على الحاجة إلى التعاطي مع أسئلة المهنة بوعي اليوم وبأدوات اليوم وليس بعقلية الماضي. المشاركون في النقاش المشار إليه ركزوا على أنه من غير المقبول اليوم التعاطي مع قضايا إصلاح قانون الصحافة وتنظيم المهنة وتأهيل القطاع بأقل من الجرأة والطموح والإبداعية التي حث جلالة الملك، في خطاب تاسع مارس، الطبقة السياسية على الالتزام بها لبلورة الوثيقة الدستورية المقبلة. وانطلاقا من ذلك، نادى المهنيون بدسترة حرية الصحافة، وأيضا الحق في الوصول إلى الخبر والمعلومة ونشرهما، بالإضافة إلى مجلس الصحافة، كما شددوا على ضرورة إصلاح كل الثغرات الموجودة في التشريعات ذات الصلة بالميدان، بما في ذلك موضوع العقوبات السالبة للحرية، وأيضا سؤال الإرادة السياسية، خصوصا فيما يتعلق بجدوى إصلاح قانون الصحافة إذا كان القضاء يلجأ باستمرار لمقتضيات القانون الجنائي... وحتى في خضم التداول في مثل هذه الأسئلة الحارقة، لم يكن المهنيون يفكرون لذواتهم، إنما كانت أسئلتهم لخبراء القانون الحاضرين تدفع في اتجاه استحضار مطالب المجتمع، وضرورة التوازن في التشريع، وهذه إشارة لافتة ثانية جسدتها مناقشات الجمعة في الدارالبيضاء. المهنيون المغاربة اليوم يدركون أن اللحظة سانحة لينصب النقاش والتفاوض حول العمق، أي حول فلسفة الإصلاح ومرجعيته، وبعد ذلك سيكون تنزيل الصياغات سهلا وتقنيا. المهنيون اليوم مقتنعون أن كسب رهانات الدمقرطة والتحديث والتنمية في بلادنا يقتضي امتلاك إعلام مهني متطور ومقاولات متينة ومناخ سياسي ومهني يعترف للصحفيين بدورهم المجتمعي وبحقوقهم وبضرورة تأمين كرامتهم. المهنيون مقتنعون اليوم أن أي تشريع للصحافة والإعلام يجب أن يندرج ضمن المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، وينطلق من إعلاء الحرية، ومن ثم فإن حرية الصحافة وحرية التعبير هما حاجة مجتمعية في مغرب اليوم وليستا مطلبا قطاعيا فحسب. الخلاصة عبر عنها رئيس فيدرالية الناشرين بالقول بأن المغرب يستحق قانونا للصحافة لا يتعامل مع الصحفيين كمجرمين، ويستحق، في نفس الوقت، صحفيين لا يتعاملون هم أنفسهم كمجرمين بخرقهم المستمر لأخلاقيات المهنة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته