تابع المغاربة صور عملية إعادة تمثيل جريمة التفجير الإرهابي الذي هز مقهى (أركانة) بمراكش، وإلى جانب مشاعر الحزن والغضب والاستنكار التي عمت الكل، فإن «تفصيلا» لا يقل أهمية لفت انتباه العديدين، ويتعلق بالحالة النفسية التي كان عليها المتهم الرئيسي. لقد بدا المعني بالأمر شابا هادئا، وبقسمات تعبر عن «الارتياح»، كما أنه لم تتبين للمشاهدين أية مؤشرات عن تعرضه للتعذيب. ماهي إذن «الرسالة» التي خلفتها هذه الحالة الهادئة التي بدا عليها المتهم؟ الرسالة/التحذير هنا هي أن المتهم بالتفجير ارتكب جريمته لأنه مقتنع ب»صواب» ما فعل، وهذه «القناعة» هي التي جعلته يخطط ويفكر ثم يستعد وينفذ، وذلك من دون أن يكون عضوا في تنظيم إرهابي له هياكل، ويتم داخله «توزيع المهام». معنى هذا أن الشاب، الذي لا يمكن أيضا اعتباره معدما أو فقيرا من الناحية الاجتماعية، تكونت لديه أفكار وسلم بها، وهي التي حركته لارتكاب فعله الإجرامي، وهنا نحن أمام معركة الأفكار أساسا. إن الاستراتيجيات الأمنية ونجاعة التدخل وتفعيل السياسات الاستباقية، كلها قضايا توجد في عمق المطلب المجتمعي بشأن حماية أرواح الناس وحقهم في الحياة والأمن والاستقرار، ولكن بالإضافة إلى ذلك، فإن المعركة على الواجهة الفكرية والثقافية تبقى ذات أهمية قصوى اليوم، خصوصا أن تنظيما إرهابيا يمكن أن يمتلك منفذين في مناطق مختلفة (منها بلادنا) قد لا يعرفون حتى ما إذا كانوا أعضاء به أم لا، ولكن لديهم ذات القناعات والأفكار، وهنا نصير أمام امتداد فكري لا بد من تقوية شروط مواجهته. عندما يحذر الكثيرون من عودة خطابات التكفير والتطرف والترويج لها عبر بعض الصحف والمواقع الالكترونية، فهذا جرس إنذار. وعندما يتم الترويج لفتاوى غريبة وعجيبة، بما فيها تلك التي تخالف القوانين المعمول بها في المملكة وكل مواثيق حقوق الإنسان، فهذا أيضا استهداف للأفكار وللسلوكات، وجرس إنذار آخر. وعندما ينقض عدد من خطباء المساجد على منابر بيوت الله، ويشرعون في نشر التشدد وأيضا التشنيع بسياسيين ومثقفين وفنانين وصحفيين، وهم الذين تدفع لهم وزارة الأوقاف رواتبهم، فهذا أيضا خطر يتهدد مجتمعنا وشبابنا. وعندما يجعل البعض من مهرجان (موازين) مبرر وجوده في الشارع، وينشر كثير مغالطات وشعبويات بشأنه، فإنه يزرع أفكارا وسط الناس والشباب، تجعل المطالبة بإلغاء كل المهرجانات واجبا مقدسا، ويمكن لهذه (القناعة) أن تتوسع غدا لتشمل الكتب وصناع الأفكار والفرجة... إن مواجهة هذه المخاطر والتهديدات هي التي تقوي شروط المناعة لدى شبابنا وشعبنا، ومن ثم فإن وسائل الإعلام السمعية البصرية والمؤسسات التعليمية والمثقفين والفنانين مدعوون لخوض معركة الأفكار دفاعا عن مكاسب شعبنا في الديمقراطية والانفتاح والتسامح والحرية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته