أوضحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنها قد تغير عدد القوات الأميركية في حلف شمال الأطلنطي (ناتو) عندما هددت بنقل تلك القوات من ألمانيا وربما إرسالها إلى بولندا. ورغم أنه يبدو أن الكونغرس قد عرقل تلك الخطوة، لن يختفي هذا الجدل المتفاقم في الناتو بشأن مستويات القوات والمشاركة. ومنذ تولى الرئيس دونالد ترامب منصبه أثار الشكوى بشأن استمرار دول أوروبية حليفة في الناتو في عدم الالتزام باتفاق تم التوصل إليه في عام 2014 والخاص بإنفاق 2 في المئة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي على ميزانياتها الدفاعية بحلول عام 2021، ومن بين الدول الكبرى تعتبر ألمانيا هي الأسوأ بالنسبة لمخالفة الاتفاق حيث تنفق 1.3 في المئة فقط من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع، ولا تتعهد بالوفاء بالهدف السنوي وهو 2 في المئة حتى عام 2031. ويقول الكاتب رامون ماركس في تقرير له نشرته مجلة ذا ناشونال أنتريست الأميركية إن إدارة ترامب تتعرض للانتقاد لممارستها الضغط على الحلفاء الأوروبيين للاضطلاع بالمزيد من المسؤولية بالنسبة للدفاع الخاص بهم. واعتبرت شدة تصريحات ترامب دليلا على تضاؤل اهتمام الولاياتالمتحدة بالناتو، مما دعا لأن يخشى البعض من إمكانية " تخلي" الولاياتالمتحدة عن الناتو، أو أن تحد بدرجة كبيرة من التزامها الاستراتيجي طويل المدى تجاه الحلف. ويعتقد الكثيرون من أنصار الناتو أنه يتعين أن تبقى مستويات الولاياتالمتحدة العسكرية الحالية في الناتو دون تغيير للمساعدة في الحفاظ على الاستقرار. وألمحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أن موقف واشنطن يمكن أن يؤدي إلى تحول أوروبا نحو نوع جديد من الحيادية. وقالت بعد اجتماع لمسؤولي الناتو ومجموعة السبع "يمكنني فقط القول إنه يتعين علينا نحن الأوروبيين أن نتولى أمرنا بنفسنا في حقيقة الأمر، وبطبيعة الحال في ظل صداقة مع الولاياتالمتحدة، والمملكة المتحدة، وكدول مجاورة ذات علاقات طيبة كلما كان ذلك ممكنا أيضا مع الدول الأخرى، حتى مع روسيا". وقال ماركس، وهو أيضا محام دولي متقاعد، إن الأمر وصل إلى حد زعم بعض أنصار الحلف أن الإدارة الأميركية تريد الانسحاب من الناتو كبادرة شكر لروسيا لمساعدتها على انتخاب ترامب رئيسا للبلاد. ومن الأمثلة التي يعتبرونها دليلا على ذلك امتداح ترامب المتكرر لبوتين؛ وما حدث من تجميد مؤقت للمساعدات لأوكرانيا؛ وخفض تواجد القوات الأميركية في سوريا؛ ودعوة ترامب مؤخرا لروسيا للانضمام إلى الاجتماع القادم لقمة مجموعة السبع، إلى جانب أستراليا والهند وكوريا الجنوبية. وأحدث مثال هو ما يتصور أنه عدم ضغط على روسيا لتقديم دليل ما على أنها ربما دفعت مكافآت لطالبان لقتل الجنود الأميركيين في أفغانستان. ورغم احتمال أن تكون التصريحات الواردة من واشنطن للضغط على الحلفاء أكثر حدة مما كانت عليه في الماضي، فإن الحقيقة هي أن إدارة ترامب اتخذت أيضا مواقف قوية ضد روسيا ودعما للناتو، تفوق كثيرا أي كلمات لطيفة أدلى بها ترامب عن بوتين. فقد ألغت الولاياتالمتحدة معاهدة القوات النووية المتوسطة مع روسيا. وأعلنت الولاياتالمتحدة اعتزامها الانسحاب من معاهدة السماوات المفتوحة، وهدد ترامب باستئناف التجارب النووية، كما دعا إلى تطوير رؤوس حربية وإمكانيات نووية جديدة، مما قد يشعل من جديد سباقا نوويا مع روسيا. وتواصل الإدارة الأميركية رفضها لتقييد الدفاعات الصاروخية الأميركية التي تعارضها روسيا دائما وتعتبرها مزعزعة للاستقرار. ومنذ انتخاب ترامب، فرضت الولاياتالمتحدة بانتظام مجموعة من العقوبات القوية ضد روسيا. ففي أثناء أول شهر له في منصبه، فرض ترامب عقوبات بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. ومنذ ذلك الحين فرض عقوبات ضد أصدقاء بوتين الأثرياء من الروس، وفرض عقوبات بسبب تدخل روسيا في الانتخابات، وفرض قيودا على قطاعات الطاقة والدفاع الروسية. وفي حقيقة الأمر، فرضت الولاياتالمتحدة في مطلع هذا العام المزيد من العقوبات، هذه المرة ضد أفراد في شبه جزيرة القرم تدعمهم روسيا. كما أن ترامب هو الذي أمر بإغلاق المنشآت الدبلوماسية الروسية في نيويورك، وسان فرانسيسكو، وسياتل، وواشنطن. وترامب هو الذي طرد 60 من الدبلوماسيين الروس من الولاياتالمتحدة في أعقاب حادث القتل الروسي بغاز الأعصاب في بريطانيا. وحقيقة الأمر هي أن إدارة ترامب لا تخضع لروسيا أو تفكك الناتو. ولكن كل ما تفعله هو أنها تطلب من حلفائها عمل المزيد، مما يعكس نمو أوروبا الهائل في الثروة والرخاء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع صعود الصين، تعتبر الحاجة إلى المزيد من المشاركة في تحمل الأعباء في أوروبا أمرا واضحا. وقد استجابت اليابان لهذه الدعوة في آسيا، حيث زادت من إمكانياتها العسكرية بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة. فالولاياتالمتحدة لم تعد تستطيع أن تتصرف باعتبارها القوة العسكرية المهيمنة الوحيدة في العالم. وكما أدركت اليابان وتنفذ بالفعل، يتعين على الحلفاء الأوروبيين المشاركة وعمل المزيد للمساعدة في الحفاظ على الاستقرار عالميا، لاسيما في فنائهم الخلفي. واختتم ماركس تقريره بقوله إن الدعوة إلى المزيد من المشاركة من جانب الحلفاء الأوروبيين أمر معروف ومفهوم، ولكنّ هناك أمرا حتميا جديدا يدعو إلى إعادة التوازن في أوروبا بدأ في الظهور، وهو أكثر إلحاحا وأهمية، وهو الأنظمة القتالية الجديدة التي أحدثت ثورة في عالم الحروب. وسوف تصبح القواعد الأميركية الأمامية الموجودة في الناتو أكثر عرضة للهجمات الأولى من مثل هذه الأنظمة. ففي غضون دقائق قليلة فقط أو حتى ثوان سوف تستطيع روسيا إطلاق وابل مفاجئ من الصواريخ والهجمات بالطائرات المسيرة على كل قاعدة ومقر قيادة أميركي في أوروبا، إلى جانب هجمات سيبرانية وحتى فضائية خاطفة. وهذه التهديدات التي تمثلها هذه الإمكانيات الجديدة ترغم الولاياتالمتحدة وحلفاءها على الجلوس معا وتقييم كيف يتعين عليهم إعادة تنظيم هيكل قواتهم في أوروبا الغربية للنجاة ومواجهة وردع مثل هذه التحديات.