وزراء ومسؤولون قضائيون يدعون إلى تسريع مصادقة البرلمان على مدونة الحقوق العينية اقترح الأمين العام للحكومة إدريس الضحاك، إحداث غرفة مختصة بقضايا العقار لدى المجلس الأعلى للقضاء من أجل وقف الاضطراب الحاصل على مستوى الاجتهادات والأحكام القضائية الخاصة بالموضوع، والذي يعود بالأساس إلى تعدد المقتضيات القانونية المنظمة لملكية العقار بالمغرب. وأعلن الأمين العام للحكومة في كلمة ألقاها خلال افتتاح ندوة موضوعاتية نظمتها أول أمس الأربعاء، محكمة الاستئناف بالرباط بتعاون مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية ونقابة هيئة المحامين بالرباط تحت عنوان «دور التشريع ونجاعة القضاء في المنازعات العقارية»، أنه تم التفكير في هذا الاقتراح حينما كان رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، رابطا طرحه إبانه، بتداخل وتعدد المشاكل الناتجة عن تعامل المغاربة مع كيفية الانتفاع من العقار الذي تتنوع تصنيفاته ونظمه القانونية، وقال «إن عددا من التعقيدات التي تحيط بموضوع العقار في المغرب؛ إذ تتنوع أصنافه من أراضي الجموع وأراضي الكيش والأحباس وأراضي الدولة، وأراضي الخواص وغيرها، كما تتداخل وتتعدد النصوص القانونية المنظمة لمسألة الملكية والانتفاع، فضلا عن الأهمية التي يحظى بها العقار باعتباره محركا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فيستحق بالتالي، أن يخصص له قضاء مستقل». وأشار الضحاك في هذا الصدد، إلى بعض التجارب المقارنة؛ إذ إن عددا من البلدان أحدثت قضاء مختصا بقضايا العقار، يكون مستقلا عن القضاء العادي، داعيا بشكل ضمني إلى تبني هذا النموذج الذي سيكون بمثابة المنارة الذي تشع منها وحدة الاجتهادات القضائية الخاصة بقضايا العقار لتجاوز التنظيم الحالي. ويبدو أن تنظيم هذه الندوة حول أحد المواضيع الأكثر حساسية وتعقيدا في المغرب والتي تنجم عنها العديد من المشاكل الاجتماعية، تهدف بالأساس، إلى توضيح العديد من الجوانب الخاصة بالمقتضيات التي تتضمنها مدونة الحقوق العينية والترافع من أجل تسريع المصادقة عليها خاصة أنها أحيلت على البرلمان منذ أكثر من ثلاث سنوات، وذلك من أجل وضع الحلول للتعقيدات التي تحيط بشكل أساسي بالعقارات غير المحفظة فتظل خارج الدورة الاقتصادية بل وتعرقل مسار التنمية والاستثمار بالمغرب. وفي هذا الصدد، قال وزير العدل الطيب الناصري «إن العقار أصبح أداة محورية في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقطبا جاذبا ورافعة أساسية لخلق فرص الشغل، ولهذا كان من الضروري توفير الشروط الضرورية لضمان سلامة المعاملات المتعلقة به، وكذا توفير الآليات الكفيلة بحسن فض المنازعات المرتبطة به». وأوضح الناصري أن المغرب كان قد تبنى نظاما مزدوجا في حل المنازعات العقارية، إذ اعتمد نظاما خاصا بالعقارات المحفظة ممثلا في قانون 1913 و1915، فيما تم إعمال أحكام الفقه الإسلامي وفق المذهب المالكي على مستوى العقارات غير المحفظة، وهذا الأمر حسب المسؤول الحكومي، أدى إلى بروز صعوبات كبيرة أثرت سلبا على المعاملات المنصبة على العقار أو على مستوى بت القضاء في المنازعات المتعلقة به، وهو ما ساهم في إضعاف إدماج العقارات غير المحفظة في مسلسل التنمية وتنشيط الاستثمار في الميدان العقاري. وأفاد الناصري أن وزارته التي تعتبر أن تطوير وتحسين الإطار القانوني للعقار بالمغرب يعد مكونا ضمن برامج إصلاح العدالة، وضعت مدونة الحقوق العينية كتشريع موحد سيجمع كل النصوص القانونية وأحكام الفقه والاجتهادات الخاصة بالعقار في المغرب، حيث سيطبق على الحقوق العينية سواء تعلق الأمر بعقارات محفظة أو غير محفظة دون إغفال الخصوصيات المميزة لكلا الصنفين، وهو ما من شأنه أن يمكن من «تجاوز التضارب الحاصل في بعض الأحكام القضائية الصادرة بخصوص موضوع العقار نتيجة عدم وجود مرجعية موحدة وملزمة يستند إليها القضاء عند بته في هذه الملفات» يقول وزير العدل. وأضاف على أنه مراعاة للاختلاف الموجود بين طبيعة العقارات المحفظة والعقارات غير المحفظة، واعتبارا لاختلاف قواعد الإثبات الخاصة بكل منهما، فقد تم تحديد بعض الاسثناءات التي يمكن أن ترد عند التطبيق، حيث تم توحيد القاعدة القانونية في ما لا اختلاف فيه، واحتفظ بالازدواجية فيما استعصي على التوفيق بشأنه، مطمئنا بذلك أصحاب العقارات غير المحفظة بالقول بأن «مدونة الحقوق العينية ستساهم في ترسيخ الأمن القانوني والقضائي في ميدان العقار والمعاملات المرتبطة به». ومن جانبه، أكد إدريس بالمحجوب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط، على ضرورة تسريع وتيرة البت وتصفية كل القضايا القديمة المسجلة بهذه المحكمة قبل سنة 2009، وذلك كتعبير عن الانخراط والتعبئة الكاملة في الورش الإصلاحي الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 9 مارس. وأوضح بالمحجوب أن الندوة تهدف إلى بلورة أفكار ومقترحات لإغناء مشروع مدونة الحقوق العينية، مشيرا إلى أن الأنظمة العقارية المعمول بها حاليا والتي ترتبط بحمولة تاريخية قديمة كرست ازدواجية التعامل بين عقار محفظ وغير محفظ، وازدواجية التصرفات بين وثائق عرفية ووثائق رسمية صادرة عن موثقين وأخرى عن عدول، فضلا عن تضخم التشريع العقاري وتنوعه المرتبط إما بأراضي الجموع أو الغابات أو الوقف أو الأملاك الخاصة والعامة للدولة، وما يتبع ذلك من أوضاع قانونية متشابكة ذات الارتباط بالحقوق العينية الأصلية والتبعية. وللتدليل على ضخامة هذه التعقيدات، أورد المتحدث ذاته، في هذا الصدد، فقرة من تقرير الخمسينية الذي أكد على أن العقار يوجد في قلب الإشكالية الحضرية بالمغرب، فهو يمثل بدوره رمزا للسلطة والوجاهة ومصدرا إثراء لا ينضب وموردا يشهد إقبالا متزايدا، غير أن وظائفه المعتادة خضعت لتحريف تمثل في دوائر تبييض الأموال والأشكال المتعددة للمضاربة. ومن جانبه، أكد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط الحسن العوفي، أن تعدد الأنظمة العقارية بالمغرب يعرقل ليس فقط عملية التهيئة الحضرية، بل يؤثر سلبا على مشروع الجهوية الموسعة التي ينتظر أن يطبقها المغرب، مشددا على «أن تنامي الدور الذي يلعبه العقار كقاطرة للتنمية، بات يفرض ضرورة وضع حد لازدواجية الأنظمة القانونية المنظمة للعقار وإقرار قانون جديد يوحد القواعد القانونية الخاصة بهذا المجال». وأبرز أن تنظيم هذه الندوة التي تجمع مختلف المتدخلين بما القضاة والمحامين والمحافظين العقاريين والموثقين والعدول وبرلمانيين والأساتذة الجامعيين والمنعشين العقاريين، سيسهم في الإحاطة بمختلف الإشكاليات القانونية المطروحة و تبادل وجهات النظر من أجل وضع الحلول المناسبة. هذا، وفضل محمد أقديم نقيب هيئة المحامين بالرباط في كلمته، تبني مقترح الأمين العام للحكومة المتمثل في إحداث قضاء مستقل للقضايا العقارية، مضيفا مقترحا آخر يتمثل في إحداث آلية الوساطة والتحكيم في بعض المنازعات التي تكون جد معقدة، والتي تستمر إشكالاتها بالرغم من حسم القضاء فيها. كما أثار أيضا مختلف الإشكاليات التي تعترض المحامين خلال مقاربتهم لهذه الملفات، والتي تتعلق بالبطء الكبير في بت المحاكم في هذه القضايا، وتعدد الأنظمة القانونية وتعقدها، فضلا عن جانب يرتبط بالتعامل الغير اللائق الذي يواجهها المحامون والموثقون والعدول خلال طلبهم الحصول على معلومات معينة لدى بعض المحافظات العقارية.