قدم الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، يوم الجمعة 5 يونيو 2020، وثيقة من حوالي أربعين صفحة تضم مقترحات الحزب من أجل تعاقد سياسي جديد. وفصل الحزب مقترحاته عبر 3 محاور كبرى و20 إجراء، كان أولها يصب في الجانب الاقتصادي أساسا، رغم أن الحزب أكد أكثر من مرة عبر وثيقته على أنه لا يمكن الفصل بين الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبين المسألة السياسية. نعيش هذه الأيام مرحلة انتقالية تاريخية بكل معنى الكلمة، تميزها جزئيات وتفاصيل يومية، فرضتها جائحة كورونا، قد لا يتمكن المرء من استيعاب كل أبعادها، وبشكل خاص تداعياتها لما بعد رفع الحجر الصحي بشكل كامل. منذ بداية هذه الجائحة، ظل وعي حزب التقدم والاشتراكية صاحيا، متقدا، ينبه إلى المطبات والنواقص، ويثير النقاش والجدل داخل صفوفه، ووسط المشهد السياسي، معبرا، عبر تقنيات التواصل والندوات واجتماعات القيادة عن بعد، عن حيوية نادرة في الحياة الحزبية المغربية. ولعل اللحظة الفارقة التي يمر منها المغرب تستدعي ذلك. فالأمر لا يتعلق بجائحة تفرز قرارا سياسيا من القرارات التي يمكن اتخاذها في الأوقات العادية، بل بجائحة تنبئ بمتغيرات جذرية، وتفرض بالتالي قرارا تاريخيا يضع المغرب على السكة الصحيحة ما بعد انجلاء الوباء. وقد توج حزب التقدم والاشتراكية خلاصات ندواته ونقاشاته، بتقديم مقترحاته للمرحلة القادمة (أي ما بعد كورونا)، وذلك في وثيقة جاءت في 40 صفحة بعنوان «التعاقد السياسي الجديد»، تتأسس على مضامين نداء اللجنة المركزية للحزب المنعقدة عن بعد بتاريخ 16 مايو 2020، وكذا وثيقة الحزب حول النموذج التنموي البديل، إضافة إلى الاستشارات الواسعة داخل الحزب وخارجه. هذه المقترحات تتأسس على قناعة راسخة لدى حزب التقدم والاشتراكية، تتمثل في وضع الإنسان في قلب العملية التنموية، واضطلاع الدولة بأدوار جديدة على مستوى التوجيه، والضبط، والتدخل المباشر في مجال توفير خدمات اجتماعية أساسية. بمعنى آخر، أولت مذكرة حزب الكتاب مكانا بارزا للعلاقة الوطيدة بين المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية أساسا، لوجود ربط جدلي بين مختلف هذه المستويات، وأي تعثر في إحداها ينعكس سلبا على المستويات الأخرى. على هذا الأساس، يؤكد حزب الكتاب على أن مقترحاته تروم «بناء تعاقد سياسي جديد يشمل، بشكل متلازم، الجوانب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية والسياسية»، مضيفا أنها تتضمن «ما هو آني وقابل للإنجاز فورا، وما يهم المدى المتوسط، وذلك في أفق أجرأة النموذج التنموي الجديد». * الملف من إعداد: مصطفى السالكي محمد حجيوي عبد العالي بركات عبد الصمد ادنيدن *في المحور السياسي قراءة في المضمون السياسي لتصور التقدم والاشتراكية للمرحلة القادمة عبد اللطيف أعمو: ضرورة إعادة النظر في الاختيارات والتوجهات وإعادة ترتيب الأولويات على أن يكون الإنسان في صلب المسلسل التنموي يجمع العديد من الباحثين والخبراء في علم السياسة والاقتصاد، وفي علم الاجتماع، على أن ثمة مؤشرات تظهر بوضوح أن التغيير القادم سيكون هائلا؛ وأن عالم ما بعد كورونا لن يكون كسابقه. ذلك ما ذهب إليه حزب التقدم والاشتراكية الذي أعلن مؤخرا عن حزمة مقترحات تحت عنوان "من أجل تعاقد سياسي جديد" يستشرف من خلالها سمات مغرب ما بعد كورونا، وذلك من أجل بلورة سياسات مناسبة للتعامل مع هذا المستقبل الذي يبدو للكثيرين غامضا. ولكي تكون عملية الاستشراف تلك، علمية وقابلة للتنفيذ، بسط حزب التقدم والاشتراكية، قرابة 180 مقترحا، قسمها على ثلاثة محاور كبرى، محكومة بخيط ناظم يقوم على العلاقة الجدلية بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بحيث لا ينفصل أي مرتكز عن الآخر، محاولا بذلك إبراز الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والإستراتيجية الرئيسية لجائحة كورونا على مستقبل البلاد، إذا لم تتضافر الجهود للتخفيف من وطأتها، في أفق تجاوزها. وفي الوقت الذي ينبه فيه إلى خطورة انعكاسات الجائحة على المديين القريب والمتوسط، يستشف من مقترحات حزب التقدم والاشتراكية، أن تلك المتغيرات التي أحدثها "كوفيد – 19" يمكن أن توفر فرصة نادرة لصياغة "تعاقد سياسي جديد" لمغرب ما بعد كورنا، مغرب يكون أكثر عدلا، وأكثر قوة من ذي قبل، على أن يكون عماد هذا "التعاقد السياسي الجديد" بلورة مخطط اقتصادي للإنعاش والقضاء على الهشاشة والفقر وإعمال العدالة الاجتماعية والنهوض بالثقافة، وبالضرورة تعميق المسار الديمقراطي والبناء المؤسساتي كشرط متلازم للمستويات الأخرى. عندما يقوم حزب التقدم والاشتراكية بتحليل للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبلادنا، فإنه يقوم بذلك انطلاقا من المحددات السياسية والفكرية والمنهجية التي تقوم عليها مدرسة حزب التقدميين المغاربة، حيث يعتمد، على مبدأ التحليل الملموس للواقع الملموس.. وعلى أساس ذلك، يحدد أولويات المرحلة ويشدد على إعادة ترتيبها من أجل الحد من تأثيرات هذه الجائحة التي قد تكون عاصفية في العديد من المجالات الحيوية، إذا لم يتم اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية.. تأثيرات ستكتوي بنارها، جل التشكيلات الطبقية خاصة العمال والفلاحين الصغار والفئات التي تعيش في وضعية هشاشة، والتي كشفت هذه الجائحة عن حجمها الحقيقي والذي يصل إلى حوالي 20 مليون مواطن ومواطنة يعيشون الهشاشة. وفي هذا لسياق، يرى النقيب عبد اللطيف أعمو المستشار لبرلماني والقيادي في حزب التقدم والاشتراكية، أن المقترحات التي يطرحها حزب الكتاب، على مختلف الفاعلين، هي مقترحات نابعة من عمق التحاليل التي يقوم بها الحزب، ليس فقط مع ظرفية جائحة كوفيد-19، ولكن بارتباط مع الحالة التي يعرفها المغرب منذ سنوات، وكانت الجائحة فرصة لتعميق النقاش، والجواب على عدة أسئلة كبرى التي ظهرت مع الجائحة وفي مقدمتها كيف سيكون عليه حال المغرب بعد الجائحة؟. وأضاف عبد اللطيف أعمو في تصريح لبيان اليوم، أن حزب التقدم والاشتراكية، لاحظ أن هناك بعض مشاريع أجوبة لكنها لا توحي بأن هناك وعيا حقيقيا بالجائحة، وأن بعضها يعتبر أن هذه الجائحة هي مثلها مثل الجوائح التي مرت على المغرب، وهي مسألة ظرفية سرعان ما تنتهي، ويرى هذا البعض بالتالي أنه يتعين الاستمرار في البحث عن النموذج التنموي المناسب دون التخلي عن الاختيارات الليبرالية التي انتهجها المغرب وكانت سببا فيما نحن عليه اليوم، مؤكدا على ضرورة تقييم المغرب انطلاقا من موقعه التاريخي والمرحلة التاريخية التي يجتازها اليوم. وبحسب المستشار البرلماني، فإن العالم بأسره، بصدد الجواب على الأسئلة الكبرى المرتبطة أساسا بموقع الإنسان على المستوى العالمي حضاريا وثقافيا واقتصاديا، وما إذا كان هذا الإنسان سيبقى خاضعا إلى ما تنتجه التكنولوجيا من أنظمة ووسائل لم تساعده على تحقيق أهدافه الإنسانية المتمثلة في السعادة والرفاه، مشيرا إلى أن هذا المسار الذي سار عليه العالم، دون مقود، هو ما أدى إلى تخريب الطبيعة، وجعل من الإنسان مجرد أداة استهلاك، وأن المستفيد من هذه الأوضاع هم مالكو الأسهم في الشركات الكبرى التي تتحكم في التكنولوجيا وتسيطر عليها.
مصطفى لبرايمي: مقترحات الحزب مضبوطة بتصميم اقتصادي للإنعاش وتروم محاربة الفقر والهشاشة وإقرار عدالة اجتماعية ومجالية وتوزيع منصف لخيرات البلاد… من جانبه، يرى مصطفى البرايمي القيادي في الحزب ذاته، أن جائحة "كوفيد – 19″، أظهرت عدة اختلالات في المجتمع المغربي وخلفت عواقب جد وخيمة على الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى العوامل المناخية الغير مساعدة، حيث يمكن اعتبار هذه السنة سنة جافة، كما أنه في الآونة الأخيرة عرفت بعض المناطق عواصف رعدية أدت إلى حدوث خسائر كبرى خاصة بالنسبة للأشجار والفواكه وبعض الخضروات. وفي ظل حديثه عن السياق العام لمقترحات حزب التقدم والاشتراكية، أشار مصطفى البرايمي إلى انعكاسات الوباء على الوضعية الاقتصادية العالمية، والتي تفاقمت جراء الوباء الذي خلق نوعا من الارتباك وعدم وضوح الرؤية بخصوص النقاش الذي أفرزته الوضعية حول المستقبل، خلافا لما كان عليه الأمر ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد ما سمي بسقوط جدار برلين سنة 1989، مشيرا إلى أن الحزب، أنتج مقترحات حلول وبدائل انطلاقا من التزامه إزاء المجتمع المغربي، وإيمانه بضرورة تعبئة كل المجهودات الوطنية للخروج من عواقب هذا الوباء بأقل ضرر وفتح أفق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة. فيما أوضح عبد اللطيف أعمو أن حزب التقدم والاشتراكية، طرح كل المشاكل التي تعتري المجتمع المغربي، في مختلف مستوياته، وعبر عنها بشكل واضح وصريح من خلال الوثيقة التي سبق أن قدمها للجنة المشروع التنموي الجديد، وهي الوثيقة التي تمحورت أساسا حول الإنسان ومصير هذا الإنسان، وعبر عن نفس الرؤية في الوثيقة المنبثقة عن اللجنة المركزية التي انعقدت عن بعد، في خضم الجائحة، مشيرا إلى أن المقترحات الجديدة حول مرحلة ما بعد كورونا التي بعثها الحزب إلى رئيس الحكومة وعممها على الرأي العام، تأسست على محاور كبرى، منها محور له علاقة بالوسائل المتعلقة بضمان حسن إعادة الانطلاقة وإرجاع السكة الاقتصادية إلى مسارها الصحيح، من خلال الارتكاز على دور الدولة في بلورة مخطط استراتيجي مندمج يأخذ يعين الاعتبار الأولويات الجديدة، ويرفق ببرامج عملياتية مضبوطة من حيث أجندة ووسائل التنفيذ، وينطلق من التموقع الجديد لسلاسل الإنتاج والتزويد على الصعيد العالمي. هذه المقترحات التي قال عنها مصطفى البرايمي "إنها فاقت 174 مقترحا" مصنفة حسب فترة الخروج من الحجر الصحي، ومضبوطة بتصميم اقتصادي للإنعاش، وتروم محاربة الفقر والهشاشة وتوفير العدالة الاجتماعية والمجالية، وذلك عبر مجموعة من الإجراءات والتدابير القابلة للتنفيذ والتي من شأنها إقرار عدالة اجتماعية ومجالية وتوزيع منصف لخيرات البلاد، والاستثمار في المدرسة العمومية والارتقاء بالصحة العمومية والمستشفى العمومي والنهوض بالثقافة وبأوضاع الشباب، مشيرا إلى أن تلك المقترحات، في حال الأخذ بها، يمكن أن تساعد على تحسين وضعية الأسر التي تعيش دون دخل أو التي فقدت دخلها مع الجائحة. ولبلوغ تلك الأهداف التي حددتها مقترحات حزب التقدم والاشتراكية، يؤكد عبد اللطيف أعمو على ضرورة إعادة النظر في الاختيارات والتوجهات التي سار عليها المغرب إلى الآن، وإعادة ترتيب الأولويات، على أن يكون الإنسان في صلب المسلسل التنموي، وأن يجد له مكانة في الثقافة والتربية والتعليم، وأن يكون له الحق في الصحة والعلاج، وأن يكون له الحق في الترفيه. لكن كل ذلك، يضيف عبد اللطيف أعمو، لن يكون ممكنا في غياب ضمانات لتحقيقه، والمتمثلة أساسا في احترام الدستور والحريات الفردية والجماعية، مع ضمان حق الجميع في المشاركة، واحترام إرادة المواطنين، وجعل الديمقراطية هي الإطار السليم والصحيح الذي يمكن أن يسير بالبلاد في الاتجاه الصحيح. وهو نفس الرأي الذي عبر عنه مصطفى البرايمي، الذي قال إن "الإرادة القوية التي يمكن أن تبلور تلك المقترحات، من أجل النهوض بأوضاع الشعب المغربي، لا يمكن أن تستقيم دون تعزيز للحياة الديمقراطية وللبناء المؤسساتي. محمد حجيوي ****** *في المحور الاقتصادي حزب التقدم والاشتراكية يقدم للحكومة مقترحات اقتصادية ترمي إلى تقوية دور الدولة وتحسين المستوى المعيشي للشعب في مذكرته المرفوعة لرئيس الحكومة حول مرحلة ما بعد كورونا، ركز حزب التقدم والاشتراكية، الذي دأب على تقديم وتوجيه مقترحات مختلفة للسلطات العمومية كلما دعت الضرورة إلى ذلك، سواء ما يتعلق بالمجال الاقتصادي أو غيره من المجالات، (ركز) في المحور الأول لهذه الوثيقة على بلورة مخطط اقتصادي للإنعاش. وقد صبت كل مقترحات الحزب المتعلقة بالجانب الاقتصادي في خانة تحسين المستوى المعيشي للمواطن، ودعا الحزب إلى مباشرة إصلاح جبائي منصف وإخراج قانون إطار للضريبة، من خلال حذف نظام الإعفاءات الضريبية، بعد خمس سنوات من تأسيس المقاولة، سوى بالنسبة لما يتعلق بالأنشطة الاجتماعية، أو التي تكتسي طابع المنفعة العامة، أو بالنسبة للمقاولات غير المستفيدة من احتكار قانوني أو فعلي والتي تسجل زيادات محددة في رسملتها الذاتية. ودعا أيضا إلى فرض مساهمة تضامنية على شركات التأمين وعلى المؤسسات الاقتصادية والمالية المستفيدة من الاحتكار القانوني أو الاحتكار بحكم الواقع من قبيل: CDG وOCP وANFCC وONCF وANP. وفي السياق ذاته، أوصى الحزب بإلغاء العمل بإعفاء المساهمات في صندوق كوفيد 19 من الضريبة، ما سيجنب الدولة حسب الحزب إرجاع ما يناهز حوالي ثلث هذه المساهمات برسم سنة 2021. ومن النقط الأساسية أيضا التي أكد عليها الحزب في هذا السياق، هي إقرار ضريبة على الثروة، وسن ضريبة على الإرث الذي تتجاوز قيمته 10 مليون درهما، وإحداث ضريبة على الأملاك الفلاحية الكبرى، وإقرار رسم خاص بالعقارات المعاد تثمينها بفضل وثائق التهيئة التعميرية الجديدة، ثم إقرار شطر تضامني جديد في الضريبة على الدخل بالنسبة للأجور العليا جدا (44%)، وتوسيع شطر المداخيل المعفى من الضريبة على الدخل إلى 50 ألف درهما سنويا. وشدد حزب الكتاب أيضا على ضرورة الرفع من مبلغ الخصم من الضريبة على الدخل المتعلق بالأعباء العائلية، إلى 300 درهما شهريا لكل معال، عوض مبلغ 30 درهما شهريا فقط الجاري به العمل حاليا، وأيضا إدخال مفهوم "الإقرار الضريبي الموحد" (foyer fiscal) في النظام الضريبي المغربي، مع الأخذ بعين الاعتبار عدد الأطفال (إضافة للأصول المكفولين من أبنائهم) في احتساب الضريبة على الدخل، ثم تخفيض الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد والخدمات الحيوية، ورفعها بالنسبة للمواد الكمالية وخاصة منها المستوردة إلى 40%. وأكدت وثيقة الحزب أيضا على ضرورة محاربة التملص الضريبي والغش الضريبي بما فيه الفوترة المنخفضة بالنسبة للسلع المستوردة، وتوسيع الوعاء الضريبي وتوفير شروط تحفيزية للاندماج التدريجي للأنشطة غير المهيكلة في الاقتصاد المهيكل، والرقمنة والتوحيد التدريجي لطرق استخلاص الضريبة بالنسبة لجميع الملزمين على قدم المساواة، ثم إصلاح الجباية المحلية وتقوية مداخيل الجماعات الترابية، مع تجميع الرسوم المحلية في رسمين إثنين فقط يرتبط الأول بالسكن والثاني بالأنشطة الاقتصادية. الارتكاز على دور الدولة ويتمثل أساسا في الإجراءات التالية: بلورة مخطط استراتيجي مندمج يأخذ بعين الاعتبار الأولويات الجديدة، ويرفق ببرامج عملياتية مضبوطة من حيث أجندة ووسائل التنفيذ، وينطلق من التموقع الجديد لسلاسل الإنتاج والتزويد على الصعيد العالمي. إرساء أنظمة لتوجيه الإنتاج والاستهلاك، ولمراقبة وضبط وتقنين المنافسة والأسعار والجودة، ولحماية المستهلك والمنتَج الوطني. الاعتماد على الاستثمار العمومي لدعم مخططات اقتصادية وصناعية تنموية كبرى وقطاعات حيوية اقتصادية واجتماعية، وتعزيز البنيات التحتية والأوراش الكبرى، وتقوية الطلب العمومي. تعزيز دور الدولة كطرف ضامن للمقاولة الوطنية في علاقة هذه الأخيرة بقطاع التمويل، وفتح المجال لميكانيزمات جديدة أكثر مرونة وتناسبا مع مقتضيات تمويل الاستثمار المبتكر. تعزيز وإحداث آليات عمومية للمساهمة في تمويل المشاريع التنموية الكبرى، ومنها صندوق استثماري عمومي مهمته الأساسية المساهمة في رأس مال عدد من المقاولات الصناعية، بهدف تعزيز السيادة الصناعية الوطنية. إعادة تشغيل شركة لاسامير ووضعها في خدمة الأمن الطاقي الوطني. إطلاق أوراش مجالية وجماعاتية في الأرياف والمناطق الجبلية تشمل تشييد الطرق والمسالك لفك العزلة عن المناطق القروية والجبلية، وتوفير الماء الصالح للشرب عبر السدود التلية والآبار، والتشجير، وكذا إرساء بنيات للطاقات المتجددة وخصوصا منها الشمسية. مقاربات مالية وميزانياتية متجددة من جهة أخرى دعا حزب التقدم والاشتراكية إلى اعتماد مقاربات مالية وميزانياتية متجددة، من خلال اعتماد عجز ميزانياتي استثنائي لمواجهة الوضعية الاستثنائية الحالية، وإعمال مرونة أكبر في التعامل مع مبدأ صرامة الميزانية، لمدة سنتين على الأقل، والسماح بتمويل احتياجات الميزانية المبررة بالاستثمار العمومي في القطاعات ذات الأولوية أو بإنقاذ مناصب الشغل أو بإنعاش الآلة الإنتاجية، من خلال اللجوء المتزن إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، وذلك بالموازاة مع اليقظة العالية إزاء مخاطر التضخم. وأضاف الحزب في مذكرته، أنه يجب تعبئة التوفير العمومي لتمويل الميزانية العامة، من خلال إطلاق "سندات الخزينة للعموم" بدون ضريبة، وتوجيه سياسة الاقتراض نحو تمويل الاستثمار العمومي، بما فيه الاستثمار في القطاعات الاجتماعية ذات الأولوية، ثم الحد من تحويل العملة الصعبة نحو الخارج، لا سيما عبر تشجيع استهلاك المنتوج الوطني. وفي نفس السياق، دعا أيضا إلى مراجعة منظومة الشراكة بين القطاع العمومي والخصوصي لتشجيع الخواص على الإقبال على المساهمة في تمويل المشاريع البنيوية الكبرى، وضمان الوقع الاجتماعي والمجالي للاستثمار العمومي، من خلال مؤشرات دقيقة. وأكد على الانتقال الفعلي من مقاربة الوسائل إلى مقاربة النتائج في تدبير المالية العمومية، وتشجيع المقاولات على الانضمام إلى بورصة القيم، وتوسيع شفافية السوق المالي. تمويل المقاولة الوطنية واقترح الحزب بلورة ميثاق اجتماعي تلتزم فيه المقاولة بالمسؤولية الاجتماعية في الحفاظ على مناصب الشغل وإقرار الحقوق الاجتماعية للشغيلة ومحاربة هشاشة الشغل، وتتعهد فيه الدولة بدعم وتمويل المقاولة وتحسين مناخ الأعمال، بما يتيح شروط سلم اجتماعي بمشاركة فاعلة للنقابات العمالية، ثم إعادة توجيه القطاع البنكي نحو دعم وإنشاء مقاولات صغرى ومتوسطة في القطاعات المنتجة للثروة ولمناصب الشغل، مع تفعيل ضمانات الدولة. من جهة أخرى أوصى بتقوية مخصصات الصندوق المركزي للضمان عبر اللجوء إلى الاقتراض الداخلي، وتوجيهها لمساعدة المقاولات في وضعية صعبة من خلال منح هذه الأخيرة قروضا متوسطة الأجل لإعادة الهيكلة بسعر فائدة منخفض، تستعمل على وجه الأولوية لأداء مستحقات اليد العاملة والموردين. ومن أبرز الاقتراحات أيضا منح قروض متناسبة مع رقم المعاملات، مع ضمانات الصندوق المركزي للضمان في حدود 80%، وسعر فائدة 2%، مع أجل السماح لمدة سنة لفائدة المقاولات التي تلتزم بالحفاظ على مناصب الشغل، وتعبئة جزء من إمكانيات صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من أجل المساهمة المؤقتة في المقاولات الصغيرة والمتوسطة المهددة بالإفلاس. كما دعا أيضا إلى الحفاظ على خطوط القروض المتفاوض حولها قبل الجائحة، وتمتيع الأبناك للمقاولات المتضررة من الجائحة من قروض ميسرة وبنسب فوائد تفضيلية مع آجال تسديد طويلة الأمد، واعتماد البنك المركزي سياسة مالية موسعة تجمع بين سعر مديري للفائدة جد منخفض، والمساهمة القوية في إعادة التمويل، لا سيما في إطار إعادة تمويل القروض البنكية للمقاولات واستخدام الآليات غير التقليدية. وأكد على وضع آجال سريعة وإلزامية لتسديد الدولة ومؤسساتها للديون والإرجاعات الضريبية المستحقة عليها من طرف المقاولات الوطنية، وتقليص آجال الأداء بين المقاولات، وخاصة آجال وفاء المقاولات الكبرى بالتزاماتها إزاء المقاولات الصغرى والمتوسطة، مشددا على إقرار تدابير ضريبية تحفيزية لفائدة المقاولة الوطنية التي توفر نسبة إدماج مرتفعة والتي تساهم في الابتكار وتحسين الإنتاجية، وتحافظُ على البيئة. وفي مذكرته دعا الحزب أيضا إلى مراجعة أحكام القانون المالي الحالي المتعلقة بإلغاء التحفيزات الممنوحة للمصدرين وللمناطق الحرة للتصدير، في إطار مراعاة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وبلورة إجراءات، يمتد العمل بها لمدة سنة واحدة، من أجل تأطير البطالة الجزئية بالنسبة للمقاولات في وضعية صعبة، مع تقاسم التكاليف مناصفة بين الدولة والمشغل بسقف شهري يعادل الحد الأدنى للأجر، مع التزام المقاولة بإعادة تشغيل فاقدي الشغل المعنيين. ومن النقط الأساسية في هذا الباب أيضا تقوية المقتضيات القانونية المتعلقة بأفضلية المقاولة الوطنية الصغرى والمتوسطة في الولوج إلى الطلبيات العمومية، بنسبة لا تقل عن 20%، ثم مراقبة وتفادي توزيع الربيحات (les dividendes) بالنسبة للمقاولات برسم سنتي 2020 و2021. الاعتماد على الإنتاج الوطني أكد حزب التقدم والاشتراكية، في هذه الوثيقة الهامة، على ضرورة حماية المنتوج الوطني، لا سيما عبر استعمال الأداة الجمركية لحماية المقاولة الوطنية من المنافسة غير المتكافئة، داعيا إلى تحفيز وتشجيع الطلب الداخلي. واقترح الحزب تخفيض نسبة 50% من حقوق التسجيل على المعاملات العقارية خلال فترة انتقالية تمتد إلى نهاية سنة 2020، وتشجيع إعادة انطلاق سوق الإنعاش العقاري وقطاع البناء من خلال السماح للمنعشين العقاريين باللجوء إلى طرح قروضهم في السوق المالي (التسنيد/ titrisation)، مع تأجيل سداد الديون لمدة تتراوح بين 6 و12 شهرا، واتخاذ، في إطار التشاور مع مهنيي القطاع، الإجراءات الضرورية لدعم العرض وتشجيع الطلب. وأوصى أيضا بتأجيل تسديد قروض المؤسسات السياحية الوطنية، وبلورة مخطط وطني للنهوض بقطاع السياحة بشراكة مع المهنيين، مع التعجيل بمواكبة شركة الخطوط الملكية المغربية والمكتب الوطني للسياحة لدعم خطة إنقاذ القطاع بالتركيز على الطلب المحلي، ثم حماية الصناعة التقليدية الوطنية من المنافسة الأجنبية.. والعمل على تنشيط الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، من خلال وضع خطة مدتها ثلاث سنوات لجعل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني ذات قيمة مضافة اقتصادية واجتماعية عالية. واقترح أيضا دعم تكاليف نقل البضائع في حدود 30% بالنسبة إلى المقاولات التعاونية والاقتصاد الاجتماعي، ومحاربة تهريب السلع من الخارج، وإطلاق حملة وطنية واسعة لتشجيع استهلاك المنتوجات المغربية. تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالي التصنيع والفلاحة من بين مقترحات الحزب اعتماد تطوير صناعي وطني متوازن، إدماجي وتنافسي يقوم على مسالك (Filières) مندمجة ومرتبطة بمنظوماتٍ اقتصادية متخصصة، ويتأسس على دعم قوي للصناعات المعدنية والميكانيكية والإلكترو – ميكانيكية، في إطار سياسة "ننتج مغربي ونستهلك مغربي"، وهو ما سيمكن من خلق مئات الآلاف من مناصب الشغل والحفاظ على الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة، وتحيين وتفعيل عقد البرنامج ذي الصلة المبرم بين وزارة الصناعة ومهنيي القطاع سنة 2016. ودعا الحزب أيضا إلى تأمين الأمن الطاقي والأمن الصحي، عبر شراكات بين الاستثمار العمومي والخاص في مجال تكرير النفط وتخزينه، وفي مجال توزيعه، وإنتاج الأدوية الجنيسة، ثم توجيه الفلاحة نحو تحقيق الأمن الغذائي، لا سيما بالنسبة للحبوب والزيوت والسكر، وإحداث محطات لوجيستيكية جهوية لتخزين وتوزيع المنتوجات الفلاحية والبحرية. وأوصى الحزب بتوجيه مخطط الجيل الأخضر (génération green) نحو إنعاش الفلاحة الصغرى، بناء على إعادة تقييم مخطط المغرب الأخضر، وتحفيز تحويل المواد الفلاحية عبر إنشاء وحدات صناعية في المجال القروي، ثم الاستثمار في المهن الجديدة وفي توفير المهارات البشرية والتكنولوجية وترسيخ ثقافة صناعية ملائمة تتأسس على تحويلِ المواد الأولية. البعد الإيكولوجي والحفاظ على الثروات الطبيعية أكدت وثيقة الحزب على ضرورة التحكم في الموارد الطبيعية الوطنية وبسط السيادة عليها (الماء، المعادن، الموارد البحرية، الموارد الغابوية، الملك العمومي العقاري والمائي والبحري)، مع حماية التنوع البيولوجي، وإعطاء دفعة أقوى للانتقال الطاقي. ودعت أيضا إلى وضع نظام وصندوق لتمويل اعتماد المقاولات على الطاقات المتجددة، وتسريع إنجاز السدود المبرمجة على صعيد كافة التراب الوطني، ثم فتح أبواب الاستثمار لتوفير موارد مائية إضافية غير تقليدية، وخاصة تحلية مياه البحر بالمدن والمناطق الساحلية المهددة بالخصاص المائي. واقترح الحزب في هذا الباب أيضا إعمال مخطط صارم للحفاظ على المخزون الوطني من المياه وعقلنة استعمالها، وحماية المورد المائي من الاستنزاف والتلوث، ثم الاستثمار في الاقتصاد التدويري وإعادة استعمال الموارد، وتثمين الثروة البحرية وإرساء معالم اقتصاد أزرق، وتعميم خدمة التطهير السائل ومعالجة النفايات، ثم اعتماد المقاربات والحلول البيئية المستدامة في التخطيط الحضري. تموقع اقتصادي جديد أوصى حزب التقدم الاشتراكية، ضمن مقرحاته، بمراجعة اتفاقيات التبادل الحر المضرة باقتصادنا الوطني، ومقاربة التعاون الدولي على أساس مبدأ "التبادل المتكافئ"، وتعزيز حضور المغرب في القارة الإفريقية، موجها نحو تموقع المغرب كمنصة جهوية في مجال تخزين المعلومات والمصالح الرقمية (services cloud)، من خلال الاستثمار في حوضٍ تكنولوجي مرتبط بشبكة الألياف البصرية الرابطة بين أوروبا وإفريقيا، في إحدى الجهات ذات الخصاص في البنيات التحتية (قرب المحطة الطاقية بورزازات مثلا). وأشار الحزب إلى العمل على انبثاق 50 تطبيقا للمقاولات المغربية التكنولوجية الناشئة، مؤهلة للنشاط على الصعيد الإفريقي والأوروبي والعالم العربي، لنشر الصناعة التكنولوجية المغربية. ودعا أيضا إلى العمل على بروز مقاولات رائدة في مجال التجارة الإلكترونية، وذلك بوضع المنصات اللوجستيكية الضرورية رهن إشارتها، بشراكة مع الوكالة المغربية للوجستيك، وإنعاش استعمال العملة الإلكترونية للرفع من نسبة الانخراط في النظام البنكي وضمان مسالك التداول المالي (traçabilité)، مع تشجيع استعمال الأداء عن بعد بالنسبة لتجارة القرب، ثم تشجيع دخول شركات دولية كبرى في مجال التجارة الإلكترونية. الحكامة الاقتصادية أوصى حزب التقدم والاشتراكية بإعطاء انطلاقة جديدة وقوية لمحاربة الريع والفساد والاحتكار والمنافسة غير المشروعة، وإرساء نظام شفاف للمنافسة الحقيقية في مجال استيراد وتسويق المنتجات الطاقية، إلى جانب إجراء تقييم لعمل مؤسسات الحكامة الاقتصادية والمالية بأفق تحقيق نجاعة أكبر في أدائها. كما دعا إلى إعادة النظر في منظومة الصفقات العمومية، في اتجاه تعميم العمل بها وتعزيز رقمنتها وشفافيتها، وإلغاء آليات اقتصاد الريع، وحصر التحفيزات على قطاعات الإنتاج الموجهة للسوق الداخلية وتنويع الصادرات وتقوية تنافسية المنتوج المغربي والقطاعات الصناعية الجنينية (الاقتصاد التدويري، الصناعات الإبداعية…). وأكد على عقلنة نظام الاستثناءات في اتجاه الحد منه وإخضاعه إلى معايير جديدة لفائدة المقاولة الصغرى والمقاولين الشباب، وإعادة النظر في عقود ورخص الامتياز والاستغلال المتعلقة بأملاك الدولة، في اتجاه ضمان المردودية الإنتاجية والمالية. ودعا إلى تيسير الولوج الأول للمقاولة الوطنية الصغرى والمتوسطة للطلبيات العمومية، ثم اعتماد أساليب علمية في اتخاذ القرار العمومي الاقتصادي على أساس تعزيز القدرة البشرية واستثمار ما يتيحه الذكاء الاصطناعي من إمكانيات. عبد السلام الصديقي: كل المقترحات المتعلقة بالجانب الاقتصادي تصب في خانة تحسين مستوى عيش المواطن قال عبد السلام الصديقي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، والخبير الاقتصادي، إن الحزب في مقترحاته المتعلقة بإنعاش الاقتصاد يستند على منطلقات فكرية تعود إلى مرجعيته الإيديولوجية والسياسية القائمة على مبادئ أساسية، تتمثل في ترابط الإشكاليات والمستويات، «بمعنى آخر هناك ترابط بينما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي، ونعتبر أن أية مقاربة اقتصادية هي أساسا مقاربة سياسية واجتماعية في نفس الوقت». خدمة الإنسان وتابع الصديقي، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الغاية من الاقتصاد هي خدمة الإنسان وإشباع حاجياته الأساسية، معتبرا أن هذا ما أكدته أزمة كورونا، وهو «ما كنا نؤكد عليه في الماضي من خلال مؤتمراتنا وأطروحاتنا الاقتصادية والسياسية في نفس الوقت، التي تبنتها المؤتمرات السابقة وأكدنا عليها أيضا في المذكرة التي تقدمنا بها إلى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، وهي التي اتبعناها بخصوص إعداد مقترحاتنا المعنونة نحو تعاقد سياسي جديد والتي وجهناها إلى رئيس الحكومة». وأشار الصديقي، إلى أن كل المقترحات المتعلقة بالجانب الاقتصادي تصب في خانة تحسين مستوى عيش المواطن، ومن تم تقوم المقترحات على إعطاء دور ريادي واستراتيجي للدولة، «يعني دور مركزي للدولة»، موضحا أن هذا الاحتياط لا ينبثق من منطلق إيديولوجي محض، بل ينبثق من ضرورة وحاجة مجتمعية يفرضها مستوى تطور المغرب في الظروف الراهنة، «بمعنى أدق أنه لحد الساعة ليست عندنا بورجوازية قائمة الذات بالمفهوم المتعارف عليه في المجتمعات المتطورة، يعني بورجوازية مبادرة تتوفر فيها روح المجازفة والخلق بدل الفكر المبني على المضاربة والربح السريع». دور الدولة وأضاف الصديقي «لذلك أعطينا دورا أساسي للدولة، وهو دور تنموي توجيهي، أي مبني على التخطيط والمدى المتوسط والبعيد، ودور بيداغوجي في نفس الوقت، ودور اجتماعي بالطبع.. الدولة التي نتصورها، هي دولة قوية ديمقراطيا، دولة مركزية من جهة وترابية من جهة أخرى، يعني أن لها مقابلا في الجهات المختلفة، أو ما نسميها بالدولة الترابية، لأنه لا يمكن مقاربة المواضيع فقط بصفة مركزية بل ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجهوية والديناميات الترابية التي يسهم فيها مختلف الفاعلين، وحينما نقول الدولة إنما ندمج ضمنه كذلك الجماعات الترابية». وشدد الصديقي على أن هناك قطاعات إنتاجية استراتيجية لابد للدولة أن تكون حاضرة فيها بصفة أو بأخرى، إما لوحدها أو في إطار الشراكات بين القطاع الخاص. وأوضح الصديقي أن هذه القطاعات الإستراتيجية لا يمكن النظر إليها بصفة ثابتة، لأنها تتطور بتطور المجتمع، بمعنى أخر، حسب الصديقي، أن ما يبدو اليوم استراتيجيا قد لا يعود في المستقبل استراتيجيا، مبرزا «ربما في وقت معين كنا نعتبر تسيير الفنادق استراتيجيا، الآن الاستراتيجي هو الاقتصاد الرقمي والانخراط في القطاعات الواعدة المبنية على التكنولوجية الحديثة، لذلك بقدر ما نلح على الاهتمام بالقضايا الاجتماعية بقدر ما نستشرف المستقبل؛ واقترحنا أن تقوم الدولة بإنشاء قطب تكنولوجي قوي يعتمد على أحدث التقنيات والتكنولوجيات في جهة درعة تافيلالت لسبب بسيط وهو أن هذه الجهة تتوفر على أكبر مركب للطاقات المتجددة». بورجوازية مواطنة وأكد الصديقي على أنه سيكون من المفيد تعزيز هذا المركب بخلق منصة تكنولوجية تلعب صلة الوصل بين القارة الإفريقية والقارة الأوروبية في هذا الإطار، مضيفا «لا ننكر دور القطاع الخاص ولكن القطاع الخاص يكتفي فقط بإنتاج ما يوفر له الأرباح، بإنتاج حسب الخطة المعلنة والمتفق عليها وحسب الأولويات القطاعية التي تحددها الدولة بصفة ديمقراطية وبصفة تشاركية وبالتالي نحن مع بورجوازية مواطنة مسؤولة اجتماعيا وإيكولوجيا، اجتماعيا بمعنى أن تحترم كل القوانين والحقوق الأساسية للعمال ومسؤولة إيكولوجيا أي أنها تأخذ بعين الاعتبار الوضع الإيكولوجي». وأشار الصديقي إلى أن هناك اقتراحا قويا «هو أننا الآن بصدد ظاهرة عالمية حيث أن جميع البلدان تسعى إلى أن تحقيق استقلالها أو سيادتها الاقتصادية، ونحن بدورنا نقترح أن تعمل الدولة في هذا الاتجاه أي أن نتبع الإنتاج الوطني والاستهلاك الوطني للحد من التبعية نحو الخارج ومن التبعية لسلاسل الإنتاج الدولية، مثلا لا يمكن أن نقبل أن بلادنا ستبقى تابعة فيما يخص الأدوية والمواد الغذائية الأساسية وغيرها، ولهذا الغرض نقترح إقامة تنمية اجتماعية حقيقية». واعتبر الصديقي أن السياق المتوخى هو تحقيق الترابط بين القطاعات الفلاحية والصناعية، أي العمل على تثمين المواد الأولية بما فيها المواد الفلاحية والعمل كذلك على الاعتماد على المهارات والكفاءات المغربية، «ومن هنا الاقتراح الأساسي هو الرفع من الميزانية المخصصة للبحث العلمي، ما يسمى بالبحث المتجه نحو التنمية إلى غاية 1.5 في المائة من الإنتاج الداخلي الخام، والذي لازال فقط 7.5 في المائة». القطع مع سياسة الريع وأكد الصديقي أيضا على أنه إذا أردنا صناعة متطورة وفلاحة متجهة أساسا نحو إرضاء وإشباع حاجيات أساسية وتوفير أمن غذائي، فإن ذلك يقتضي أن نبني اقتصادا قويا يقطع نهائيا مع سياسة الريع والثقافة الريعية ومع الامتيازات المتعددة التي يستحوذ عليها بعض الأفراد دون أدنى مقابل. وهذا، يؤكد الصديقي، هو صلب اقتراحات حزب التقدم والاشتراكية بخصوص الجانب الاقتصادي، مشددا على أن كل ما هو اقتصادي هو في نفس الوقت اجتماعي وهناك ترابط كل ما يتعلق بالحكامات والتعبئة الوطنية، بإشراك وتقويم هيئات الحكامة وهيئات الرقابة إلى غير ذلك.. وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهذه قضايا كلها مرتبطة، فالجانب الاقتصادي متكامل مع الاجتماعي والسياسي والثقافي. *** عبد الواحد سهيل: لا بد أن يكون للدولة دور متعاظم في التوجه العام للاقتصاد والتسيير والاستثمار من جهته، ذكر عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، والخبير المالي، بأن "هناك تقليدا لحزب التقدم والاشتراكية، حتى عندما كنا في إطار الحظر، كنا في كثير من الأحيان نتوجه إلى السلطات العمومية باقتراحات، عندما تدعو الضرورة إلى ذلك، بما فيه ما يتعلق بالمجال الاقتصادي، وهذا التقليد لا زال مستمرا، دعته الضرورة بطبيعة الحال، لأن هذه المذكرة هي في نفس الوقت تمرين قام به الحزب، ليحاول تحديد مستلزمات المرحلة وما هي الاقتراحات التي يمكن أن يعتمدها البلد للخروج من ضائقة جائحة كورونا، التي يعيشها جل بلدان العالم". ظروف مستعصية وقال سهيل، في تصريح لجريدة بيان اليوم، إن الظروف المستعصية التي تمر منها عدد من البلدان ربما تؤدي إلى كثير من الانكماش الاقتصادي، ومشاكل اجتماعية تتسم بنوع من الحدة والخطورة، "لذا كان ولا بد من تفكير جماعي داخل الحزب، كيف سنواجه الفترة ما بعد الحجر الصحي والحد من تأثير كورونا". وأشار سهيل أيضا إلى أن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، كان قد طلب من الأحزاب تقديم اقتراحاتها، مبرزا أن سياق الوثيقة، هو اقتراحات في صلب التوجه السياسي الذي حدده مؤتمر الحزب، واللجنة المركزية في دورتها الأخيرة، باعتبار أن النموذج الاقتصادي فشل باعتراف الجميع، والجائحة عرت عن كثير من سلبيات هذا النموذج. وأضاف سهيل أن الجميع أضحى يعلم أننا جراء عملية الحجر الصحي تبين أن البلاد فيها أكثر من 20 مليون من الفقراء، سواء فقراء نسبيين أو فقراء بصفة مطلقة، وعندنا جزء كبير من المواطنين يعيشون خارج إدماجهم في منظومة اقتصادية تضمن لهم الكرامة والعيش الرغيد. العيش الكريم وأكد سهيل على أن اقتراحات الحزب تسير في هذا الاتجاه، "أولا معالجة النتائج الأولى وهذا كان في المقدمة، ثم اقتراحات في ثلاث مجالات نعتبرها متكاملة، الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي، ونعتبر أنها يجب أن تبنى على توجهين أساسين: الدور المتعاظم للدولة في المسيرة والتسيير على صعيد الاقتصاد والاستثمار والتوجه العام للاقتصاد، وكذلك إدماج منظومة اقتصادية للإدماج لتجعل من المواطنين يعيشون عيشة أكثر كرامة وأقل سوءا وفقرا، هذان هما المحركان الأساسيان لاقتراحاتنا". وتابع سهيل أنه ضمن ذلك يأتي الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة الضامنة للاستقرار، الضامنة للنمو الاقتصادي، الدولة المستثمرة، التي تشتغل على نطاق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة، الدولة التي تعتني بالإنسان فيما يتعلق بالتكوين والتربية وإعداده للعالم الذي نعيش فيه والذي يتغير في مجال التعليم والتكوين المهني، الدولة التي تعتني بصحة المواطنين، والثقافة، الدولة الديمقراطية التي توسع الحريات وتعطي المكانة للمنتخبين والأحزاب السياسية والمجتمع المدني في الإسهام. تعاقد سياسي جديد وشدد سهيل على أن الوثيقة التي تضم 40 صفحة تقريبا، اقتراحاتها تحوم كلها حول هذا الاختيار الذي يعد أساسيا، مؤكدا على أننا في حاجة لتعاقد سياسي جديد، وأضاف "بطبيعة الحال مقترحات الحزب تبقى مقترحات، والحزب ليس وحده في الساحة، ولكن نحن نتقدم بها ونعتبر أنها مهمة، بدون شك أن عددا منها يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار على المدى القصير، وبعضها يدخل في نطاق التحولات التي يجب أن تعرفها بلادنا". في سياق متصل، قال سهيل إن اللجنة التي عينها جلالة الملك كي تشتغل على النموذج الاقتصادي الجديد، "من دون شك أن هذا التمديد الذي تم يراعي الظروف الجديدة لجائحة كورونا، ومن دون شك سيكون لها جولات، ومن دون شك سنستعمل هذه الاقتراحات وربما يتم تكميلها وتجويدها وتدقيقها حتى نستمر في إطار الاستشارة التي في مصلحة بلادنا، في إطار تقديم نموذج اقتصادي وتعاقد سياسي جديدين، يستخلصان العبر من التسيير الذي سارت عليه البلاد منذ الاستقلال لحدود الآن، والذي بينت الجائحة نقط ضعفه الكثيرة، والتي تهدد بلادنا لتصبح معرضة لأخطار اقتصادية واجتماعية، يمكن أن تؤدي بنا إلى التراجع عن المكتسبات التي عرفتها بلادنا، وتعميق الفقر ونوع من الحيف الاجتماعي الذي يطال عددا كثيرا من المواطنين". عبد الصمد ادنيدن ****** *في المحور الاجتماعي المسألة الاجتماعية تتصدر أولويات حزب التقدم والاشتراكية نعيش هذه الأيام مرحلة انتقالية تاريخية بكل معنى الكلمة، تميزها جزئيات وتفاصيل يومية، فرضتها جائحة كورونا، قد لا يتمكن المرء من استيعاب كل أبعادها، وبشكل خاص تداعياتها لما بعد رفع الحجر الصحي بشكل كامل. منذ بداية هذه الجائحة، ظل وعي حزب التقدم والاشتراكية صاحيا، متقدا، ينبه إلى المطبات والنواقص، ويثير النقاش والجدل داخل صفوفه، ووسط المشهد السياسي، معبرا، عبر تقنيات التواصل والندوات واجتماعات القيادة عن بعد، عن حيوية نادرة في الحياة الحزبية المغربية. ولعل اللحظة الفارقة التي يمر منها المغرب تستدعي ذلك. فالأمر لا يتعلق بجائحة تفرز قرارا سياسيا من القرارات التي يمكن اتخاذها في الأوقات العادية، بل بجائحة تنبئ بمتغيرات جذرية، وتفرض بالتالي قرارا تاريخيا يضع المغرب على السكة الصحيحة ما بعد انجلاء الوباء. وقد توج حزب التقدم والاشتراكية خلاصات ندواته ونقاشاته، بتقديم مقترحاته للمرحلة القادمة (أي ما بعد كورونا)، وذلك في وثيقة جاءت في ثلاثين صفحة بعنوان "التعاقد السياسي الجديد"، تتأسس على مضامين نداء اللجنة المركزية للحزب المنعقدة عن بعد بتاريخ 16 مايو 2020، وكذا وثيقة الحزب حول النموذج التنموي البديل، إضافة إلى الاستشارات الواسعة داخل الحزب وخارجه. هذه المقترحات تتأسس على قناعة راسخة لدى حزب التقدم والاشتراكية، تتمثل في وضع الإنسان في قلب العملية التنموية، واضطلاع الدولة بأدوار جديدة على مستوى التوجيه، والضبط، والتدخل المباشر في مجال توفير خدمات اجتماعية أساسية. بمعنى آخر، أولت مذكرة حزب الكتاب مكانا بارزا للعلاقة الوطيدة بين المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية أساسا، لوجود ربط جدلي بين مختلف هذه المستويات، وأي تعثر في إحداها ينعكس سلبا على المستويات الأخرى. على هذا الأساس، يؤكد حزب الكتاب على أن مقترحاته تروم "بناء تعاقد سياسي جديد يشمل، بشكل متلازم، الجوانب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية والسياسية"، مضيفا أنها تتضمن "ما هو آني وقابل للإنجاز فورا، وما يهم المدى المتوسط، وذلك في أفق أجرأة النموذج التنموي الجديد". وقد احتلت المسألة الاجتماعية واسطة العقد في المذكرة، وحملت عنوان "القضاء على الهشاشة والفقر وإعمال العدالة الاجتماعية والنهوض بالثقافة". وهو عنوان يضم خمسة عناوين فرعية تهم العدالة الاجتماعية والمجالية، والاستثمار في المدرسة العمومية والتكوين المهني والبحث العلمي، والارتقاء بالصحة العمومية والمستشفى العمومي والاستثمار في الثقافة والإبداع، والنهوض بأوضاع الشباب. فبخصوص إقرار العدالة الاجتماعية والمجالية، دعت مذكرة حزب التقدم والاشتراكية إلى تعميم الحماية الاجتماعية الشاملة على جميع الفئات والمهن، في أجل لا يتعدى خمس سنوات، وإطلاق عملية تسوية واسعة النطاق للعمال غير المسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بهدف الوصول إلى ستة ملايين منخرط، مع تمتيع المقاولات الصغرى بإجراءات التدرج والدعم والمواكبة، وإقرار دخل أدنى للكرامة، بمثابة الدخل الأدنى الشامل، من خلال توحيد برامج الدعم الاجتماعي وإخراج السجل الاجتماعي الموحد. كما دعت المذكرة إلى إرساء عدالة الولوج إلى وسائل الاتصال الحديثة، وتقوية اللجوء إلى صندوق الولوج الشامل لقطاع الاتصالات من أجل ردم الهوة الرقمية. وإقرار خدمة وطنية مدنية لسنة واحدة وبالأجر العادي، بالنسبة لخريجي الجامعات والمعاهد العليا، لأجل تقوية الخدمة العمومية في المناطق النائية والقروية. بالإضافة إلى الإسراع بإخراج النصوص التنظيمية والتشريعية المرافقة للقانون الإطار 13-97 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها. وبخصوص الاستثمار في المدرسة العمومية والتكوين المهني والبحث العلمي، دعت مذكرة حزب التقدم والاشتراكية إلى تحديد الأجندة الزمنية ورصد الغلاف المالي لتفعيل القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، وإدراج ذلك ضمن مشاريع البرمجة الثلاثية للميزانية العامة، مع جعل الجودة وتكافؤ الفرص في مقدمة أجندة إصلاح التعليم، والرفع من ميزانية التعليم العمومي وترشيد استعمال الوسائل المتاحة، ومراجعة البرامج والمناهج التعليمية في اتجاه تعزيز الحرية والابتكار والعقلانية والانفتاح. ودعت المذكرة إلى إعطاء مكانة متميزة لدراسة الثقافات والفنون والفلسفة والتاريخ والعلوم الاجتماعية والإنسانية، إلى جانب العلوم الحقة والتجريبية، وتفعيل تدريس اللغة الأمازيغة، وحث الفاعلين في مجال الاتصالات على إتاحة الولوج المجاني لمسطحات التعليم عن بعد.. ودعا إلى إعادة الاعتبار لمهنة التدريس وللعنصر البشري من أطر تربوية وإدارية، ماديا ومعنويا وتكوينيا، وإطلاق عملية وطنية كبرى لمحو الأمية، والرفع من ميزانية البحث العلمي لتصل إلى 1.5% من الناتج الداخلي الخام، في أفق سنة 2025، والحد من هجرة الأدمغة، وتشجيع عودة المهاجرين منهم. كما شددت مذكرة حزب التقدم والاشتراكية على ضرورة الرفع من جودة وفعالية التكوين المهني وجعله مستجيبا لمتطلبات عالَم الشغل ولحاجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية، ومؤهلا لمواكبة التطورات التقنية المتسارعة، وتجويد حكامة السياسة العمومية في قطاع التكوين المهني، ومراجعة هيكلة شعبه، بما يتيح توسيع التكوين في مهن المستقبل وخاصة في المجال الرقمي، بالإضافة إلى ضمان الحق في التكوين المهني الجيد والمفضي إلى التشغيل، من خلال تحقيق الاندماج الاجتماعي والترابي، وجعل المقاولة فضاء متميزا للتكوين المهني بنوعيه الأساسي والمستمر. وفي الجانب المتعلق بالارتقاء بالصحة العمومية والمستشفى العمومي، دعت المذكرة إلى تسريع عملية تعميم التغطية الصحية، والرفع من ميزانية الصحة العمومية لتصل إلى 10% من الميزانية العامة في أفق سنة 2022، والرفع من نسبة التأطير الصحي لتصل إلى 4.5 مهني للصحة بالنسبة لكل 1000 نسمة، وإحداث كليات للطب والمهن المرتبطة به في كل الجهات لتحسين التوزيع المجالي لمهنيي الصحة، وتطوير الصحة العلاجية، وتمديد مهام المنظومة الصحية لتشمل الاهتمام بالسياسة الصحية الوقائية. كما دعت المذكرة إلى الوقاية من الأمراض وتقوية مناعة الساكنة، عبر تحسين طرق التغذية وتشجيع ممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية، والعودة إلى نمط حياة قريب من الطبيعة، ومكافحة آفة التدخين وتناول المخدرات، وإصدار قانون خاص بالصحة العمومية والأمن العام الصحي، لتحديد سياسة الدولة في مجال الصحة، والعمل على ملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية، وكذا تنظيم الشبكة الوطنية للصحة العمومية وأجهزة اليقظة الصحية، بالإضافة إلى تحسين حكامة القطاع الصحي، من خلال خلق وكالة وطنية للصحة العمومية، وإقرار العمل بنظام طبيب الأسرة من أجل ضبط مسار العلاج الأسري وتعزيز نظام الرعاية الصحية الأولية، وإلغاء الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للأدوية. وبالنسبة لقضية النهوض بأوضاع الشباب، فدعت المذكرة إلى إقرار منحة مالية مؤقتة للشباب الباحث عن الشغل، وبالخصوص لخريجي الجامعات والمعاهد العليا، على أساس الاندماج في برنامج للتكوين أو إعادة التأهيل، وإرساء نظام لمواكبة الشباب الباحث عن الشغل، من خلال توسيع صلاحيات الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، بالإضافة إلى تطوير البنيات التحتية والخدمات الموجهة خصيصا للشباب وتيسير الولوج إليها، من تجهيزات رياضية وثقافية وترفيهية. كل هذه التوصيات والمقترحات لإيجاد حل للمسألة الاجتماعية في المغرب تبين أن حزب التقدم والاشتراكية يعي تمام الوعي أنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن نتغافل عن كون السؤال الاجتماعي، بمحدداته الاقتصادية، يظل هو السؤال الأعمق والأهم والأشمل، وهو ما تندرج تحته وتتناسل منه جل، إن لم تكن، جميع الأسئلة الأخرى. والواقع أن مضامين المذكرة، في الجانب الاجتماعي لا يمكن أن تكون إلا وليدة فكر حزب التقدم والاشتراكية، لأنها تتماشى والمبادئ الأساسية التي تؤطر وجوده وبرنامجه، طبقا لمرجعيته الإيديولوجية / الفكرية من جهة، وخطة عمله الإستراتيجية من جهة ثانية. فهو يدافع عن طبقات وفئات اجتماعية لها قابلية عضوية لاستيعاب الاشتراكية فكرا وممارسة. وتأتي في مقدمة هذه التكوينات الاجتماعية الطبقة العاملة، بمفهومها الواسع، أي تلك التي تنتج الخيرات وتلك التي تنتج الأفكار، والفئات المحرومة من وسائل الإنتاج، والفلاحين الصغار، والشباب الجانح بطبيعته إلى التغيير، والنساء، وباقي الشرائح المتشبعة بالقيم التي يناضل من أجلها حزب التقدم والاشتراكية الذي كان وسيظل موجودا في صلب الصراعات الطبقية بجانب هذه الشرائح من المجتمع المغربي. إن معالجة الوضعية الاجتماعية، وفق ما جاء في المذكرة، لا تتجزأ عن معركة الارتقاء بالوضع الوطني العام. إنها معركة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بالنسبة لكافة الشعب المغربي، وهي معركة إقرار سياسات عمومية واختيارات سياسية واقتصادية ملائمة للطموح الوطني والشعبي. فحزب التقدم والاشتراكية، الذي يمتد عمره إلى أزيد من 70 سنة، قضاها في النضال إلى جانب ومن أجل المستضعفين، وفي خدمة الوطن والشعب، يبين مرة أخرى، من خلال ما جاء في الشق الاجتماعي لمذكرته، أنه يجعل، دائما، من قضايا المجتمع إحدى أهم مكونات برامجه وتصوراته. وقد برهن عن ذلك من خلال احتلاله لمواقع تدبيرية، ترابيا ووطنيا، حيث كانت له تجارب في جماعات قروية وحضرية سيرها مناضلات ومناضلو الحزب، ومجالس إقليمية وجهوية ساهم الحزب في تسييرها.. وترك بصمته واضحة على مستوى السياسات العمومية الحاضنة للمطالب الاجتماعية، من خلال الوزارات التي تقلدها الحزب منذ حكومة التناوب.. ومنها وزارة الصحة (ورش التغطية الصحية للطلبة الذي شكل منذ عقود مطلبا حيويا للحركة الشبابية والطلابية، والتخفيضات المتتالية في أسعار الأدوية، والتغطية الصحية للأجراء…)؛ ووزارة الثقافة (بناء وتجهيز دور الثقافة في المدن الصغرى والمتوسطة على الخصوص، دمقرطة الدعم العمومي الموجه للإنتاج الثقافي والفني..)؛ ووزارة التشغيل (برامج ومخططات مواكبة الشباب في التأهيل للاندماج في عالم الشغل)؛ ووزارة السكنى وسياسة المدينة، ووزارة المرأة والتضامن، ووزارة الفلاحة، ووزارة التعليم… قد يكون كل ذلك غير كاف، موضوعيا، بالنظر لحجم الحاجيات والخصاص والانتظارات، وبالنظر لموازين القوى السياسية، ولطبيعة الخريطة السياسية، التي لا تسمح في كل الحالات بتنزيل البرنامج الكامل لهذا الحزب العتيد، لكن التقييم الموضوعي يقتضي منا جميعا أن نعتز بما قام به، وأن نؤمن بما سيأتي من نضالات نسائه ورجاله من أجل استيفاء ما لم يستطع بلوغه لأي سبب من الأسباب. وهذا الإيمان بما سيأتي تلخصه عبارات يمكن للقارئ أن يقف عندها من خلال القراءة المتمعنة للمذكرة التي وضعت مقاربة للحالة السياسية للبلاد مؤطرة بضرورة بث نفس ديمقراطي جديد في الحياة السياسية الوطنية، ينبني على إعادة الاعتبار لمكانة الفعل السياسي، وعلى توفير الشروط اللازمة لانطلاقة تنموية وديمقراطية جديدة كفيلة بتجاوز أوجه النقص الحالية، ورفع تحديات المرحلة، ومباشرة جيل جديد من المشاريع الإصلاحية في جميع المجالات، والتفاعل الخلاق مع المطالب والانتظارات المجتمعية المشروعة، لاسيما من خلال بناء اقتصاد قوي وشفاف، وإعمال عدالة اجتماعية ومجالية تكفل الكرامة لجميع المواطنات والمواطنين، وللطبقات المستضعفة والمجالات المهمشة على حد سواء… ****** أسئلة لعبد الرحيم بنصر: اقتراحات حزب التقدم والاشتراكية تروم النهوض بالأوضاع الاجتماعية للفئات العريضة من شعبنا كيف تقرؤون مقترحات مذكرة حزب التقدم والاشتراكية في الشق المتعلق بالجانب الاجتماعي؟ أود في البداية أن أشير إلى أن حزبنا لم يتوقف عن مواكبة الجائحة وتطورها عن طريق الرصد والتحليل والتفكير في الحلول، انطلاقا من تموقعه الاجتماعي لتحضير إسهامه عبر اقتراحات تساعد على التخفيف من التداعيات السلبية للجائحة على وطننا وشعبنا، وخصوصا الفئات الكادحة. لقد ثمنا عاليا ما قامت به الدولة، وعلى رأسها صاحب الجلالة، التي انحازت، وبدون تردد، للحياة أولا، بحيث أقرت حالة الطوارئ الصحية، وأنشأت صندوقا للتضامن مكن من ضمان حد أدنى من الدخل لفائدة كل الأسر المعوزة أو التي أصبح من يعولها بدون دخل. كما ثمنا الحس الوطني الرفيع للشعب المغربي، ومستوى نضج وروح مسؤوليته وانضباطه، والمهام الجسيمة التي تحملتها، وبنجاح، الأطقم الصحية الوطنية، فضلا عما قام به رجال السلطة، والأمن، والتعليم، والنظافة من عمل جبار للتحكم في انتشار الوباء. بالمقابل، أبانت هذه المحنة مستوى الهشاشة والفقر، ونسبهما الجد مرتفعة، واللذين ينخران الجسد المغربي (ما يناهز 18 مليون نسمة). كما أبانت هذه المحنة عن مستوى الشرخ الحاصل بين قاطني الأرياف وبين قاطني الحواضر، والذي من أهم تجلياته عدم قدرة سكان الأرياف على الولوج للخدمات الاجتماعية العمومية، فضلا عن معاناة أبنائهم من الاستفادة من الدروس عن بعد.. كل هذه الظواهر والمؤشرات زكت ما كان ولا يزال يطالب به حزب التقدم والاشتراكية بوضع الإنسان في صلب أي مشروع تنموي كوسيلة وكغاية، وهذا ما تم تأكيده في المذكرة التي صاغها وقدمها يوم 5 يونيو 2020. إن أهم ما نستنتجه من تجربة عقدين من التدبير الاقتصادي الذي حقق معدلا سنويا للنمو يتراوح بين 3 و4 بالمائة، هو أن هذا التدبير لم يستطع أن يدمج غالبية الساكنة في الاقتصاد المهيكل، ولا أن يوفر دخلا قارا وقانونيا لها، وضمن هذه الساكنة خريجو الجامعات والمعاهد العليا. فالتنمية تقاس بالنتائج الاجتماعية في مجالات التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، والمساواة، والحرية، والمشاركة. لذا يرى حزبنا بأن الفوارق الاجتماعية، عندما تتجاوز المحتمل، تصبح عاملا من العوامل المعيقة للتراكم والتنمية. الشيء الذي يحتم ضرورة القيام بتحولات بنيوية عميقة تشمل كافة مناحي الاقتصاد والمجتمع، وتسمح ببروز آليات داخلية متجددة للتراكم والتقدم. من هنا يعتبر حزبنا بأن عملية التقليص بين الفوارق الاجتماعية تتطلب إعادة ترتيب الأولويات، واضطلاع الدولة بأدوار جديدة، كدولة إنمائية اجتماعية مستثمرة في المجالات الإستراتيجية وفي المرافق والخدمات الاجتماعية باعتبار أن الإنفاق فيها إنفاق منتج، فضلا عن قيامها (أي الدولة) بعمليات التخطيط والتوجيه والضبط والمواكبة. فلا تعارض بالنسبة لنا بين النجاعة الاقتصادية ومتطلبات العدالة الاجتماعية والمجالية لكي تمشي التنمية على قدميها، وتزاوج بين التوازنات الماكرو اقتصادية والتوازنات الاجتماعية. إن العائدات الاجتماعية أضحت من المؤشرات الدالة على بنية الثروة المستدامة، وعلى كيفيات توزيعها بين أطراف الإنتاج وبين الفئات الاجتماعية والأجيال والجهات. لذا يرى حزبنا بأنه من مشمولات التنمية الاستثمار في الخدمات الاجتماعية، وفي القدرات والمؤهلات البشرية للقضاء على الهشاشة والفقر، مقترحا رزنامة من الإجراءات أذكر منها: – تعميم الحماية الاجتماعية الشاملة على جميع الفئات والمهن في أجل لا يتعدى خمس سنوات – إطلاق عملية تسوية واسعة النطاق للعمال غير المسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بهدف الوصول إلى ستة ملايين منخرط، لإقرار دخل أدنى للكرامة بمثابة الدخل الأدنى.. – إقرار خدمة وطنية مدنية لسنة واحدة وبالأجر العادي – الرفع من ميزانية التعليم العمومي وترشيد استعمال الوسائل المتاحة – تفعيل مشروع إصلاح التعليم – إعادة الاعتبار لمهنة التدريس وللعنصر البشري – إطلاق عملية كبرى لمحو الأمية – الرفع من جودة وفعالية التكوين المهني وجعله مستجيبا لمتطلبات عالم الشغل – تسريع عملية تعميم التغطية الصحية – الرفع من ميزانية الصحة العمومية لتصل إلى 10 بالمائة من الميزانية في أفق 2022 – الرفع من نسبة التأطير الصحي لتصل إلى 4.5 مهني صحة لكل 1000 نسمة – خلق وكالة وطنية للصحة العمومية – طب الأسرة – إلغاء الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للأدوية هذه بعض الاقتراحات المدونة في مذكرة حزبنا والتي تروم النهوض بالأوضاع الاجتماعية للفئات العريضة من شعبنا. وهي قابلة للتفعيل والأجرأة في إطار التصور الشمولي الذي عرضناه، والذي لا يمكن تجزيئه أو فصل عناصره الأساسية الواحد عن الآخر دون المساس بتكامليتها وارتباطاتها المنتجة للفعالية والجدوى. ألا ترون أن هذه المقترحات الخاصة بالجانب الاجتماعي تغلب عليها العمومية نوعا ما؟ قبل الجواب على هذا السؤال، لابد من التذكير بأن المقاربة المعتمدة من طرف الحزب لا تعزل المستوى الاجتماعي عن المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية. إنها مقاربة شمولية، نسقية، دينامية تتداخل عناصرها وتتفاعل وتتكامل، ولا يستقيم فهمها دون استحضار الخط الناظم لها. فالتنمية بالنسبة لنا لها أساسيات يجب توفيرها لضمان تحقيقها على أرض الواقع. وهذا ما سعينا إلى تفسيره وعرضه عبر ثلاثة محاور: * بلورة مخطط اقتصادي للإقلاع؛ * القضاء على الهشاشة والفقر وإعمال العدالة الاجتماعية والنهوض بالثقافة؛ * تعميق المسار الديمقراطي والبناء المؤسساتي؛ كل هذه المحاور مصحوبة بإجراءات عملية للتنزيل والتفعيل، وبعض هذه الإجراءات مدقق بنسب أو بأرقام. مثلا الرفع من ميزانية البحث العلمي من 0.7 بالمائة إلى 1.5 بالمائة من الميزانية، أو تخصيص 4.5 مهني لكل 1000 نسمة في الصحة. يتبين، خلافا لما ورد في السؤال، أنه كلما توفرت لنا المعطيات والإحصائيات نرفق الاقتراحات بأهداف عملية وقابلة للتقييم. لكن ما هو مهم، وخلافا لما يتداول، هو ما تحمله هذه الاقتراحات من توجهات وخلفيات سياسية واجتماعية التي تجيب عن أسئلة من قبيل: * لمصلحة أي الفئات تتوجه هذه الاقتراحات وبأي معدل؟ * ما أثر هذه الاقتراحات على الأوضاع الاجتماعية للفئات المستهدفة؟ وهذا ما يمكن استنتاجه من اقتراحات الحزب الذي لا يتوقف عن الاجتهاد وتعميق اقتراحاته وتطعيمها بمعطيات دقيقة كلما توفر على ذلك. لحل المشاكل الاجتماعية لابد من موارد مالية. هل أجابت المذكرة في نظركم عن سؤال كيف نوفر هذه الموارد، أو بصيغة أخرى كيف نخلق الثروة؟ كما سبق أن ذكرت، لم تهمل مذكرة الحزب أي جانب مرتبط بالمشروع التنموي دون التطرق إليه وتقديم اقتراحات في شأنه. بالطبع، كل مشروع من هذا القبيل يحتاج بالضرورة إلى موارد مالية. وهذه الموارد لا تسقط من السماء، بل نتيجة نشاط اقتصادي معين، ونتيجة تراكمات ادخارية أو ممتلكات. تأسيسا على ذلك، تطرق الحزب بالتحليل إلى جميع هذه المصادر التمويلية، وقام إما بتأكيد نجاعتها، وإما بالدعوة للرفع منها أو تخفيض بعضها، أو اقتراح مصادر تمويل إضافية، بتضريب قطاعات إنتاجية كانت معفية مثل الممتلكات الفلاحية الكبيرة، أو اقتراح ضريبة على الثروة وعلى الإرث.. فضلا عن مطالبته بحذف بعض الإعفاءات أو الامتيازات المالية التي تنتج الريع دون خلق خيرات والإدماج التدريجي للقطاع غير المهيكل في الاقتصاد المهيكل. لم يقتصر الحزب على هذا، بل اقترح مدة زمنية للخروج عن الصرامة الميزانياتية المعتمدة لحد الساعة، عبر العدول عن إعمال سقف 3 بالمائة كنسبة لا يجب تجاوزها في عجز الميزانية السنوية، فضلا عن اللجوء أيضا إلى الاقتراض الداخلي عبر سندات الخزينة، أو التوجه للمؤسسات المالية الدولية مع الحرص على التحكم في التضخم. * عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية مصطفى السالكي ****** *في المحور الثقافي الشأن الثقافي في صلب خطة التعاقد السياسي الجديد لحزب التقدم والاشتراكية الحسين الشعبي: المسألة الثقافية مستنبتة في كل مفاصل الوثيقة بشكل عرضاني إسهاما منه في مجهود بلورة خطة لمواجهة الانعكاسات السلبية الناجمة عن جائحة كورونا، قدم حزب التقدم والاشتراكية مقترحات تحت عنوان "التعاقد السياسي الجديد". تضمنت هذه الوثيقة الهامة ثلاثة محاور كبرى من بينها المحور المتعلق بالثقافة والإبداع، مع التسليم بأن هناك ربطا جدليا بين المحاور الثلاثة: الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي وبين السياسي، وأنه – كما جاء في الوثيقة – لا يمكن الفصل بينها وأن أي تعثر في أحدها، ينعكس سلبا على المستويات الأخرى. يحتل المحور المتعلق بالاستثمار في الثقافة والإبداع مكانة أساسية وجد هامة ضمن الخطة التي أعدها الحزب، حيث تم وضع اليد على مختلف مكامن الهشاشة التي يعاني منها هذا المجال الحيوي، وتم بالتالي تقديم مجموعة من المقترحات والحلول لتجاوز الأزمة، وهي مقترحات لا شك أنها كانت ثمرة دراسة طويلة ومعمقة لوضعنا الراهن، من طرف خبراء يعتد بخبرتهم وبعلمهم. أشارت وثيقة الحزب إلى ضعف الميزانية المرصودة للمجال الثقافي والبحث العلمي، وبالتالي دعت إلى ضرورة الرفع من هذه الميزانية، إيمانا بأن "الصناعات الثقافية والفنية تعد قطاعا منتجا لفرص الاستثمار والشغل والدخل".. وفي هذا السياق، تمت مطالبة الدولة والمؤسسات العمومية والمقاولات العمومية والجماعات الترابية بتخصيص نسبة معقولة من ميزانية استثمارها لأجل اقتناء الأعمال الثقافية والإبداعية للمبدعين الأحياء. كما دعت الوثيقة إلى"تحديد نسبة مائوية من ميزانية استثمار المؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية ترصد لدعم البحث العلمي والأعمال الثقافية والإبداعية". تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الميزانية التي تخصصها الدولة لقطاع الثقافة، تعد هي الأضعف مقارنة بالميزانيات المرصودة للقطاعات الحكومية الأخرى. لم تغفل الوثيقة التي قدمها حزب التقدم والاشتراكية، التحول الذي عرفته تكنولوجيا التواصل، باعتبار الدور الذي تلعبه في إيصال المنتوج الثقافي والإبداعي، حيث أصبحت هذه التكنولوجيا ذات تأثير قوي وغير مسبوق في حياتنا اليومية، وبالتالي فقد تمت الإشارة ضمن وثيقة الحزب إلى ضرورة إخضاع تكنولوجيا الاتصال لنوع من التنظيم والتقنين حتى تؤدي وظيفتها كما يجب، وبالتالى تم اقتراح وضع مدونة للاستثمار في الصناعات الإبداعية الرقمية ومنصات العرض الفني. وباعتبار الأهمية التي يشكلها التلاقح الثقافي في ما يخص تعزيز سبل الرقي والتقدم، اقترح المخطط "تقوية الانفتاح على الثقافة والقيم الكونية، وتثمين القيم المغربية الإيجابية كالتضامن والتآزر، وتعميم الولوج إلى التكوين الفني والثقافة وفضاءاتها". وانسجاما مع روح الدستور الذي ينص على مراعاة التعددية اللغوية والثقافية، باعتبار مساهمتها في الحفاظ على التماسك الاجتماعي وتعزيزها للغنى الحضاري، أكد المخطط على وجوب "تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، تعليما وإدارة وقضاء وإعلاما، وتشجيع الإبداع الفني والثقافي والعلمي باللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، والاعتناء بالثقافة الحسانية". وأولى المخطط كذلك أهمية لفئة الشباب، باعتبارهم عماد المستقبل، فأكد على ضرورة "تطوير البنيات التحتية والخدمات الموجهة خصيصا لهم وتيسير الولوج إليها، من تجهيزات رياضية وثقافية وترفيهية". لقد كان هذا المخطط واعيا بأنه في غياب مناخ الحرية، لا يمكن تنفيذ المقترحات المقدمة، أخذا بعين الاعتبار أن الحرية هي المحفز الأساسي للإبداع والابتكار، وبالتالي تم التأكيد في هذه الوثيقة على ضرورة "توسيع مجال حريات التفكير والتعبير والإبداع والانتماء الحزبي أو النقابي أو الجمعوي، وتعزيز الحريات الفردية والجماعية وتعزيز حرية الصحافة وتقوية دعم المقاولات الإعلامية، والحرص على أن تشكل تقنيات التواصل الحديثة وسيلة لتعزيز الحريات ولحماية الحياة الخاصة". وفي تعليقه على الجانب الثقافي لهذه المذكرة، قال الحسين الشعبي، المنسق الوطني لقطاع الثقافة والاتصال والفنون التابع للجنة المركزية لحزب الكتاب، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، إن المحتوى الثقافي للمذكرة التي قدمها الحزب لرئيس الحكومة، ينطوي على سمتين أساسيتين، أولاهما فكرية وإيديولوجية، ذلك أن الوثيقة تستند إلى مرجعية غنية وخصبة راكمها الحزب منذ عقود فيما يخص التعاطي مع الشأن الثقافي وضمنه المسألة الأمازيغية والتنوع الثقافي والتعدد اللغوي..، وفي هذا الباب ثمة أدبيات أنتجها الحزب سواء في أطروحات مؤتمراته الوطنية وتقارير لجانه المركزية أو تحاليل انبثقت من ندوات ولقاءات دراسية وطنية ومحلية، أو ترافعات منتخبيه في البرلمان والجماعات الترابية ومنظماته الموازية وقطاعاته السوسيو مهنية.. أو اجتهادات مناضلاته ومناضليه من المفكرين والجامعيين والمثقفين والفنانين والنشطاء الجمعويين والنقابيين.. والسمة الثانية، يضيف الحسين الشعبي، تتمثل في كون الوثيقة تكتسي طابعا استشرافيا على المدى القريب والمتوسط، لأنها لم تكتف فقط بالتشخيص والتحليل، بل سعت إلى تقديم مقترحات واقعية وقابلة للتنفيذ، للمرحلة القادمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المرتكزات الأربعة التي تنبني عليها الوثيقة (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي) لا يمكن الفصل بينها، حتى وإن كان يبدو أن العنصر السياسي هو المفتاح، فإن ذلك يزيد من توطيد العلاقة الجدلية بين هذه العناصر المتكاملة التي لا تستقيم من دون توجه رؤيوي شامل… هذا ويؤكد الشعبي أن منظور حزب التقدم والاشتراكية للشأن الثقافي باعتباره روح الأمة، يرتكز أساسا على الهوية المتعددة الروافد للشخصية المغربية بالنظر إلى غناها وثرائها من حيث انتماؤها للتربة العربية الأمازيغية الإفريقية المتوسطية… وأدبيات الحزب زاخرة بالفكر التنظيري في هذا الباب، وترافع الحزب أثناء الإعداد للمراجعة الدستورية التي أفرزت دستور 2011 تؤكد ذلك.. والوثيقة الدستورية باتت قوية بالتنصيص على هذا البعد الهوياتي. من جانب آخر، يضيف المنسق الوطني لقطاع الثقافة بالحزب، يجب أن ننتبه عند قراءتنا لوثيقة الحزب التي تدعو لتعاقد سياسي جديد، إلى أن تناولها للمسألة الثقافية، من الناحية المنهجية، جاء بشكل عرضاني مضمر داخل هيكلة ومفردات الوثيقة، فحينما تتحدث مذكرة الحزب عن ضرورة رسم مخطط اقتصادي للإنعاش، بما في ذلك إرساء أنظمة لتوجيه الإنتاج والاستهلاك، ومراقبة وضبط وتقنين المنافسة والأسعار والجودة، ولحماية الإنتاج الوطني والمستهلِك والمُنتَج على حد سواء، فإن ذلك ينسحب أيضا على الاستثمار في الثقافة والصناعات الثقافية… وكذلك الأمر في دعوة الحزب إلى إصلاح جبائي منصف وإخراج قانون إطار للضريبة، ودعم تمويل المقاولات، والاعتماد على الإنتاج الوطني وتفضيله، وإلى ما ذلك من الإجراءات المقترحة في الباب الاقتصادي للوثيقة.. فإن ذلك كله يعني أيضا ويستهدف المقاولة الثقافية والفنية والإعلامية بما هي بنية إنتاجية تندرج ضمن المقاولات الصغرى جدا والصغيرة والمتوسطة… وقس على ذلك في كل المحاور السياسية والاجتماعية بما في ذلك الفصول المتعلقة بقطاع التعليم والبحث العلمي، وقطاع الشباب، وقطاع السياحة، والمسألة الإيكولوجية، ورؤية الحزب للعدالة الاجتماعية والمجالية، والحريات الفردية والجماعية…. سيلاحظ المطلع على هذه الوثيقة والمحلل الموضوعي أن الثقافة مستنبتة ضمنيا أو صراحة في كل مفاصل الوثيقة، يؤكد الحسين الشعبي.. خلاصة: هكذا، في ختام هذه الورقة، نستنتج أن وثيقة حزب التقدم والاشتراكية قد أكدت على الاستثمار في الثقافة والإبداع، وضرورة مضاعفة المجهود الميزانياتي العام للدولة في المجال الثقافي، مع الاستثمار في الصناعات الثقافية والفنية والإبداعية، باعتبارها قطاعا منتجا يتيح فرص الاستثمار والشغل والدخل، ووضع مدونة للاستثمار في الصناعات الإبداعية الرقمية ومنصات العرض الفني، وتخصيص نسبة معقولة من ميزانية استثمار الدولة والمؤسسات العمومية والمقاولات العمومية والجماعات الترابية لاقتناء الأعمال الثقافية والإبداعية للمبدعين، وتحديد نسبة مئوية من ميزانية استثمار المؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية ترصد لدعم البحث العلمي والأعمال الثقافية والإبداعية، بالإضافة إلى تقوية الانفتاح على الثقافة والقيم الكونية، وتثمين القيم المغربية الإيجابية، وتعميم ودمقرطة الولوج إلى التكوين الفني والثقافة وفضاءاتها، وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وتشجيع الإبداع الفني والثقافي والعلمي باللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، والاعتناء بالثقافة الحسانية. ******* رئيس النقابة المغربية لمهني الفنون الدرامية مسعود بوحسين لبيان اليوم: الثقافة محرك هام للاقتصاد على هامش الوثيقة التي قدمها حزب التقدم والاشتراكية، المتضمنة لمقترحات الخروج من الأزمة التي تتخبط فيها بلادنا على مختلف المستويات، إثر تداعيات وباء كورونا، كان لنا اتصال برئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية مسعود بوحسين، حيث تركزت أسئلتنا إليه على المحور المتعلق بالشأن الثقافي، وتم التطرق إلى الميزانية المخصصة له والدور الذي يلعبه الاستثمار في الصناعة الثقافية ومدى استثمار بلادنا في الإبداع الرقمي والمكانة التي يحتلها التعدد اللغوي في مجالنا الثقافي ودرجة حرية الإبداع عندنا. حاوره : عبد العالي بركات تطرقت وثيقة حزب التقدم والاشتراكية لميزانية الدولة المرصودة لقطاع الثقافة والبحث العلمي، ما هو تقييمكم لهذه الميزانية؟ الميزانية التي تخصصها حاليا الدولة لقطاع الثقافة لا ترقى إلى مستوى التطلعات، إنها ضعيفة جدا، لقد كان دائما ومنذ البداية عند التخطيط لميزانية كل قطاع على حدة، كان نصيب وزارة الثقافة هو الأضعف، نتمنى أن يتم رفع هذه الميزانية إلى نسبة 1 في المائة على الأقل، ينبغي أن يكون هناك تنسيق بين مختلف القطاعات المعنية بشؤون الثقافة: الجماعات الترابية والخواص وباقي المؤسسات، أخذا بعين الاعتبار أن الفعل الثقافي هو ظاهرة عرضانية، يهم عدة متدخلين، وبالتالي من الواجب أن يكون هناك برنامج قوي وأن يتم تقنين هذا الميدان وسد الفراغات القانونية والتنسيق بين كل الفئات المتدخلة. تناولت وثيقة الحزب قضية الاستثمار في الصناعة الثقافية، ما مدى تطور نشاط هذا الاستثمار؟ يظل الاستثمار في الصناعة الثقافية ضعيفا، وهو ما يتطلب تشجيع هذا الاستثمار والتحفيز عليه، لقد كان هذا من بين النقط المهمة التي تضمنتها وثيقة حزب التقدم والاشتراكية، ونحن في النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية كنا قد نادينا بضرورة تشجيع المقاولة الفنية، والتحفيز على الدخول إلى مجال الصناعة الثقافية والإبداعية، باعتبار أن ذلك يعد منتجا على المستوى الاقتصادي، ينبغي التأكيد على أن الثقافة هي محرك هام للاقتصاد، بالنظر إلى أن الثقافة لها علاقة بالاستهلاك، فبدون منتوج فني وثقافي وإبداعي لا يكون هناك استهلاك، الحفلات والعروض الفنية والترفيهية لها دور مهم في تحريك عجلة الاقتصاد، من خلال الرفع من مداخيل الدولة وتوزيع الثروة، إذن من الصعب تصور دورة اقتصادية بدون الاستثمار في الصناعة الثقافية والإبداعية. أثارت الوثيقة كذلك موضوع الاستثمار في الإبداع الرقمي، إلى أي حد يتم استغلال هذا الجانب من الاستثما؟ رب ضارة نافعة، ولعل هذا المثل ينطبق على الوضع الوبائي الذي تعيشه بلادنا حاليا، حيث أن الحاجة إلى الاتصال عن بعد التي فرضها علينا هذا الوباء، جعلتنا ننتبه إلى المجال الرقمي ودوره الحاسم في التواصل، هناك فنون تمر عبره، لقد بات الإبداع الرقمي يفرض نفسه بشكله التلقائي والعشوائي، حيث لم يسبق أن كان هذا المجال موضوع اهتمام السلطة الحكومية المعنية بالثقافة، وكانت هذه مناسبة للتفكير في تطويره ودعم صانعيه. من بين النقط الأساسية التي تطرقت إليها وثيقة الحزب، مسألة التعدد اللغوي والثقافي، ما هو منظوركم الخاص لهذه المسألة الحيوية؟ يعتبر التعدد اللغوي مجال قياس مدى تطور مجتمع ما، لقد أولى بلدنا الاهتمام بالتعبير الثقافي بمختلف لغاته ولهجاته التي قام الدستور بترسيمها، هناك حضور قار لهذه اللغات في وسائلنا السمعية البصرية وفي الفنون الحية بصفة عامة، غير أن هناك مشكلا يظل قائما مع ذلك، وهو غياب عدالة في التعاملات المالية بين هذه المجالات، حيث نجد بعضها يحصل على مداخيل أقل من البعض الآخر، كما أن التعددية اللغوية والثقافية لا تعني فقط دعم بعض التعابير الفنية في محلها الأصلي، بل لا بد من ترويجها في المركز كذلك، ينبغي نقل المنتوج وإيصاله إلى العموم وأن لا يظل محصورا في منطقة محددة. لم تغفل وثيقة الحزب قضية حرية الإبداع، ما هو قياسكم لدرجة حرية الإبداع والتعبير ببلادنا؟ أظن أن هذا الإشكال المرتبط بحرية الإبداع غير مطروح في بلادنا بنفس الحدة التي تشهدها دول أخرى، ولعل ذلك يرجع بالأساس إلى الحرص على الرقابة الذاتية، نجد مثلا في فنون العرض الوعي بالانفتاح على الجمهور، ويتم بالتالي الحد من الجرأة، لأنه قد تنتج عنها ردود فعل غير مرغوب فيها، هذا إذن يشكل ضغطا على ذات المبدع ويحد من حرية الإبداع، مع ذلك ظلت العلاقة مع الجمهور في كثير من الحالات مطبوعة بكيفية منطلقة، حيث لا تسجل هناك محاولات للقمع، فقد مرت أشياء جريئة بدون أن نشهد تدخلا للسلطات، والعرض الفني يبقى رهينا بمدى تقبل الجمهور أو رفضه له.