شرعت عدة قطاعات صناعية وتجارية وخدماتية في العودة إلى العمل، ويتنامى، موازاة مع ذلك أيضا، تطلع شعبنا نحو موعد الخروج من الحجر الصحي واستعادة الإيقاع الطبيعي للحياة. وهذه العودة إلى العمل تفرض، أولا، ضرورة مواكبة ذلك بصرامة الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية وتوفير أدوات وشروط السلامة الصحية في أماكن العمل تفاديا لأي تطورات وبائية سلبية لاحقا، كما تقتضي المرحلة تكثيف التواصل والتوعية وسط المواطنات والمواطنين بخصوص التدابير اللازم الاحتفاظ بها مستقبلا للوقاية من الفيروس، وأيضا تقوية إجراءات السلطات العمومية لتفعيل خروج تدريجي وناجع وآمن من حالة الطوارئ والحجر الصحي. من جهة ثانية، إن شروع عدد من المقاولات والإدارات والمهن في أنشطتها، لا يعني أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ستعود بسرعة إلى إيقاعاتها الطبيعية، ذلك أن ظروف عيش ملايين المغربيات والمغاربة لن تتحسن بسرعة أو بمجرد حلول يوم عاشر يونيو، ولا يجب كذلك إغفال ضياع آلاف مناصب الشغل، وتدهور واقع عشرات الآلاف من العاملين في القطاع غير المهيكل، أو من صغار الفلاحين وسكان البوادي، علاوة على تداعيات الجائحة على قطاعات تضررت أكثر من غيرها، مثل: العقار والبناء، النقل، المقاهي والمطاعم، السياحة، الطيران…، بالإضافة إلى صعوبات متوقعة في التوظيف بالقطاع العام، وكل هذه الأزمات وسواها، لا شك ستطول لشهور قادمة، وستكون لها انعكاسات كثيرة، بما في ذلك على المدى القريب من حيث تدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من شعبنا، ومن حيث صعوبة تأمينها لظروف عيش كريمة. إن هذه التحديات، التي يتفق الكل اليوم على وجودها، تستدعي بداية أن تكثف الحكومة جهدها على مستوى توزيع الدعم المالي على كل الأسر المستحقة وإيصاله الفعلي إليها ومعالجة ما برز من نقائص واختلالات تدبيرية وإجرائية على هذا المستوى. ويقتضي الأمر، في نفس الوقت، إنجاز الدعم الحقيقي والفوري للمقاولات بغاية استعادة نشاطها، ولكي تحافظ، على الأقل، على مناصب الشغل المتوفرة حاليا، وهذا يتطلب استحضار أهمية عامل الوقت، وتسريع إنجاز هذا الورش الأساسي في قطاعات مختلفة في نفس الآن. إن مرحلة ما بعد الجائحة تمثل نفسها تحديا جوهريا لا بد أن تتعبأ كل الجهود في بلادنا لربحه، ومن الشروط الأولى لذلك الوعي بدقة هذه المرحلة وأهميتها، والنظر للمستقبل بحساب الوطن وليس انطلاقا من حسابات انفعالية ذاتية قصيرة الرأي. لكي تنتصر بلادنا على تبعات الوباء وآثاره الاقتصادية والمجتمعية، لا بد أن تشهد نفسا عاما جديدا، وإعادة ترتيب الأولويات والتفكير في المغرب والمغاربة أولا، وهذا يعني صياغة تعاقد سياسي جديد يستفيد مما أحدثه “كوفيد – 19” من رجة عبر العالم، ويكون هو المؤطر لأفق الدولة الوطنية الديمقراطية القوية، والناجعة اقتصاديا، والعادلة اجتماعيا، وأن يقوم أيضا على ميثاق اجتماعي يشترك فيه أرباب العمل والمركزيات النقابية والسلطات العمومية، عمقه وغايته وضع الإنسان في صلب المسلسل التنموي والسعي لتحقيق كرامته. لن يكون أمامنا خيار آخر لصنع الانتصار المطلوب سوى هذا الاستناد إلى الديمقراطية، وإشراك القوى السياسية الجادة ومكونات شعبنا في البناء، وحتى لا تبقى دار لقمان كما كانت قبل زمن الجائحة. سيكون خطأ كارثيا ومن تجليات العمى وفقد النظر اعتبار “كوفيد – 19” فرصة للتخلص من الالتزامات الديمقراطية لبلادنا، أو جر الوطن نحو التراجع والتدني على هذا المستوى، ومن ثم تفرض إذن طبيعة هذه المرحلة وما تطرحه أمام بلادنا من تحديات ومصاعب حالا ومستقبلا استدعاء العقل وبعد النظر، وجعل الأزمة انطلاقة لزمن آخر يقوم على نفس ديمقراطي عام في البلاد، وعلى تقوية مصداقية المؤسسات الديمقراطية ودعامات التعبير العمومي، كما يجب تفادي منغلقات العقليات التقنوية والمحاسباتية أثناء إقرار الميزانيات ودراسة القانون المالي التعديلي، ذلك أن الدرس الأهم من الأزمة، والذي يجب عدم إغفاله، يبقى هو دور الدولة المركزي في القطاعات الاجتماعية الأساسية، وفِي الاستثمار، وفِي النهوض بالدينامية الإنتاجية والاقتصادية، وفِي السهر على تأمين كرامة المواطنات والمواطنين وتحسين ظروف عيشهم ورفع قدرتهم الشرائية وصيانة الحقوق والحريات. وضمن مختلف هذه المعادلات تحضر السياسة والديمقراطية بارزتين، وتجسدان أهم عنوان للمرحلة بكاملها. محتات الرقاص