قررت المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية إرجاء انعقاد الدورة العادية لشهر يونيو لمجالس العمالات والأقاليم ومجالس المقاطعات، وأرجعت ذلك إلى الإجراءات المتخذة من لدن السلطات العمومية لمواجهة “كوفيد – 19″، مضيفة أنه يتعذر انعقاد دورة يونيو في إطار حالة الطوارئ الصحية المعلنة ببلادنا، والتدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي، وبعد أن جرى تمديد سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية. ودعت المجالس المنتخبة إلى إرجاء دراسة القضايا المستعجلة إلى دورات استثنائية يمكن عقدها، عند الاقتضاء، بعد الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية. هذا القرار لم يمر دون أن يثير عددا من الأسئلة لدى المنتخبين والمهتمين بالشأن التمثيلي المحلي، ولدى القوى السياسية والمراقبين، ذلك أن الكثيرين لفتوا إلى أن الدولة شرعت في تخفيف أحكام الحجر الصحي على أرض الواقع، وسمحت لعدد من المقاولات والمهن والإدارات بالعودة التدريجية إلى العمل، ومن ثم تساءلوا عن مبررات عدم إدراج هذه الهيئات المنتخبة ضمن ذلك، ومن ثم سبب تعطيل انعقاد دوراتها. هذه الآراء تمنت لو تركت المجالس المذكورة تعقد دوراتها ضمن التقيد بالإجراءات الوقائية وقواعد التباعد الاجتماعي، أو اللجوء إلى عقد الاجتماع عن بعد، ولم لا التفكير في آليات مستجدة كما فعل البرلمان، كما أن إقدام بعض الجماعات على إدراج التقنيات الرقمية في تدبير بعض مصالحها، ولو أن ذلك لا زال غير عام وفِي مراحله الأولى، كان يمكن الاستفادة منه وشمول الاجتماعات والدورات بمزايا هذه المنظومة التكنولوجية. إن أهمية انعقاد دورات المجالس المنتخبة ليست شكلية أو بلا دلالة، وإنما هي من ناحية الرمزية السياسية تمثل إشارة قوية من بلادنا، في هذه الظرفية الصعبة، حول إصرارها على الاختيار الديمقراطي، واستمرارها في تطوير منظومة الجهوية. وفِي السياق ذاته، فإن تعطيل عمل الجماعات المحلية، بمختلف مستوياتها، يتسبب في مراكمة البرامج والأوراش والقرارات المؤجلة، وهو ما سيجعل العودة لاحقا تنعكس سلبا على الزمن التدبيري والتنموي المحلي والجهوي. وإن عدم انعقاد الدورات يجعل مستحيلا ممارسة أي رقابة من لدن المستشارين المنتخبين على عدد من الرؤساء الذين تنتشر كثير أخبار عن استغلالهم لهذه الظروف للانفراد بالقرارات والصفقات والطلبيات. وبغض النظر عن كل ملاحظة تتعلق بنزاهة بعض المنتخبين ورؤساء المجالس، أو عن استغلال بعضهم لإمكانيات هذه الجماعات في سلوك سياسوي وانتخابوي في مثل هذه الأزمة المجتمعية، فإن مقتضيات القانون بخصوص ربط المسؤولية بالمحاسبة وجدت أصلا لتطبق على هذه الحالات، ومع ذلك هناك منتخبون نزهاء يحضرون يوميا وعلى مدار الساعة إلى جانب الساكنة، وأحيانا يجدون أنفسهم مجردين من كل وسائل العمل والتدخل، إما من لدن سلطات مناطقهم أو من لدن بعض الرؤساء الذين أحسوا أنهم “تحرروا” من أي رقابة على عملهم وسلوكهم من لدن المنتخبين. إن عمل المنتخبين المحليين وتطوير أداء الجماعات والمجالس المحلية والإقليمية والجهوية، وتمتين حضورهم الميداني في الشأن التنموي، دعامة جوهرية لتقوية الديمقراطية في بلادنا، وليس من المصلحة جعل السلطات الإدارية وحدها بارزة في المشهد الأمامي، أو هي الحاضرة حصريا. هناك بالفعل كثير ملاحظات واختلالات يعاني منها العمل الجماعي الانتخابي في بلادنا، وتركيبة المنتخبين لا تخلو قطعا من تجليات الهشاشة والضعف و… الفساد، ولكن يجب، مع ذلك، الانكباب على تخليق المشهد العام بكامله، والتفكير في مداخل لتطوير ديمقراطيتنا التمثيلية وتجويد الحكامة والنجاعة المحليتين والجهويتين، وليس الزيادة في جرها إلى الأدنى أو تعطيل عملها بشكل مباشر. ندرك دقة ظرفيتنا الوطنية الحالية، ونعرف أن أولوية أولوياتنا اليوم هي الخروج من المحنة الصحية وحفظ سلامة بلادنا وشعبنا، ونقدر ما يبذل من جهود واحتياطات على هذا المستوى، ولكن، بنفس الوعي، لا بد من مساندة الجماعات المحلية والجهات وعموم المنتخبين في المناطق، وتمكينهم من العمل، واستثمار أدوارهم الميدانية لمواجهة تحديات المرحلة التي ستعقب الانتصار على الوباء، وقبل ذلك لا بد من الحرص العام على العمل التمثيلي الانتخابي المحلي والجهوي، وأن تستمر بلادنا في العمل على إنجاح اختيارها الديمقراطي. محتات الرقاص