رجل متقدم في السن يبحث عن الأشياء المتخلى عنها لتأمين قوته اليومي شخص يبحث عن المتلاشيات في قمامة للأزبال بائع يتجول بالليمون على متن عربة تجرها دابة يعيش المغرب حاليا فترة الحجر الصحي التي ابتدأت خلال 20 مارس الماضي وستستمر إلى غاية 20 أبريل الجاري، حيث تم الإعلان عن توقيف مجموعة من الأنشطة المهيكلة وغير المهيكلة، بهدف الحد من التجمعات البشرية والقضاء على فيروس كورونا المستجد. وجميع القطاعات امتثلت لقرار الحكومة بشأن تعليق العمل إلى أجل غير مسمى، ويتعلق الأمر بالمقاهي، والمطاعم، والمحلات التجارية لبيع الملابس، والأثاث المنزلية.. إذ لا زالت هناك أنشطة قليلة مستمرة في العمل كمحلات البقالة، ورجال النظافة، والأمن، والعاملين بقطاعي الصحة والفلاحة. وإذا كانت هذه القطاعات تشتغل قانونيا من أجل توفير حاجيات المواطنين الغذائية، أو السهر على تنفيذ قرار الحجر الصحي، أو تنظيف الشوارع، أو تطبيب المصابين بمرض كورونا، فإن فئات أخرى داخل المجتمع، لا زالت تشتغل أيضا، ولم تمتثل للحجر الصحي بفعل الهشاشة التي تقذف بها نحو مربع كورونا بالخارج بحثا عن دريهمات قليلة لتأمين حاجياتها اليومية. خروج اضطراري وخلال جولاتها المتفرقة بشوارع مدينة الدارالبيضاء، وقفت جريدة بيان اليوم عند مجموعة من المواطنين المياومين الذين يشتغلون بشكل غير مهيكل، ولا تسمح لهم ظروفهم الاجتماعية بالتوقف ولو ليوم واحد. وعزا الكثير من المياومين هذا الخروج إلى المصاريف التي تثقل كاهلهم من قبيل تسديد فاتورتي الماء والكهرباء، وأداء واجب الكراء، مرورا بتوفير الغذاء للأسرة، ثم اقتناء الدواء، وتأمين “الروسيطة” لأرباب “لاكريمات” بالنسبة لسائقي سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة. ومن بين النماذج الذين صادفتها الجريدة في أحياء البيضاء، نذكر بائعي الخضر والفواكه الذين يتجولون في الشوارع بعربات مجرورة باليد أو الدواب، ثم الأشخاص الذين يبيعون الجوارب على قارعات الطريق، بالإضافة إلى الباحثين عن المتلاشيات في قمامات الأزبال، وكذلك حراس السيارات والدراجات النارية والهوائية.. هؤلاء العمال المياومون يدفعهم خصاصهم المادي إلى الخروج بشكل يومي إلى الشارع مواجهين فيروس كورونا وجها لوجه، بالرغم من وعيهم بالخطورة التي يشكلها على سلامتهم الصحية، بيد أن الواقع الاجتماعي لا يسمح لهم بالجلوس في المنزل والهروب من وباء كوفيد-19. وفي هذا الصدد، قال بائع الخضر الخمسيني عبد الرزاق إنه لا يمكنه الجلوس في المنزل من أجل الحجر الصحي، نظرا لعدم ادخاره القليل من المال لتوفير حاجياته طيلة هذه الفترة، وهو ما دفعه إلى الاستمرار في بيع مادة البصل متنقلا بين مختلف أزقة العاصمة الاقتصادية للمغرب. وأضاف عبد الرزاق في حديثه مع بيان اليوم بحي بوشنتوف-درب السلطان، أنه لمواجهة الهشاشة الاجتماعية يجب الخروج إلى الشارع من أجل تأمين لقمة الغذاء لأسرته التي تتكون من 5 أفراد، والذي يعتبر المسؤول الوحيد عن جميع مصاريفهم اليومية. من جانبه، أرجع الشاب الثلاثيني محمد استمرار اشتغاله ببيع الفواكه وخروجه للشارع بشكل يومي، إلى المصاريف اليومية لأسرته الصغيرة، مشيرا إلى أنه يتخذ الاحتياطات الضرورية لتجنب إصابته بفيروس كورونا. وأوضح محمد للجريدة في لقاء معه بحي درب الكبير، أن نشاطه الأصلي ليس بيع الفواكه، بل هو نقل السلع والبضائع بدراجته ثلاثية العربات، بيد أن قرار السلطات المغربية بتوقيف محلات بيع الجملة، دفعه إلى تغيير وجهته قسرا نحو بيع الفواكه بالتجول في أحياء الدارالبيضاء، قصد توفير حاجيات صغاره وزوجته في المنزل، مؤكدا بأنه لا يمكنه الركون في المنزل وجعل الديون تتراكم عليه. الدولة والمجتمع ووعيا منها بالوضعية المادية التي سيؤول إليها العمال المياومون، اهتدت الحكومة إلى خطة الدعم لفائدة الأسر العاملة في القطاع غير المهيكل، والتي تضررت من حالة الطوارئ الصحية التي تم الإعلان عنها بالمغرب قصد محاربة تفشي فيروس كورونا بالبلاد. وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الداخلية يوم الاثنين الماضي، عن بدأ استقبال ملفات هذه الأسر التي تستفيد من خدمة “راميد” وتعمل في القطاع غير المهيكل والمتأثرة مباشرة بالحجر الصحي، وذلك من خلال بعث رسالة نصية مجانية تضم رقم بطاقة “راميد” للرقم 1212. ومن المرتقب أن توزع المساعدات المادية المرصودة من تبرعات الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد-19، ابتداء من يوم الاثنين القادم (6 أبريل)، حيث ستستفيد الأسر المكونة من فردين أو أقل من 800 درهم، والأسر المكونة من ثلاث إلى أربع أفراد من 1000 درهم، و1200 درهم بالنسبة للأسر التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أشخاص، هذا بالنسبة للمرحلة الأولى. أما المرحلة الثانية فتهم الأسر التي لا تستفيد من خدمة “راميد” والتي تعمل في القطاع غير المهيكل، والتي توقفت عن العمل بسبب حالة الطوارئ الصحية، وذلك من خلال التصريح بوضعها بمنصة إلكترونية سيعلن عن انطلاقها قريبا. وإذا كانت الدولة المغربية قد قامت بواجبها تجاه الفئات الاجتماعية المتضررة من جائحة كوفيد-19، فإن المجتمع المدني سواء من خلال المؤسسات الاجتماعية أو الأفراد الذاتيين، أبان (المجتمع) عن حسه الإنساني من خلال التضامن مع المتضررين المباشرين من إجراءات الحجر الصحي. وقد تم إطلاق العديد من المبادرات التضامنية التي مكنت الأسر الهشة والفقيرة بالاستفادة من المواد الغذائية الرئيسية، أومن خلال تسديد واجبات كرائها، أو التزام بعض أرباب المقاهي والمطاعم بتسديد أجور عمالهم إلى حين انتهاء مدة الحجر الصحي. ومبادرات اجتماعية كثيرة أعلن عنها على مستوى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا بعد إحداث العديد من المجموعات الافتراضية التي خصصت للدعوة إلى تقديم يد العون للمحتاجين في هذه الظرفية الصعبة التي يمر بها المغرب حاليا. ووجدت النداءات التي أطلقت في العالم الافتراضي، الآذان الصاغية في العالم الواقعي، حيث بادرت العديد من الشرائح الاجتماعية، لاسيما الطبقة المتوسطة والميسورة، إلى مساعدة الأشخاص المحتاجين، وهو ما قدم صورة حضارية عن المغاربة الذين أبانوا عن تضامنهم وإصرارهم في تجاوز هذه المحنة التي تمر بها البلاد. يوسف الخيدر تصوير: أحمد عقيل مكاو