أكد المؤتمر الخامس والعشرون للدول الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة الإطار بشأن التغيرات المناخية (كوب 25)، خلال جلسته الختامية يوم الأحد 15 دجنبر الجاري بمدريد، على «الحاجة الملحة» للتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري. ومع ذلك، فقد انتهت قمة مدريد للمناخ دون أن تتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن النقاط الأساسية التي تجعل من الممكن الاستجابة لحالة الطوارئ المناخية والنداءات الملحة للنشطاء البيئيين، ودون المحافظة على ماء وجه رؤساء وفود 197 دولة وطرف في اتفاقية المناخ شاركوا في القمة، لفشلهم في زيادة التزاماتهم كما كان مأمولا. انتهت القمة بتأكيد «الالتزامات غير الملزمة» للدول الأعضاء في اتفاقية باريس التي أبرمت منذ 4 سنوات، في حين أن المطلوب كان، في أقل تقدير، مضاعفة الالتزامات المعلنة ما لا يقلّ عن ثلاث مرات، لكيلا ترتفع درجة حرارة الأرض أكثر من درجتين. وقد كان متوقعا أن تكون نتائج القمة 25 للمناخ قمة في البرودة حيث كانت قد جاهرت الكثير من الدول بحقيقة موقفها من الاتفاقية وقضية المناخ. إلا أن ديبلوماسية المفاوضين، كما في كل جولة المفاوضات، كانت تنتصر على الإعلان الصريح لحقيقة المواقف والسياسات. تم تمديد فعاليات المؤتمر لوقت إضافي، حيث تم إصدار مسودات نصوص جديدة صباح يوم السبت 14 دجنبر، بعد إجراء المفاوضات ليلا. وكان من المقرر في بادئ الأمر أن تكون الجلسة النهائية بكامل أعضائها يوم الجمعة 13 دجنبر، لكنها تأجلت بعد أن فشل المندوبون في التوصل إلى إجماع بشأن وثيقة نهائية. واتضح عدم قدرة القادة على التوصل إلى اتفاق خلال جلسة عامة عقدت يوم الجمعة 13 دجنبر، حيث اختلفت مطالبهم بدرجة كبيرة. وكان المراقبون قد استبعدوا حدوث أي تحرك قبل صباح يوم السبت عند استئناف العمل على صياغة الوثيقة النهائية للمؤتمر. واعترض مندوبو الدول الغنية والدول العملاقة الصاعدة وأفقر دول العالم على مشروع نص نهائي كشفت عنه تشيلي في محاولة فاشلة لإيجاد أرضية مشتركة. مضاعفة الخلافات بدل الالتزامات وفي أعقاب عام شهد كوارث عنيفة مرتبطة بالمناخ مثل العواصف القاتلة والفيضانات وحرائق الغابات بالإضافة لمسيرات أسبوعية لملايين الشباب من أجل المناخ، كان على المفاوضات في مدريد أن ترسل إشارة واضحة بخصوص رغبة الحكومات في معالجة الأزمة. وتهدف قمة «كوب 25» أيضا لوضع اللمسات الأخيرة على قواعد اتفاق باريس للمناخ المبرم في العام 2015 والذي يدخل حيز التنفيذ العام المقبل. وعوضا عن ذلك، أعرب المندوبون عن استيائهم إزاء ما وصفوه بالخطوات المتخلفة بشأن القضية السياسية الرئيسية ألا وهي إلى أي مدى ترغب كل دولة بالمساعدة في تجنب كارثة التغير المناخي. وكانت القاعات، التي كانت صاخبة خلال المؤتمر على مدى أسبوعين من المفاوضات، كانت هادئة وخالية نسبيا صباح يوم السبت 14 دجنبر. ولم يتفق القادة، الذين تجمعوا في العاصمة الإسبانية مدريد من 196 دولة والاتحاد الأوروبي، على وثيقة نهائية وعلى كيفية تمويل الدول الفقيرة للتخفيف من حدة الضرر الناجم عن تغير المناخ وأيضا على قواعد سوق الكربو. وخلال أشغال المؤتمر، عادت إلى الواجهة الانقسامات القديمة بين الدول الغنية الملوثة لكوكب الأرض والدول النامية بشأن الجهة التي عليها خفض انبعاثات الغازات الدفيئة ومقدار ذلك وكيفية دفع الملايير من الدولارات التي تحتاجها البشرية للتكيف والتأقلم مع التغير المناخي. وفي الوقت نفسه، أدت الخلافات الأحدث بين الدول الفقيرة المعرضة للكوارث المناخية وتلك العملاقة الصاعدة مثل الصين والهند، الدولتين الأولى والرابعة في ترتيب الانبعاثات في العالم، إلى مزيد من عرقلة التقدم. وفي المناقشات العامة التي جرت صباح السبت 14 دجنبر، ظهر خلاف إضافي حول كيفية قيام الدول بالتنويه عن سلسلة من التقييمات العلمية لحالة الأرض. واتهمت الولاياتالمتحدة، التي ستنسحب من اتفاق باريس العام المقبل، بلعب دور المفسد في عدد من القضايا الحيوية بالنسبة للدول المعرضة للكوارث المناخية، بما في ذلك ما يسمى بتمويل «الخسارة والضرر». انتهت القمة بعد تمديدها يومين إضافيين أي بعد حوالي أربعين ساعة إضافية من المفاوضات، في حين أن المطلوب كان، في أقل تقدير، مضاعفة الالتزامات لكيلا ترتفع درجة حرارة الأرض أكثر من درجتين. وكانت دولة البرازيل التي لعبت دورا محوريا في عرقلة المفاوضات خلال قمة المناخ بمدريد رفقة مجموعة من الدول، كانت قد هددت السنة الفارطة خلال قمة المناخ ببولونيا بالانسحاب من اتفاقية باريس العام المقبل، واعتذرت عن عدم استقبال القمة 25 للمناخ (2019) كما كان مقررا. صحيح أن الدول الأطراف استدركت الموقف فورا آنذاك وقررت أن تنعقد القمة المقبلة في تشيلي، إلا أن مؤشر انسحاب البرازيل التي تُعد غاباتها رئة العالم، شكل صفعة لا تقل خطورة على قضية تغير المناخ عن انسحاب الولاياتالمتحدة الأميركية من اتفاق باريس. كذلك أنهت القمة الخامسة والعشرون أعمالها من دون أن تحسم مسألة مساهمات الدول الكبرى في تمويل صندوق المناخ، ما يعني أن التعهد بدفع 100 مليار دولار أميركي كل سنة بحلول عام 2020، مع بدء تطبيق الاتفاقية، لا يزال ضمن المستحيلات، كما مسألة خفض الانبعاثات التي لا تزال تزداد بدل أن تنخفض. وكما كان متوقعا أخذ الاتحاد الأوروبي دور القيادة، كما كان يفعل دائما، فقد كانت واضحة في مدريد لحمة دول الاتحاد و قوة الخطاب والحماسة، بالرغم من انسحاب بريطانيا من الاتحاد، بالإضافة إلى عدم نجاح دولة مثل ألمانيا بالتخلي عن الفحم الحجري أيضا، وإصرار بولونيا على الاعتماد على الفحم الحجري بأكثر من 80% من حاجتها للطاقة الكهربائية. كل ذلك وغيره من العوامل جعلت مجموعة الاتحاد الاوروبي تقود قاطرة المفاوضات الى جانب مجموعة الدول الجزرية للدفع بالقادة الى تقديم اقتراحات جادة خاصة فيما الحياد الكربوني. وإذا كان هناك من يراهن على أن تكون دول الاتحاد الأوروبي الرافعة لتمويل صندوق المناخ بعد انسحاب واشنطن، تراجعت كل هذه الآمال في قمة مدريد. «إنتاج النفط أولا» كان هذا أيضا من المؤشرات السلبية التي سادت القمة، فموقف السعودية هذه السنة لم يكن مستغربا بالنسبة إلى المتابعين للحرب على الطاقة والاقتصاد والأسواق في العالم في الفترة الأخيرة، ولا سيما بعد اتفاق أكبر منتجين للنفط في العالم (الولاياتالمتحدة والسعودية) على زيادة الإنتاج وانخفاض الأسعار، ما يعني زيادة الانبعاثات. وإذا ربطنا كل ذلك مع برامج وسياسات الدول المصنفة ناشئة أخيرا وفي طليعتها الصين، التي تراهن على أسعار نفط رخيصة وعلى زيادة الاستهلاك لزيادة النمو، يعني ذلك أن توقعات محاربة تغير المناخ باتت منعدمة في المرحلة القادمة، خصوصا أن مع معظم التقارير الدولية ذات الصلة تؤكد أن لوقف زيادة درجة حرارة الأرض عن معدل درجتين فقط، علينا أن نبقي 80% من مخزون النفط والغاز تحت الأرض من دون تنقيب في المرحلة المقبلة لم يتغير شيء في الخطابات والمواقف والتناقضات العمودية منذ انطلاق مفاوضات المناخ رسميا عام 1992. الانقسامات الأساسية بين الدول الغنية التي تتحمل المسؤولية التاريخية عن مراكمة الانبعاثات منذ ثورتها الصناعية، والتي لا تزال تتهرب من تمويل عملية الانتقال إلى الطاقات المتجددة والتكيف مع تغير المناخ والتعويض عن الأضرار التي ستنجم عبر الاشتراط على البلدان النامية باتخاذ إجراءات تخفيفية، ومطالب هذه الأخيرة بالتعويضات والتمويل وعدم إلزامها بما لا تستطيع ومنحها المزيد من الفرص في استخدام الوقود الأرخص من أجل الوصول إلى درجات النمو التي وصلت إليها الدول المتقدمة. ولا يزال الجدل يدور حول تصنيف الدول بين متقدمة ونامية وبلدان أقل نمواً التي حدد عددها ب47 دولة، وهي التي ستحصل على المساعدات «الرمزية»، «أولا» وقبل غيرها، وهو ما يعتبر مدخلا للدول المتقدمة حتى لا تدفع كثيرا ولكيلا تظهر في الوقت نفسه أنها تعرقل مفاوضات المناخ وأنها تتهرب من مسؤولياتها. وكان لافتا في نهاية مؤتمر مدريد إصرار دولة مثل تركيا، كما في كل مرة تقريبا، على الاعتراض على تصنيفها دولة متقدمة، وأنها تفضل أن تصنف دولة نامية حتى لا تحرم من المساعدات المتعلقة بتغير المناخ! ضريبة الكربون من القضايا التي لم تناقش بنحو رسمي ومنفصل في هذه الجولة من المفاوضات، والتي فرضت نفسها على محادثات الكواليس، إعادة النظر بما يسمى «ضريبة الكربون»، التي اعتبرت في وقت من الأوقات الأداة الضاربة لمحاربة تغير المناخ. والتجربة بالغة السلبية التي لم تنته فصولها في شوارع فرنسا بعد، في الدولة التي أبرمت فيها اتفاقية باريس منذ ثلاث سنوات والتي توج فيها الرئيس إيمانويل ماكرون بطلا للمناخ… تلقت ضربة كبيرة على فكرة هذه الضريبة الكربونية. لم يبتدع الرئيس الفرنسي «ضريبة الكربون» بالطبع، فقد بدأ الحديث عنها فعليا أثناء صياغة بروتوكول كيوتو عام 1997، تطبيقاً للاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ التي أبرمت عام 1992، والتي كانت ملزمة للبلدان المتقدمة صناعيا. هي ضريبة على انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المنتجة بشكل رئيسي من الوقود الاحفوري، على أن تكون تصاعدية لناحية الوقت والقيمة لحين إيجاد البدائل. المحاولة الأولى لاعتمادها في فرنسا نفسها كانت عام 2000 مع حكومة ليونيل جوسبان ولكنها لم تطبق بحجة أن فرنسا تعتمد كثيرا على الطاقة النووية، وهي الأقل تسببا بالانبعاثات من غيرها من الدول. ثم وضعت حكومة عام 2014 قانونا لاحتسابها في الاستهلاك، وليس في الكهرباء، ثم لتصبح ضريبة على المنتج. ثم تطورت من 7 يورو على الطن عام 2014 إلى 44 يورو عام 2018، وكان مقترحا أن تصل إلى مائة يورو عام 2022. ولا يزال الخلاف على طرق احتساب هذه الضريبة مدار جدل في فرنسا وغيرها، بالإضافة إلى الخلاف على توظيف عائداتها. فهل هي من أجل التحول الطاقوي، أم من أجل تغيير السلوك، أم غير ذلك. بالإضافة إلى مشكلة شموليتها ومن تستهدف، خصوصا إذا كان في كل دولة صناعات أساسية مدعومة. ولطالما تناول الحديث الفرق بين ضريبة الكربون وسوق الكربون ومن يحدده. وكما هو معلوم، فإن سوق الكربون في الاتحاد الأوروبي انخفض سعره ليصل إلى 5 يورو للطن عام 2017، ثم عاد وارتفع إلى 20 يورو للطن نهاية عام 2018. وقد صدرت الكثير من الأصوات المعترضة في فرنسا على هذه الازدواجية في الضريبة بين الدولة (الفرنسية) ومع الاتحاد ودوله أولا، ولكونها غير عادلة ثانيا. مع العلم أن ليس هناك سوى 46 دولة في العالم تحاول أن تطبق ضريبة الكربون بطرق غير متساوية. أما المشكلة التي استجدت في فرنسا والتي كشف عنها أخيراً، أن 46% من عائدات هذه الضريبة ذهبت إلى الإصلاحات في البيئة، و44% منها ذهبت لتمويل الخزينة العامة للدولة، ما ساهم في زيادة دوافع الاعتراض عليها. خلاصة القول إنه يمكن اعتبار قمة مؤتمر الأطراف بمدريد قمة للنسيان، قمة العجز والفشل بكل المقاييس، مؤتمر انتهى بالألم، تاركا وراءه الشعور بأن المجتمع الدولي أصبح غير قادر على مواجهة التحدي، مع دخول الدول المتورطة في تلويث كوكب الارض في مشاحنات لا نهاية لها والمساومة في الاستمرار في تجديد النكسات والاستجابة لتقارير هيئة الخبراء الدولية. لذلك، لجأ البعض إلى طمأنة أنفسهم بأنه خلال المؤتمر القادم، (COP26)، الذي سيعقد في غلاسكو (المملكة المتحدة)، في نونبر 2020، سيتعين على الدول والأطراف في قمة المناخ أن «تتصرف». وقد لجأ جل المفاوضين بالفعل إلى هذه الحجة القائلة «سنحقق نتائج أفضل في المرة القادمة». بالطبع، يجب الحفاظ على الضغط ومكافحة الاحتباس الحراري يجب أن تكون معركة مستمرة. لكن يمكن للمرء أن يطرح أسئلة حول الأسلوب اللازم للمضي قدما. ألا تنتهي هذه الجماهير العظيمة، وهي الجبال التي تلد فأرا، من جهودها الحثيثة للخروج بنتائج عكسية فيما يتعلق بالهدف الذي من المفترض أن تدافع عنه؟ ألا تستطيع هذه الاجتماعات التي تكلف كوكب الأرض بصمة كربونية جد مهمة، فعل شيء آخر غير تثبيط الرأي العام وتشجيع عدم الثقة في جميع المؤتمرات المقبلة؟ لا تزال هناك أسباب للأمل، فالمبادرة الجديدة التي تبناها الاتحاد الاوروبي و المتمثلة في «الصفقة الخضراء» والتي تهدف إلى تحقيق حياد الكربون بحلول عام 2050، من أجل السماح بانتقال إيكولوجي جذري للقارة القديمة، تتطلب منا أن نتطلع إلى المستقبل لننسى قمة المناخ في نسختها ال25 المخيبة للآمال. محمد بنعبو ناشط بيئي رئيس جمعية مغرب أصدقاء البيئة