أكد الملتقى الثالث للمرأة القاضية، المنعقد يوم 18 مارس بالدار البيضاء، على الأقل على حقيقتين قويتين. تتجسد الحقيقة الأولى في إرادة تواقة لإصلاح القضاء بما يكفل استقلاله ونزاهته وعدالته. لقد عكس الملتقى أن الأرضية لتحقيق هذا الهدف متوفرة، وتتمثل في الكفاءات التي يزخر بها سلك القضاء، من قضاة وقاضيات لهم ولهن القدرة على تحويل هذا الحلم إلى واقع. الحقيقة الثانية وتتمثل في المكانة المرموقة التي باتت تحتلها المرأة القاضية في المغرب، بشهادة زملائها وبشهادة ملاحظين داخل وخارج المغرب، وبشهادة الواقع أولا وأخيرا. ليس هناك ما يدعو للاستغراب، لأن القاضية المغربية هي في البدء والنهاية ابنة الشعب، تربت وترعرعت وسط الشعب، لم تنفصل عن انشغالاته وهمومه، مارست حياة طبيعية كطفلة وتلميذة ثم طالبة، في بيت أسرتها وفي الحي والمدرسة والثانوية والجامعة. لقد كشف الملتقى الثالث، وقبله الملتقى الأول والثاني، على طاقات قضائية، وعلى قاضيات يمتلكن القدرة على التنظيم والتواصل والتفاعل مع كل ما يهم إشكالات المرأة المغربية وقضايا الإصلاح بشكل عام. طيلة عقود من الزمن، ومنذ التحاقها بمهنة القضاء، اشتغلت المرأة القاضية في صمت، بعيدا عن الأضواء، وهاهي خلال السنوات الأخيرة تبرز كدعامة أساسية للإصلاح، وكشريك منتج للعدالة ولقيم الحرية والمساواة. إن مسيرة المرأة القاضية، برأي قاضيات ومهتمين، عرفت في البداية صعوبات بفعل واقع المجتمع ومعتقداته إزاء المرأة عموما. هذه النظرة بدأت مع مرور الوقت تتلاشى بفضل عزيمة نساء وما أبانت عنه المرأة من قدرات، واعتبارا للتحولات التي شهدها المجتمع وتأثير المحيط الخارجي. في فبراير عام 1961 ولجت أول قاضية وظيفة القضاء. منذ هذا التاريخ بدأت المرأة تلتحق بسلك القضاء ولو بنسبة ضئيلة، حيث لم يتعد عدد القاضيات ما بين 1961 و1971 عشر قاضيات، وبعد ذلك بدأ المشهد القضائي يزخر بحضور متميز لقاضيات في عدة محاكم، أدى إلى تعيين أول امرأة مستشارة في المجلس الأعلى سنة 1987، وابتداء من 1998 شرع في إسناد بعض المسؤوليات للمرأة القاضية ،إما كرئيسة غرفة أو رئيسة محكمة أو وكيلة الملك، أي بعد مرور أزيد من ثلاثة عقود. خلال الملتقى الثاني للمرأة القاضية، في أبريل 2010 ، كان مصطفى فارس الرئيس السابق للودادية الحسنية للقضاة، قد تساءل هل القاضية المغربية أخذت بقدر ما أعطت؟، وعن هذا السؤال شبهت القاضية أمينة الجراري، في عرض لها حول مسيرة المرأة القاضية، حظ المرأة القاضية في مناصب المسؤولية ب»نسبة زكاة»، في إشارة واضحة للبون الشاسع بين ما تبذله من مجهود وما تحصده من ثمار. إن فكرة ملتقيات المرأة القاضية، التي جاءت في سياق تفعيل دور الودادية الحسنية للقضاة، وتمثل إحدى ثمرات الدينامية الجديدية التي يشهدها القطاع، ساعدت في إبراز طاقات قضائية، وأكدت ما تستحقه المرأة القاضية عن جدارة. خلال ملتقى 18 مارس، من جديد، أجمعت المداخلات، في هذا العيد الثالث للمرأة القاضية، على ضرورة العناية بقاضياتنا وتسهيل ولوجهن لمناصب المسؤولية.نعم، الجميع سجل، أيضا، إرادة عاهل البلاد في الإصلاح، الذي ينبغي أن تتبوأ فيه المرأة القاضية المكانة المشرفة. اليوم، قبل الغد، وبعد هذا وذاك، لم يبق أي مبرر لتأجيل العمل الجديد والجاد من أجل بلورة هذه الأماني والتوجهات إلى حيز التنفيذ.