دينامية الإصلاحات تنعش جسد الكتلة الديمقراطية دفعت المراجعة الدستورية أحزاب الكتلة الديمقراطية إلى إحياء أملها ونفض الغبار عن مبادراتها الريادية في قيادة المطالب الإصلاحية في مغرب الاستقلال. وعكفت منذ الخطاب الملكي الأسبوع الماضي على وضع اللمسات الأخيرة على مذكرة تصوراتها التي سترفعها أمام اللجنة الاستشارية المكلفة بالمراجعة الدستورية. وتصارع مختلف الأحزاب السياسية الزمن من أجل بلورة مقترحاتها حول التعديلات الدستورية التي سترفعها إلى اللجنة المكلفة، بعضها أسند هذه المهمة للجن منبثقة عن أجهزتها القيادية وشرعت في أعمالها بالفعل، والبعض الآخر عين رؤساء للجن في انتظار استكمال تركيبتها، ونوعية المقترحات التي ستقدمها. بينما لا زال البعض الآخر ينتظر اجتماع الأجهزة القيادية لتعيين اللجن المكلفة. فقبيل الخطاب الملكي ليوم 9 مارس الجاري، كانت لجنة مصغرة عن المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية تنكب على صياغة مذكرة للإصلاحات السياسية والدستورية وأخرى مكلفة بصياغة المقترحات المتعلقة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي لطرحها أمام حلفائها في الكتلة الديمقراطية لدراستها واتخاذ المبادرة بشأن تقديمها إلى الملك. إلا أن الواقع الجديد لما بعد خطاب الأربعاء الماضي استدعى إعادة التكيف مع هذا المعطى المستجد. فبينما كانت بعض الأحزاب قد شرعت في بلورة تصوراتها واقتراحاتها حول الإصلاحات السياسية والدستورية، سرع الخطاب الملكي ليوم الأربعاء الماضي من وتيرة عملها، لصياغة مقترحاتها، والتعبئة من أجل فتح نقاش وطني حول الإصلاحات الواردة في الخطاب. وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، إن الحزب يشتغل على واجهتين أساسيتين، بعد الواقع الجديد الذي فتحه الخطاب الملكي الذي يلتقي تماما مع مطالب الحزب، الواجهة الأولى تتعلق بالشروع في إعداد الحوار الوطني لمناقشة المضامين والصياغات الممكنة لما ورد في الخطاب الملكي، والثانية الاستمرار في توضيح الجيل الجديد من الإصلاحات؛ تتضمن، على المستوى السياسي، بلورة سبل من شأنها تجاوز الاختلالات التي يعرفها المشهد السياسي من جهة، وصياغة وثيقة تتضمن الإصلاحات المرتبطة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والحكامة الجيدة ومحاربة الفساد والرشوة لعرضها للنقاش الوطني، من جهة أخرى. وأكد نبيل بنعبد الله أن قيادة الحزب ستتولى مهمة التشاور مع الهيئة المكلفة بالتشاور والمتابعة التي أحدثها جلالة الملك. وفي انتظار الاجتماع المقبل للجنة المركزية للحزب الشهر المقبل، يعمل التقدم والاشتراكية على تنظيم ملتقيات محلية وإقليمية، ستتوج بملتقى وطني للشباب، في إطار ما أسماه الأمين العام «تغيير أساليب العمل والتكيف مع الواقع الجديد، وفتح الأبواب لفئات الشباب للانخراط أكبر في السياسة». وستكون دورة اللجنة المركزية المقبلة فرصة أخرى لمواصلة الدعوة إلى الانخراط الواسع في ما تعرفه البلاد، وابتكار أساليب جديدة ومتجددة في هذا المجال. حزب الاستقلال، أحد مكونات الكتلة الديمقراطية، عين لجنة منبثقة عن اجتماع اللجنة المركزية الأخير، عهد إليها بصياغة تصورات ومقترحات الحزب التي سيرفعها إلى لجنة التشاور والمتابعة التي يرأسها المستشار الملكي محمد معتصم. وأسند حزب الاستقلال رئاسة اللجنة إلى الأمين العام السابق للحزب امحمد بوستة، الرجل الذي شارك في المذكرة التي رفعتها أحزاب الكتلة إلى الملك الراحل الحسن الثاني. وتضم ثلة من خبراء الحزب للإشراف على بلورة مقترحاته. وكون الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المكون الثالث للكتلة، لجنة سياسية تضم في آن واحد أعضاء من المكتب السياسي ومن المجلس الوطني عهد إليها بمهمة تحيين الوثيقة التي رفعها الحزب قبل ثلاث سنوات إلى الملك، لتنسجم مع روح مضامين الخطاب الملكي ليوم 9 مارس. كما ستتولى أيضا مهمة التشاور حول التعديلات الدستورية. وأسند التجمع الوطني للأحرار، خلال اجتماع لجنته المركزية يوم الأحد الماضي، رئاسة اللجنة المكلفة بصياغة تصورات ومقترحات الحزب إلى الوزير الأسبق، محمد أوجار، دون أن يحسم في طبيعة المقترحات التي سيقدمها. اختيار أوجار لهذا المنصب يؤكد رغبة التجمعيين في اللحاق بركب الأحزاب التي تريد أن تترك بصمتها في الدستور المقبل. ولم يتسن للمجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد استكمال أشغاله، بعد الأحداث التي عرفتها الدارالبيضاء، خصوصا وأنها حدثت أمام مقر الحزب. ويتداول بشدة أن يتولى مهمة الحوار مع اللجنة المكلفة بالمراجعة الدستورية باسم الحزب الاشتراكي الموحد الأستاذ الجامعي محمد الساسي، رغم أن الأمر لم يحسم بعد داخل هذا الحزب. وكان جلالة الملك قرر الخميس الماضي، خلال تنصيب أعضاء اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، إحداث آلية سياسية، عهد برئاستها إلى المستشار الملكي محمد معتصم، مهمتها المتابعة والتشاور وتبادل الرأي بشأن مشروع الإصلاح الدستوري، تضم رؤساء الهيآت السياسية والنقابية، حرصا من جلالته على انخراط الأحزاب السياسية في حسن بلورة وتفعيل حكامة دستورية جيدة، لتكون مشاركتها مواكبة للإصلاح من بدايته إلى نهايته. ودعا جلال الملك أعضاء اللجنة الاستشارية إلى اعتماد منهجية الإصغاء والتشاور مع جميع الهيآت والفعاليات المؤهلة، بدون استثناء، والاجتهاد الخلاق، لاقتراح نسق مؤسسي مضبوط، يقوم على التحديد الواضح لسلطات المؤسسات الدستورية، لضمان انخراط الأحزاب السياسية في المشروع وأن لا يقتصر دورها على تقديم تصورات أمام هذه اللجنة، بل أن تكون مشاركتها موصولة في هذا الإصلاح الهيكلي.