كل من تابع التأهل الصعب للمنتخب الجزائري أمام نظيره الإيفواري، لم يخف إعجابه بالأداء القوي الذي قدمه أشبال المدرب جمال بلماضي بنهائيات كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم “مصر 2019”. فمنذ أول مباراة بدور المجموعات وصولا إلى دور الربع، قدم الجزائريون أداء مزج بين الصلابة الدفاعية، والاستحواذ على منطقة الوسط، والسرعة والمهارة في التمريرات نحو الهجوم، وهي صفات لا يمكن أن تجتمع دفعة واحدة، داخل منتخب أعيد بناؤه على أنقاض فريق خارج من نكسات، زجت به وسط دوامة من الشك وغياب الثقة بالنفس. لم يكن الجمهور الجزائري يأمل في تتويج منتخبه باللقب، إلا أن الوضع اختلف مباشرة بعد دخول أصدقاء النجم رياض محرز في صلب الموضوع، وذلك بتقديم مستوى متميز وروح قتالية تثير الكثير من الإعجاب، إذ أصبحت لدى الجزائريين رغبة في معانقة لقب غاب عنهم منذ دورة 1990 على أرهم. الفضل في هذا الظهور اللافت يعود إلى الإطار الجزائري جمال بلماضي، كمدرب مسئول، حيث ظهرت لمساته الفنية والتكتيكية بسرعة فائقة، وتجلى ذلك في الانضباط التكتيكي، وزرع الروح القتالية وسط اللاعبين، والأكثر من ذلك بثه روحا وطنية عالية في اللاعبين، وهنا نحيلكم على، صور اللاعبين والدموع تنهمر من عيونهم لحظة تنفيذ الضربات الترجيحية، خوفا من حدوث إقصاء كان من الممكن أن يعصف بحلم جيل بكامله. تعاطف ملايين المشاهدين مع اللاعب بغداد بونجاح الذي أضاع ضربة جزاء خلال بداية الشوط الثاني، وهي فرصة كان من الممكن أن حسم تأهل “الخضر” مبكرا، إلا أنه فشل، ما جعله يخرج من المباراة ذهنيا، وحتم على المدرب تغييره. فطيلة اللحظات العصيبة التي شهدتها المباراة، ظل هذا اللاعب المسكين يندب حظه العاثر، ويذرف دموع الحسرة، بل يتفاعل مع كل لقطة أو فرصة أو حركة أثناء المباراة، وقد وصل الأمر مداه، خلال لحظات تنفيذ الضربات الترجيحية التي انتهت على خير بتأهل منتخب بلاده لنصف النهاية، حيث المواجهة المرتقبة ضد نيجيريا. هذه الروح العالية والإصرار قادها مدرب وطني يشتغل بالقلب، بعيدا عن حسابات الربح والخسارة والعلاقات الخاصة، آمن بالمجموعة أكثر من الأفراد، وأعلن مسبقا الولاء كل الولاء للقميص الوطني الذي يبقى فوق كل الاعتبارات وفوق الجميع. هذه هي الروح الذي زرعها بلماضي وسط مجموعته، واختار لاعبين متحمسين وطموحين لتنفيذها، لاعبون يرغبون في استغلال الحدث لدخول التاريخ من بابه الواسع، وتشريف كرة القدم الجزائرية. بلماضي سبق له دافع عن ألوان منتخب بلاده، لعب على أعلى مستوى بأندية أوروبية أبرزها نادي مرسيليا الفرنسي ومانشستر سيتي الإنجليزي، تحمل مسؤولية “محاربي الصحراء” في ظرف صعب وفترة وجيزة، حاملا معه تجربة غنية، مشبعا بثقافة الفوز والاستماتة في الدفاع عن منتخب بلاده، خلفا لرابح ماجر المتخلى عنه، بعد ثمانية أشهر فقط من توليه منصبه، بعد سلسلة من النتائج المخيبة للآمال. فمنذ المشاركة بكأسي العالم 2010 بجنوب إفريقيا و2014 بالبرازيل، غاب المنتخب الجزائري عن مونديال روسيا، وتعاقب على تدريبه، خمسة مدربين وهم الفرنسي كريستيان غوركوف (أقل من سنتين) والصربي ميلوفان رايفاتش (3 أشهر) والبلجيكي جورج ليكنز (3 أشهر) خلفا للإسباني لوكاس ألكازار الذي أقيل في الشهر نفسه، وآخرهم أسطورة الكرة الجزائرية رابح ماجر. ما يقدمه بلماضي نموذج للمدرب الوطني الغيور والطموح، والذي لا تهمه الجزئيات والتفاصيل الغارقة في الاستعراض الشخصي، والبحث المكاسب الفردية إلى درجة الابتزاز، واستغلال فادح للفرص حتى، ولو كان ذلك على حساب منتخب تتعلق به الملايين، ولنا في التجربة المغربية العديد من النماذج الصادمة سواء مع مدربين مغاربة أو أجانب.