حين مشاهدة فيلم «النهاية» لهشام العسري، يسترعي الانتباه أن كتابة السيناريو دقيقة، نظرا للبناء الدقيق للشخصيات والتحكم في لعب الدور المنوط بها. كانت الحكاية مرنة ركزت على ثلاثة ابعاد ظاهرية أساسية: قصة حب وقصة السرقة وقصة رجل أمن غارق في تصوره التقليدي لاستتباب الأمن ومحاربة الجريمة. ويمكن دمج المحاور الثلاثة في عنصرين أساسيين هما الحب والتواصل من جهة ثم العنف والعنف المضاد من جهة ثانية. بالنسبة للعنصر الأول هناك علاقة انسانية يسودها تبادل الإحساس النبيل وهي علاقة الحب بين الشاب وغيثة الممارسة لسرقة السيارات ضمن مجموعة من اللصوص، في حين أن العنصر الثاني مبني على مدى الخروج عن القانون ومحاولة تطبيقه و بالطريق التي يراها داوود الشرطي. غيثة تلك الشابة المليئة بالحماس وهي تعيش حياة خاصة مزدوجة بين القانون واللاقانون. بين العاطفة والمغامرة، لم تتمكن من اتخاد القرار السليم. وهنا تكمن حبكة السيناريو، ونحن نعلم بخبرة هشام في الكتابة السيناريستية ضمن أشرطة متعددة ولأفلام متنوعة. إذ يحاول «ميخي» بكل ما أوتي من جهد لاستمالة وتطوير العلاقة لتصبح ناجحة بينهما. لكنها شخصية كما صورها المخرج تعشق المغامرة والمطاردة و الظفر بما ليس لها. هي نشوة الحياة بالنسبة لها عكس ما يمارسه ميخي من عمل هادئ قد لا تكون مداخيله كافية لسبر أغوار الحياة اليومية. يرى هشام العسري أن هذه الحكاية يجب أن تروى بالكاميرا وبتلك الوتيرة السريعة، ما دامت هناك مكابح للسيارات، ومادام هناك من يسرق هذه السيارات ومادامت هناك مطاردة للصوص ومطاردة ميخي للحبيبة من أجل الظفر بها. لكنه اختار كذلك الفضاء الأبيض والأسود، كعالم مبهم وغير واضح، يملؤه الاختفاء والسير بثبات وهدوء لتحقيق الهدف. وكيفما كان هذا الهدف نبيلا، كما هو حال ميخي أو عكس ذلك كما هو حال جماعة اللصوص. ولعل هذين اللونين ليتناسبان مع الأحداث التي تتوالى ليلا. يتبين أن هذه الكتابة السينمائية المعتمدة من طرف المخرج هي اختيار ليس إلا. نعم اختيار صاغه هشام ليؤثثه الممثل اسماعيل قناطر بدربة وحنكة وهو يلعب دور داوود الشرطي، الذي يمارس العنف المتطرف في المدينة بما يعنيه ذلك من ضرب واعتقال ودماء وصوت مرتفع وانتقام بشع... إنه المسدس كذلك، مما جعل المشاهد ينبهر أمام أداء الممثل إسماعيل، وعمق تقمصه لشخصية رجل الأمن. وبالمقابل هناك تأثيث آخر يقوم به كل من ميخي وغيثة ولو في تلك اللحظات القصيرة التي يقضيانها معا. وقد اعتمد المخرج هذه اللقطات لتكسير لغة العنف و العنف المضاد. ولعل ما أضفى غنى على هذه التجربة، أن المخرج هو الذي كتب السيناريو وأخرجه في نفس الوقت. وله في هذا الباب دربة وخبرة لكونه اشتغل مع مخرجين متمرسين نذكر منهم نبيل عيوش... بالإضافة الى اشتغاله مع تقنيين أجانب، بدءا من التصوير الدقيق، بالرغم من صعوباته، من طرف ماكسيم الكسندرايك، مستعينا بالصوت المناسب لأحداث الفيلم المتناقضة والذي اشتغل عليه باتريس مانديز لتحقيق أهداف الفيلم، وبخبرة جوليان فوري الذي قام بتوضيبه. هكذا اجتمع الممثلون: إسماعيل قناطر وصلاح بن صلاح وحنان زهدي ونادية نيازي ومالك اخميس ومراد الزاوي، وضمن الكتابة السيناريستية المتمرسة، لصياغة حبكة الفيلم الذي تحكم في المشاهد وبكل عناية، مما جعله ثابتا على كرسيه إلى حدود الجينيريك ليصفق طويلا لهذه التجربة السينمائية التي تستحق أكثر من نقاش وكتابة نقدية. خاصة وأنها من طرف مخرج مغربي شاب، دخل هذا الورش الإبداعي ليضيف إليه نغمة جديدة من الأبيض والأسود، إلى التيمة المحبوكة والإخراج المتميز. مما ساعده على اقناع لجنة تحكيم المهرجان الوطني للفيلم خلال دورته الأخيرة، والحصول بالتالي على جائزة لجنة التحكيم.