ناقش خبراء مغاربة وأجانب، في بحر الأسبوع الماضي بالرباط، سبل بلورة الإجراءات البديلة لاعتقال الأحداث، معتبرين أن الوسط الطبيعي للحدث يظل دون منازع الأسرة. وأكد المتدخلون، خلال يوم تحسيسي تنظمه مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء حول موضوع “تغيير التدابير لفائدة الأطفال بمؤسسات ومراكز الإيداع”، على ضرورة تغليب التدابير البديلة على اللجوء إلى الحرمان من الحرية، بناء على مصالح الطفل الفضلى وغاية المشرع المغربي من إحداث نظام عدالة الأحداث الهادف إلى إعادة تأهيلهم وإدماجهم اجتماعيا.وأبرزوا أن التشريعات الجنائية تسعى إلى استثمار العقوبة بما ينفع مرتكب الجريمة والمجتمع في آن واحد، مؤكدين على ضرورة توجيه طاقات الحدث وإمكانياته ليصبح نافعا في المجتمع من خلال التتبع والمواكبة.وأكد منسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، عبد الواحد الجمالي الإدريسي في كلمة بالمناسبة، أن موضوع اليوم التحسيسي الذي تسهر مؤسسة على تنظيمه لفائدة الفاعلين في مجال عدالة الأحداث، وتحديدا صناع القرار القضائي ومنفذي هذا القرار بخصوص الأطفال، يتعلق بتغيير التدابير وجعلها آلية لإعادة الإدماج. وأضاف أن المغرب كان من الدول السباقة للتصديق على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي تعتبر دستورا حقيقيا لهذه الفئة، مسجلا أن تغيير التدابير في عالم الأحداث يتعين أن يكفل المصلحة الفضلى للحدث واستيعاب جدوى التدبير المتخذ في حقه. واعتبر أن سجن الطفل الحدث لايمكن أن يتفق والنمو السليم للأطفال مهما علت خدمات مراكز الايواء وتطورت، معتبرا أن أحسن تدبير بالنسبة للطفل الحدث يكمن في الوسط الطبيعي المتمثل في الأسرة، التي تعد الفضاء الأفضل لتحقيق حاجياته اليومية من صحة وتغذية وتوجيه وتربية، بما يكفل ويضمن حسن استقامته واستثماره كثروة وطنية.وأوضح أنه يتعين إعمال التدابير البديلة الموجودة، مشددا على ضرورة الانتصار للتدبير الأفضل المتمثل في إبقاء الطفل الحدث في وسطه الطبيعي، من خلال توجيهه وتتبعه داخل هذا الوسط بدل إيداعه بمراكز الإيداع.من جانبه، اعتبر رئيس القسم السياسي بمندوبية الاتحاد الأوروبي بالمغرب، فيليب هولزابفيل، أن هذا اللقاء يشكل مناسبة للتفكير في بلورة الإجراءات البديلة لاعتقال الأحداث، مضيفا أن هذا الموضوع يكتسي طابعا خاصا في مجال حقوق الطفل.وأضاف ممثل الاتحاد الأوروبي أن تتبع حماية الأطفال يحظى بمكانة مركزية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إذ يعتبر الحق الوحيد ضمن حقوق الإنسان الذي تم التنصيص عليه بشكل صريح في معاهدة الدولية لحقوق الطفل، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي يواكب الإصلاحات التي باشرها المغرب في هذا المجال، والتي تهدف إلى تعزيز حماية الطفولة في المنظومة القضائية ودعم الفاعلين المدنيين من أجل تحقيق تحسن ملموس في وضعية الأطفال وطريقة التكفل بهم.وسجل أن الاتحاد الأوروبي يدعم المملكة من أجل إرساء آلية على المستوى الترابي لحماية الطفولة بتعاون مع وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، وكذا المنظمات غير الحكومية التي تعمل في ميدان حماية الطفولة، مشيرا إلى أن الفاعلين في مجال العدالة يشكلون الحلقة الأساس لهذه الآلية الترابية، التي ستساهم في تطوير الإجراءات البديلة للاعتقال وتحقيق التغيير في هذا المجال، على غرار ما تقوم به مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.أما ممثل منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونسيف)، نيكولا صوفاج، فقد شدد بدوره على ضرورة تنفيذ مقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل “التي تنص على أن الاعتقال والاحتجاز والسجن “يجب أن يكون وفقا للقانون وأن يكون تدبير الملاذ الأخير لأقصر فترة زمنية ممكنة”، وذلك لضمان حماية الطفل وسلامة المواطنين.وفي هذا الصدد، أكد المسؤول الأممي الحاجة إلى تفادي العقوبة السجنية باعتبارها أفضل وسيلة لضمان تحقيق انفتاح الطفل الحدث وتطوره ورعايته على المدى الطويل والتكفل به على المستوى الاجتماعي والنفسي، مشددا على ضرورة تطوير العلاقات الاجتماعية في النزاعات الاجتماعية عوض اللجوء إلى المساطر القضائية وذلك لتمكين الطفل من تفادي الإجراءات القضائية، وكذلك للتخفيف من عمل السلطات وفسح المجال أمامها لتركز على الحالات الأكثر صعوبة وتعقيدا.وتتوخى مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، من خلال هذا اليوم التحسيسي، الذي يشارك فيه خبراء في القانون وعلم الاجتماع وعلم النفس وفاعلون في مجال عدالة الأحداث، وفق مقاربة وقائية، تحسيس مختلف المتدخلين بالآثار النفسية والاجتماعية لإيداع الأطفال خارج أحضان أسرهم، حيث يناقش المشاركون محوري “الآثار النفسية والاجتماعية للإيداع المؤسساتي على الطفل في تماس مع القانون”، و”المصلحة الفضلى للطفل من خلال فلسفة المشرع في تغيير التدابير وتفعيل بدائل الإيداع”.ويندرج هذا النشاط في إطار عمليات التحسيس وتعزيز القدرات والكفاءات التي تقوم بها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، بشراكة مع منظمة اليونيسيف والاتحاد الأوروبي، تنفيذا لاتفاقية التعاون الموقعة بينهما في يناير 2018 في إطار برنامج “حماية”. يشار إلى أن برنامج “حماية” يهدف بشكل عام إلى تحسين ولوج الأطفال إلى العدالة في احترام تام لحقوقهم. كما يسعى، بإشراف من وزارة العدل ودعم من اليونيسيف والاتحاد الأوربي، وبتعاون مع مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، إلى تنفيذ المحاور الرئيسية لميثاق إصلاح منظومة العدالة.