صديقي يعلن دون مواربة أنه أذكى من أن يقع في فخ المراقبة عبر بطاقته الائتمانية، فهو لا يتعامل بها إلا في ما ندر، يحتفظ دائما بمبلغ نقدي في جيبه يفضل دفع مشترياته منه، بينما بطاقته الائتمانية ترقد محاصرة في محفظته الجلدية. إنها وسيلة لمعرفة من نحن وأين نكون وبأي طريق نمضي، من السهولة لأيّ جهة أمنية تتبع مشتريات البطاقة البنكية لتعرف الكثير عن الشخص إن أرادت مراقبته، فهو يجلس في المقهى صباحا ولا يغيرها إلا لمقهى قريب منها، يتسوق من المتجر الكبير في منطقته، وفي المساء يأخذ سيارة أجرة أوبر لينتهي يومه في منزله، كل هذه التحركات لا تحتاج إلى كاميرات مراقبة بقدر تتبع مسار البطاقات الائتمانية للأشخاص! البطاقة البلاستيكية ابتكار ذكي كي يتتبع خطانا وليس لتسهيل حياتنا مع البنوك الموقرة. القوانين تتيح لأيّ جهة أمنية الاطلاع على مدفوعات الأشخاص سواء في المتاجر الصغيرة أو الكبيرة والبنوك، لذلك "صديقي الذكي" من مؤيدي "الرؤية النقدية" وربما هذا من حسن حظ الشحاذين، فجملة الاعتذار المتكررة التي يرددها الإنكليز على سؤال الشحاذين "آسف لا أملك قطعا نقدية" بينما جيوب صديقي تحتم عليه ألّا يكذب على الشحاذين! لذلك فهو كريم معهم، متشدد مع البنوك. الحكومات والمصارف لا تخفي عداءها الصريح للعملات النقدية، لأن التعامل غير النقدي يضفي جوا مفعما بالحيوية على المؤسسة الموقرة، لذلك تتوق إلى مضاعفة معدلات المدفوعات غير النقدية خلال السنين القادمة، الوثائق بالنسبة للبنوك أسهل تعاملا من الأوراق النقدية ولا خوف عليها، فهل تقدر المؤسسات المالية على تغيير عادات الشعوب. صحيفة فايننشيال تايمز عرضت لمسوغات مؤيدي "الرؤية غير النقدية" بقولها إنهم يدركون جيدا أنه حتى مع بعض الحوافز التي يضعونها في الحسبان لمتاجر التجزئة والمطاعم، لن يكون من السهل إحداث تحول ثقافي على مستوى البلدان بعيدا عن النقود. في اليابان مثلا "كبار السن، ليسوا متلهفين على هذا الابتكار، وهذا أمر طبيعي، والظروف التي تزيد من الميل إلى حمل النقود انخفاض جرائم الشوارع، وانخفاض أسعار الفائدة، وانخفاض الحد الأقصى للضريبة". وبطبيعة الحال تسهل معرفة الدول المنكوبة من تلاشي عملتها المعدنية وعدد الأصفار المكررة على عملتها الورقية، عندئذ يمكن لك بسهولة إطلاق صفة غير الموقرة على مؤسستها النقدية الفاسدة. فلا أسوأ من الحياة التي تضطر الناس إلى حمل رزم من النقود من أجل دفع وجبة طعام، أما إذا أضيفت الأصفار إلى العملة فأنها ستسقط حتما من عين الناس، فكلما زادت الأوراق النقدية في جيبك كلما شعرت أنك لا تملك مالا يجعلك مرتاحا. البطاقة الائتمانية تجعلك مرتاحا بلا شك، لكنها عدسة مراقبة مستمرة، عليك الانصياع لها من أجل شيء من الاطمئنان الممزوج بالقلق.