ما يزال الإنتاج المغربي في مجال أدب الأطفال يتسم بمحدودية الانتشار، وهذا راجع إلى كون دور النشر المغربية لا تحفز على الكتابة للفئة المشار إليها؛ بالنظر إلى ما يتطلبه ذلك من تكاليف مادية باهظة، كما أن أدباءنا لا يولون الاهتمام لهذا الأدب، باستثناء فئة قليلة منهم، آمنت بأهمية مخاطبة الأطفال بواسطة نصوص قصصية وشعرية ومسرحية.. لأجل توعيتهم والرقي بمداركهم المعرفية. وبهذا الصدد كان لبيان اليوم حوار مع مجموعة من الأدباء المغاربة الفاعلين في هذا المجال. ونلتقي اليوم مع القاص المغربي الحسن بنمونة الذي حقق خلال السنوات القليلة الأخيرة تراكما لا يستهان به في ما يخص النصوص القصصية الموجهة للأطفال، مع الإشارة إلى أن أغلبها منشور خارج الوطن. ما هي الأسباب التي جعلتك تكرس اهتمامك للكتابة للأطفال؟ اليوم لم تعد هذه الأسباب تشغل بالي، بحكم أن انشغالي التام بهذا الفن الجميل، يجعلني في كثير من الأحيان أنسى أنني كنت كاتب قصص قصيرة، وأنني نشرت أربع مجموعات قصصية في هذا الشأن، ونشرت في جرائد ومجلات عربية من بداية ثمانينيات القرن الماضي. ولكن لا بأس من الإشارة إلى بعض منها، ولنبدأ بالحديث عن المحافل الأدبية في المغرب التي لم تستطع بعد، لسبب من الأسباب، أن تعترف بأن الكتابة القصصية تتطور بالنظر إلى التحولات التي عرفها عالمنا العربي والعالم الخارجي، وأن التقنيات التي تصنع بها هذه القصص اليوم لم تعد تفي بالغرض الحق للقصة، وهو الإمتاع من خلال الأسلوب والفكرة والإدهاش. لم تبرح قصتنا نطاق الواقعية الفجة، وأنا أسميها بالساذجة، لأنها تتحدث عن وقائع تثير الشعور بالشفقة على الكاتب، وعلى رؤيته للعالم. وأنت في هذا العالم الأدبي البئيس لن تستطيع أن تؤسس لكتاباتك موقعا محترما، ولن تستطيع أن تفتخر بكونك تضيف نكهة جديدة للقصة المغربية لم تحدث من قبل، مع العلم أنه يحق لك أن تفتخر بما أنجزت من أعمال نالت إعجاب كبار الكتاب. ولكن هل نعد ما ارتأيناه سبيلا جديدا للكتابة انهزاما؟ كلا. دخلنا مجال أدب الطفل من باب ما راكمناه من تجارب وأساليب في القصة القصيرة، لا من باب التطفل، فاستطعنا أن نحقق شهرة في المشرق العربي. وأنا اليوم فخور بما فعلت، وبما ألاقيه من إشادة وتنويه. وقد نضيف قائلين إن ما حققناه في قصص الأطفال، لم نحققه في قصص الكبار، فحتى نسبة القراءة ارتفعت، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الكتاب الواحد يُطبع بآلاف النسخ، ويعرض في كبريات المكتبات العربية، وفي معارض الكتاب العالمية. هل هناك مواضيع محددة بخصوص الكتابة للأطفال، أم أن جميع المواضيع صالحة لهذا الغرض؟ الكتابة خلقت لتعبر عن المشاعر والقيم؛ عن الأفراح والأحزان والآلام، وعن التناقض والتعايش بين الحياة والموت، وعن القيم التي تصنع رقي المجتمعات. قد نقول إن هذا ينطبق على الأدب الموجه للكبار فقط، ولكن لا بأس من الاعتراف بأن الأدب الموجه للصغار لا يخرج على هذا النطاق. فأنت تستطيع تناول أي موضوع، باستثناء الموضوعات المثيرة للكراهية والعنصرية والطائفية والنزعات القبلية، يصنع تأثيرا في نفسية الطفل، هذا الكائن الحي المقبل على الحياة، الذي يرغب في أن يكون إنسانا يعيش في مجتمع يحترم القانون والقيم، في مجتمع يقدر الذات المبدعة الخلاقة. هل نحمله ما لا يطاق من أفكار؟ كلا. إذ ينبغي للكتابة أن تكون بلا إيديولوجية، أو تمثلات فكرية أو حزبية، تريد منه أن يميل إلى هذا الجانب أو ذاك. لا مجال في هذا الأدب للتلاعب بمصائر الأجيال. ينبغي له أن يقدم خدمات معنوية للطفل، في تحفيزه على التفكير وتربية ملكتي الخيال والكتابة، وإدماجه شيئا فشيئا في عالم الكبار، وهو في الواقع عالم الإنسان بعامة. تعبر عن الأفكار من خلال الحيوانات والأشياء، وكأنك تريد القول إننا نحن بني البشر جزء لا يتجزأ من الطبيعة والكون والوجود، والتعايش يتحقق من خلال التناغم بين الألوان والأجناس. ولكن كيف تستطيع أن تجعل الطفل مصدقا أفكارك؟ الأمر بسيط للغاية: عندما تكتب نصا، يكون شبيها بموسيقى أغنية تأخذ بالألباب كما قال القدامى. تكتب للصغار وللكبار، كيف تعيش هذه التجربة، وما هي الصعوبات التي تواجهها في مخاطبتك لكل فئة على حدة؟ هل ثمة فرق بين الكتابة للكبار، والكتابة للصغار؟ أحيانا لا نستطيع التمييز بينهما، فمونتيسيرو مثلا كتب قصصا أبطالها من الحيوانات، وكذلك فعل ابن المقفع. والحكايات الشعبية والخرافية، مم صنعت؟ ولمن توجه؟ الكبار كانوا صغارا في ما مضى من الزمان، وحتى الكبار لا يزالون يقرؤون ما يُكتب للصغار. ربما يوجد الفرق في طريقة طباعة الكتاب، وفي الموقع الذي يشغله في المكتبات، إذ تعاين كتابة تقول: “كُتُبٌ للأطفال” أو “روايات وقصص” فتفهم أنها موجهة للراشدين، فهل هذا تنميط للكتابة؟ نحن لا ننكر أن هناك حسابات خاصة في ذهن الناشر أو الكتبي، ولكن الكاتب يكون مجبرا لدواع فنية ولغوية وفكرية على أن يحترم قواعد الكتابة للطفل، وقد أشرنا إلى بعض منها سابقا. ما هو تقييمك لما ينشر من كتابات موجهة للأطفال؟ هذا يرتبط بالمبادئ التي تؤمن بها دور النشر، والقيم التي تسعى لنشرها في عالم الطفولة العربية. فإن كان المسعى تجاريا بحتا، فلا شك أن هذا سيؤثر في أحداث القصص وأفكارها وأساليبها؛ وهذه الطينة تركز أساسا على قصص النصح والإرشاد. وقد نرى فيها دورا تخدم أجندات خاصة، ولكن المسعى التجاري يتحكم حتى في هذا النوع من دور النشر. أما إذا كان المسعى هو إحداث تغيير في عقلية الإنسان العربي، فيحق لنا أن نعتبره الغرض الحقيقي للكتابة والنشر، ويحق لنا أن نفتخر بهذه الطينة من دور النشر، مع العلم أنها قليلة في عالمنا العربي. نعيب على دور نشر في عالمنا العربي، كونها لا ترى أن الكتابة مسؤولية فكرية وثقافية، وأن الأدب عامل رئيسي في التغيير ونشر الوعي بأهمية القراءة والكتابة بمعنى الإبداع، ورافد من روافد اللغة العربية. فهل نستطيع كتابة قصة باللغة الفرنسية توجه للطفل، ممتلئة أخطاء؟ كلا. يحدث هذا في قصص عربية كثيرة، بدعوى أن الكتابة هي أن يفهم الطفل المراد سريعا، ولكن لم لا نجعله يتسلى ويفكر ويتعلم في الوقت عينه. أنا أرى الكتابة القصصية من هذه الزاوية، لا من زاوية الحط من قوة مخيال الطفل، أو تبخيس مقدرته على الفهم للتعلم. هناك ندرة للأدباء المغاربة الذين يهتمون بالكتابة للصغار، لأي شيء يرجع ذلك؟ هذا راجع ربما للقناعات الشخصية، فلا بأس أن نمتلك أدباء بعدد حبات الحصى في المغرب، ينتصرون لفن أدب الطفل، ولكن هذا يحتاج إلى رؤية مسؤولة في الكتابة، تكون قوية بأسلوبها ولغتها وفكرها. هل دور النشر تشجع على الكتابة للأطفال؟ في المغرب لا تكاد دور النشر المختصة بأدب الطفل تتجاوز عدد الأصابع. فيبدو أن ناشرينا متخوفون من اقتحامه، بدعوى أن مجتمعنا لم يعتد بعد على حب القراءة. فهل هم محقون في هذا؟. ربما، ولكن هل نمتلك نحن في بلدنا صناعة في النشر، لا تنتهي بانتهاء عملية الطبع، وتسليم النسخ للمكتبات، وانتظار أن تحدث معجزات؟. تعاملت مع دار واحدة منها هي “دار ينبع”، وقد أصدرت لي صاحبة الدار الناشرة والأديبة أمينة العلوي الهاشمي قصة (رنين ترسم الكلام). والكتب الأخرى، وهي تكاد تناهز السبعين، منها ما صدر ومنها ما سيصدر في الأشهر القادمة، أصدرتها دور نشر عربية، من لبنان ومصر والسعودية والأردن وسلطنة عمان والكويت والإمارات. وفي بعض هذه الدول تقف على ما نسميه بصناعة ثقافة نشر الكِتاب، من خلال التوزيع والتعريف به حتى على المستوى العالمي. ما مدى انتشار أدب الطفل المغربي خارج الحدود؟ هذا الأدب ينتشر عبر وسائط مختلفة، فمنها المجلات المهتمة بأدب الطفل كالعربي الصغير وماجد، وقد نشرت في الأولى ما يناهز الاثنتي عشرة قصة، ونشر فيها الكاتب العربي بنجلون وآخرون. وأنا أعتبر العربي بنجلون النموذج الأمثل لتعريف المشارقة بأدبنا، بحكم أنه نال قصب السبق في نشر كتبه في المشرق. والناشرون المشارقة يحترمون أي كاتب يمتلك صنعة في الكتابة، وتفردا في الأسلوب، بغض الطرف عن كونه مشرقيا أو مغربيا. ما موقع كتابات أدبائنا في المقررات الدراسية؟ من يؤلف المقررات الدراسية يتحمل مسؤولية توظيف ما كتبه الأدباء المغاربة في هذا المجال، بخاصة في مقررات المراحل الأولى والابتدائية.