في فترة إقامتي بأنجلترا، نشرت الصحافة ذات يوم نتائج تحقيق مثير: كشف التحقيق عن أن ثلث القساوسة بالكنيسة الأنجليزية لا يؤمنون بالله. ثلث! شيء لا يصدق، أليس كذلك؟ هذا الأمر يبدو مثل نكتة. عندما قرأت عنوان المقال، في مقهى كامبريدج حيث أمارس عاداتي، انفجرت من الضحك، ضحكة دكالية مدوية بالكاد ملطفة، لفتت أنظارا مستغربة أو مستنكرة للزبائن الذين يتقاسمون طقوس الفطور الصباحي. وأنا في حالة ارتباك، دسست أنفي في الصفحات المخشخشة لجريدة دايلي مايل. مع ذلك، بعد قراءة متمعنة للمقال، لم أعد أضحك. فعلا، كل ذلك أدخلني إلى عمق سحيق من التفكير. وهذا هو السبب: الجريدة كانت قد حاورت بعض القساوسة الملحدين، وكانت شهاداتهم – بعيدا عن أن تكون مثيرة للضحك أو غير متناغمة- جد مؤثرة بالفعل. بالجملة، لقد وصلت إلى ما يلي: «لقد فقدت الإيمان -إنها تقلبات الحياة- لكنني أحس دائما بأنني مسؤول عن رهبانيتي. أستمر في أن أكون في خدمتها. من خلال مصاحبة المرضى، مواساة أولئك الذين فقدوا أحدا عزيزا عليهم، إشهار الزواج، دفن الموتى في ظروف لائقة وحافظة للكرامة. وفضلا عن كل هذا، أليس الدين religion بالمعنى الاشتقاقي، هو ما يربط بين الناس؟ المواعظ والعقائد، ليست سوى أكسسوارات. المهم هو العنصر البشري». نعم، لم أعد أضحك، في ذلك المقهى الصغير بكمبريدج. هذه الحكاية فتحت عيني على سعتهما. في ما بعد، كثيرا ما انشغل تفكيري بذلك. اليوم، أكن احتراما أكثر للقس الذي لا يؤمن بالله، لكنه يصاحب رعيته بكل إخلاص، يساندها في اللحظات الصعبة، يأخذ بيدها، أكن له احتراما أكثر من المؤمن الذي لا يستخدم هذا الإيمان سوى لإرهاب المساكين، عن طريق الحساب الأخير وجهنم. ونحن؟ في الإسلام، ليس هناك لا كنيسة ولا قساوسة. لكن لدينا كل الأنواع البشرية (التي لا تساند في بعض الأحيان حتى أنفسها) تنشغل بحياتنا الدينية: الفقهاء، الأئمة، الوعاظ، إلى آخره. التحقيق من قبيل ما قامت به جريدة دايلي في ذلك الإبان بأنجلترا، يعد هنا ولأسباب متعددة غير مفكر فيه (آه، لو أن مجلة كلمة أو نيشان ما زالتا موجودتين..) لا يمكن لنا إذن معرفة ما يوجد داخل رؤوس كل هؤلاء الناس، لا يمكن لنا إعطاء الدليل على صلابة إيمانهم وإخلاصهم. لا يبقى لنا إذن سوى معيار واحد لتحكيم ذلك: في سلوكهم اليومي، في علاقاتهم مع إخوانهم في الدين، هل هي مفعمة بالحب والعطف والرحمة أم أنها من النوع المشؤوم الطافح باللعنات والتهديدات على شاشات التلفزة أو من فوق المنابر؟ الآخرون هم الأكثر جدارة باحترامنا. أما هؤلاء، بعيدا عن التحدث باسم الله، لا يعبرون سوى عن قبحهم الخاص.