يسدل مهرجان تطوان لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، الستار عن دورته الرابعة والعشرين، يوم غد السبت، بعد أسبوع من عروض الأفلام ذات المستوى الجيد، والورشات المفتوحة، في إطار الحرص على نشر الثقافة السينمائية في أوساط الشباب، والتي خصص لها المهرجان جزءا كبيرا من برنامجه العام، على شكل تداريب ودروس سينمائية، لتقريب هذه الفئة من المجتمع من تقنيات اللغة السينمائية ومناهج قراءة الصورة الفيلمية. وأشرف على هذه الفقرات سينمائيون ومختصون مرموقون في مجال السينما، من المغرب ومن بلدان أخرى، حيث استهدفت هذه الأنشطة زرع محبة السينما في نفوس الشباب وتعميق معرفتهم بالفن السابع وتنشيط مخيلتهم وتطوير حسهم الفني. وكذلك الأنشطة واللقاءات الثقافية المتنوعة، على رأسها الندوة الكبرى التي انعقدت يوم الخميس بدار الثقافة، تحت عنوان "السينما والحريات" والتي طرحت بعض الأسئلة حول العلاقات الإشكالية بين حريات الإبداع ومختلف السلطات، السياسية والدينية والأخلاقية والفنية. وشارك فيها الناقد السينمائي والروائي الإسباني خوان مدريد، والباحث الأكاديمي الفرنسي أوليفييه كيرا، والروائية المصرية منى الشيمي، وعالم الاجتماع المغربي محمد الناجي. وقد طرحت العديد من الأسئلة في محاولة للإحاطة بهذه المفاهيم المعقدة التي تؤسس للعلاقة بين المواطنين والسلطة وفهم مختلف أبعادها. ولتلمس الإجابة عن تساؤلات من قبيل: كيف تتمثل السينما المتوسطية مفاهيم "الحريات" و"الحقوق"؟ كيف يصوغ السينمائيون المتوسطيون خطابهم حول هذه المفاهيم؟ كيف يتلقى المشاهد الخطابات السينمائية التي تعالج مفاهيم الحرية (حرية المعتقد والانتماء والرأي والإبداع…)؟ كيف يتعامل السينمائي المتوسطي مع الإكراهات العديدة التي تقف حجر عثرة أمام إبداعه؟ كيف تمارس الرقابة؟ من يمارسها؟ في محاولة إيجاد الأجوبة الممكنة وتسليط الضوء على موضوع ما زال يشغل بال المبدعين، وخاصة السينمائيين الذين تحظى أعمالهم بالانتشار الواسع. ومن بين المحاور التي اقترحتها الندوة كذلك، علاقة السلطات بالحرية في السينما المتوسطية، و"التعبير عن التوترات بين السينمائيين والسلطة والمشاهدين، وأشكال التعبير الفني المعتمدة من قبل السينمائيين للدفاع عن الحريات. وتضمن البرنامج الثقافي للمهرجان أيضا مائدة مستديرة بعنوان "تحديات السينما المغربية من الإنتاج إلى الترويج"، وشارك فيها المخرج محمد الشريف الطريبق والناقد السينمائي بوشتي فرقزيد والمنتجة إيمان المصباحي وموزع الأفلام نجيب بنكيران وكاتب السيناريو خالد الزيري. وقد أكد المشاركون في هذه الندوة، التي انعقدت يوم الأربعاء، أن المغرب يمتلك سياسة سينمائية متقدمة على مستوى الإنتاج، باعتمادات مهمة، ودفاتر تحملات واضحة، بيد أن مرحلة التوزيع باتت تفرض ضرورة وضع سياسة جديدة للترويج السينمائي. وأضاف المشاركون، أن السينما المغربية راكمت منجزا فيلميا زاخرا، خلال السنوات الأخيرة، تجاوز إنتاج 20 فيلما في السنة، والذي يظل في غاية الأهمية، مقارنة بوتيرة الإنتاج في الكثير من البلدان العربية. واعتبروا أن هذا التقدم على مستوى الإنتاج لم ينعكس على مستوى جودة الأعمال السينمائية، بالرغم من تفوق أغلبها من الناحية التقنية، كما أن العرض السينمائي المغربي لم يجد له طريقا سالكة نحو المتلقي، بسبب استمرار إغلاق القاعات السينمائية من جهة، وعدم وجودها في عدد من المدن المغربية. وأبرز المتدخلون أنه إذا كان تدخل القطاع الخاص في المجال السينمائي ضروريا، إلى جانب مبادرة القطاع العمومي، فلا بد من تدخل طرف ثالث يتمثل في المجتمع المدني، الأمر الذي يتطلب وضع سياسة موازية لدعم وتشجيع وتكوين الجمعيات والأندية العاملة في القطاع السينمائي، في أفق خلق "مجتمع مدني سينمائي" في المغرب. وأكدوا على أنه من الضروري الحديث عن التربية السينمائية، وعن درس السينما في المغرب، حيث يقتضي وضع برنامج على المدى المتوسط، قصد الوصول مستقبلا إلى جيل مغربي جديد متصالح مع القاعات السينمائية، التي انكمشت أمام ثورة الوسائط الجديدة. القاعات السينمائية التي صارت تندثر خلال العقد الأخير، حيث لم يتبق بمدينة تطوان، التي تعرف بالحب الشديد الذي يكنه أهلها للسينما، مثلا، سوى قاعتين يتيمتين تقاومان الزوال، وتحيلان على الزمن الجميل، الذي كانت تتوفر فيه المدينة على العديد من قاعات العرض التاريخية التي زالت، مثل سينما لمصلى، وسينما المنصور وقاعة مونمنطال، و قاعة "سيني ميسيو" المجاورة للكنيسة، والتي تحولت الى وكالة بنكية، فيما تحولت قاعة أخرى الى مخبزة، وكل هذه القاعات تعتبر جزء مهما من ذاكرة المجتمع التطواني، تمت إزالتها، مثلما حصل في العديد من المدن المغربية. وعلينا أن نتذكر أن من كل الحب الذي يكنه سكان تطوان للسينما جاءت جمعية أصدقاء السينما، بمبادرة من بعض المثقفين والسينفيليين بالمدينة، قبل ثلاث وثلاثين سنة خلت، وتولدت فكرة المهرجان، وكان لتطوان قصب السبق والريادة في هذا الباب وطنيا، حيث استضاف المهرجان خلال دوراته الأولى، العديد من النجوم العرب من العيار الثقيل، وعمالقة الفن السابع، مثل الممثل الراحل فريد شوقي، ومحمود عبد العزيز، والمخرج الكبير يوسف شاهين.