أدت جائحة فيروس كورونا إلى تغيير مسار العالم وتعزيز دور الإعلام الدبلوماسي على المستوى الدولي و الوطني، و أكد هذا الأخير، أن قوته تقاس بقوة الدولة الاقتصادية و العسكرية. فالدبلوماسية والإعلام وجهان لعملة واحدة، تدرك اليوم دول العالم أهمية بناء نظام الإعلام الدبلوماسي لتحقيق مصالها وضمانا لأمنها. أصبح الإعلام الدولي جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية للدول المستقلة المتمتعة بالسيادة الكاملة، ووسيلة فعالة من وسائل تحقيق أهداف السياسية الخارجية داخل المجتمع الدولي. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فقد أكد هذا الأخير بعد مرحلة كورونا (كوفيد 19) أن وسائل التأثير في السياسة الخارجية للدول ليست فقط الدبلوماسية التقليدية، بل في قدرة الدولة على التحكم في تدفق المعلومات، وبناء صورتها الذهنية. لذلك عملت الدول المتقدمة على بناء قوتها الإعلامية لتحقيق أجندتها السياسية، واستخدامها في جذب الجماهير وإقناعها بتأييد سياستها. بحيث أصبح السلاح الإعلامي المؤثر أكثر حضورا في خدمة الفعل السياسي الخارجي المعبر عنه بالدبلوماسية الناجحة. فالدبلوماسي صار الآن يعمل في بيئة عالمية جديدة، وفي نظام عالمي تحكمه وسائل الإعلام، لذلك فإن الأساليب التقليدية التي تقوم على السرية لم تعد تصلح في عالم يقوم على الشفافية وتدفق المعلومات، ويواجه مشكلات جديدة تحتاج إلى تطوير قدرات الدولة على الاتصال بالجمهور في الدول الأجنبية، ودفعه للضغط على الحكومات لاتخاذ قرارات معينة. لا شك أن ثنائية النجاح و فعالية العمل الدبلوماسي في تمثيل الدولة إعلاميا، في ظل التطور الرقمي المتسارع. شهد هذا المجال طفرة مذهلة بفضل التقدم الهائل الذي حدث في مجال تقنية المعلومات والاتصالات خلال العقود الأخيرة، فالإعلامي الدبلوماسي يجب أن يكون مسلحا بالمعلومات و متفاعلا مع البيئة الإتصالية الحديثة و قادرا على استيعابها، لأن ذلك يوفر له المهارات اللازمة للتفاوض و المحاورة و إعداد التقارير بكفاءة. فإن ما حصل من تطور في مجال الإعلام كان له الأثر على طبيعة عمل الإعلام الدبلوماسي، حيث أصبح واضحا مدى دخول القنوات الفضائية و كل التقنيات الحديثة في حلبة الصراعالسياسي و الدبلوماسي. وبالتالي، على الإعلام المغربي أن يطرح سؤالًا لتقييم قدراته ومدى مسايرة تغيرات العالم الحالية وفعالية العمل الإعلامي وفق أجندات السياسية الخارجية للمغرب. لنتكلم بلغة الأرقام وفقا لأحدث المعلومات المتاحة، يحتوي المغرب على 12 قناة تلفزية تبث على مدار الساعة، وتنقسم إلى 8 قنوات عمومية تمتلكها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وقناة واحدة مملوكة لشركة دوزيم، و3 قنوات خاصة. حيث أظهرت آخر الأرقام الصادرة عن مؤسسة "ماروك ميتري"، المتعلقة بقياس نسب المشاهدات، أن معدل الساعات التي قضاها المشاهد المغربي في مشاهدة القنوات الوطنية هي 3 ساعات و40 دقيقة، خلال الأيام الممتدة ما بين 29 دجنبر و04 يناير 2022م، وقد إنخفض هذا الوقت ب14 دقيقة عن الأشهرالسابقة، وهو رقم يؤكد تراجع إقبال المشاهد المغربيعلى المتابعة والهجرة إلى القنوات الأجنبية الأخرى،بالرغم من تعزيز الشاشة بمجموعة من البرامج الحوارية والانتاجات الفنية. فإذا كانت نسب مشاهدة برامج القناة الأولى تصل إلى هذا الرقم، كل هذا يدفعنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة: ما هي نسبة مشاهدة البرامج المتعلقة بقضية الصحراء المغربية عبر القنوات الوطنية في ظل غياب أرقام رسمية من الجهات المختصة؟. لنوسِّع مقاربة النقاش في حقلها الاستفهامي، ونتساءل: هل يمكننا الحديث عن وجود إعلام دبلوماسي خاص بقضية الصحراء المغربية يواكب الانتصار الدبلوماسي المتنوع الذي تحقق واقعيا؟ ألا يمكن اعتبار بنود ومضامين ملف قضية الصحراء المغربية وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة الداعمة لمقترح الحكم الذاتي مرجعا قويا للإعلام الدبلوماسي المغربي ؟. اليوم أصبح التركيز على الوسائل الإعلامية لأنها أداة دبلوماسية تساهم في خلق الآراء المساندة، التي لا بُدَّ منها في القضايا الدولية سواء كان ذلك بالتأييد أو المعارضة. كما تعتبر طرفا من أطراف التفاوض السياسي و أداة للضغط على المنتظم الدولي، من خلال تقديم المعلومات الدقيقة والهامة للإعلام الرسمي، بالإضافة إلى تناول محتويات الأخبار الكاذبة و مناقشتها باحترافية. شهدت الساحة السياسية الوطنية و الدولية في الآونة الأخيرة تغيرات عديدة على مستوى ملف الصحراء المغربية، الذي شكل هاجسا للإعلام الوطني للدفاع عنه،باعتبار هذا الأخير له دورا هاما في إغناء المتلقي بالمعلومات والحقائق والمستجدات عن الملف أولا بأول. وقد لعبت الاستراتيجية الجديدة للسياسة المغربيةدورا هاما في توجيه الإعلام الوطني، الذي منح لملف الصحراء المغربية صمودا ديبلوماسيا، كما أنه رسم خارطة طريق للحكومة والفاعلين كل من موقعه وصفته للترافع والتعريف به دوليا وإقليميا. نعم٬ هناك اتفاق على أن وسائل الإعلام المغربية قد شهدت نقلة نوعية من حيث التقنية، إلاَّ أن هناك إشكالية تعتري العلاقة بين تلك الوسائل والجمهور المستهدف،بسبب عدم تغيير نمط المعالجات الإعلامية لكافة القضايا الوطنية مع التطور الذي حدث في مجال البث المباشر. الأمر الذي أدى إلى انتقال المتلقي إلى الخيارات الأخرى المتاحة للحصول على الحقائق التي قد تكون في كثيرة من أحيان مغلوطة وغير دقيقة. في ظل التطور الديبلوماسي الذي شهدته قضية الصحراء المغربية، ظهر إعلام معادٍ يخصص جزءا كبير من وقته لتقديم مغالطات تخص القضية وأطراف النزاعالمفتعل. وقد انفتح هذا الأخير على وسائل الإعلام الدولية المختلفة بهدف الإنحراف بملف الصحراء المغربية عن مساره الموضوعي إلى مسارات أخرى تنسجم مع سياسته وخططه فقط . بناء على ما يناقشه الملاحظ للشأن الإعلامي المغربي، فإن التلفزة لم يطلها أي تغيير يذكر، تغيرت السياسة و لم يتغير الإعلام إلى مستوى تطلعات قوة الملف، كل ذلك كان نتيجة: – غياب استخدام الديبلوماسية الإعلامية و عدم وضع استراتيجية وطنية تنطلق من التكوين الصحفي والمعرفة الدقيقة بالمعطيات السياسية والجغرافية والتاريخية...، الخاصة بقضية الصحراء المغربية، وعدم خلق شراكات مع الكليات والمؤسسات ذات الصلة بالعمل الإعلامي التي تهدف إلى الترافع والدفاع عن القضية أمام المحطات الإعلامية الدولية وأيضا المنظمات الحقوقية العالمية. – عدم الاشتغال على كاريزما الإعلامي بهدف خلق متلقي متفاعل و مدرك للمحتوى في عمقه، فالكاريزما هي السمة الأهم في المحاور الجيد، فالإعلامي الناجح يجب أن يتحلى بها لإقناع الجمهور وإيصال الرسائل الاتصالية بشكل واضح شفاف ودقيق. – عدم توحيد الخطاب الإعلامي، فهناك بعض الجهات وبعض المسؤولين (رغم حسن نواياهم) يغردون خارج السرب، فتكون تصريحاتهم خصماً على القضية ومضرة للغاية، خاصة إن كانت بلا تفويض أو تنسيق أو تقديرات حكيمة ومحكمة. – عدم انفتاح برامج التلفزة المغربية على كبار العلماء و المفكرين و الإعلامين في مجال الإعلام الدبلوماسي، من أجل مناقشة وإعطاء أجوبة لتساؤلات المواطن المغربي حول قضية الصحراء المغربية. من المعيب جدا كل هذا العنصر البشري الموجود في الإعلام المغربي ومازال الاشتغال بالطرق التقليدية، هذا ما أكده محمد الصديق معنينو وهو من رواد الإعلام المغربي في حواره مع مجلة الوكالة المغربية للأنباء العدد 19 مارس 2022م ص 76 حيث قال: "التلفزة المغربية فقدت البوصلة، وهي بدون رأس مفكر، يجب أن تكون التلفزة ملكا للمبدعين و المثقفين و رجال الصحافة و الفكر". ومن الأهمية بمكان القول أن ثورة الإعلام ووسائطه المتعددة، قد أحدثت انقلابا جذريا لخارطة العالم، و حتمت على جميع الدول و الحكومات إعادة النظر في سياستها الإعلامية تجاه القضايا الكبرى، إنطلاقا من إدراكها بأهمية الدور الذي يلعبه الإعلامالدبلوماسي في الدفاع عن البعد السيادي و الخصوصية الوطنية و التعبير عن أهداف و مصالح الدول. هنا نتساءل عن الإعلام الدبلوماسي المغربي، هل يقتصر فقط على التمثيل الدبلوماسي التقليدي و إنجازاته، أم أننا سنشهد قوة إعلامية توازي القوى الدبلوماسية مستقبلا، فالعالم اليوم يمر بأحداث تعصف بالكثير من التوابث السياسية التي يطالها التأثير، و لن نستطيع أن نغلق الباب أمام تطور وهيمنة الصورة إلا بصورة قوية تنافسها من الناحية المهنية والكفاءة ونسب المشاهدة. * طالب باحث بسلك الدكتوراه جامعة سيدي محمد بن عبد الله