الاعتداءات المتكررة على الأطباء العوام والخواص على السواء،أضفت على المستشفيات العمومية والعيادات الخاصة حُلّة جديدة تتسم بعسكرة مداخلها، وإقامة نظام مراقبة عن طريق الفيديو للتأكد من عدم حيازة أقارب المرضى السلاح وتفتيشهم قبل الدخول. وذهبت وزارة الصحة مدعومة من بعض الطواقم الطبية إلى التعجيل بوضع بوابة لكشف المعادن عند مدخل المستشفيات وفرض عقوبات مالية على الأسر التي يأتي ابنها أو أحد أفرادها بالسلاح إلى المستشفيات. والمطالبة باعتماد عسكرة مداخل المستشفيات، ووضع بوابة لكشف المعادن، وغير ذلك من الإجراءات الردعية، أصبحت اليوم، برأي حكومة الرئيس ماكرون، جد ملحة بعد أن أكدت كل التقارير الميدانية ارتفاع أعمال العنف ضد الأطباء والطوابق الطبية بشكل عام، إلى 680 حالة سنة 2021، من بينها 251 حادثا استخدمت خلاله أسلحة. وتشمل أعمال العنف كما أحصتها وزارة الصحة، اعتداءات جسدية، وابتزاز الأطباء للحصول على وصفة طبية، وإتلاف الأثاث الطبي، وسرقة مواد وأجهزة، وتدمير المرافق الطبية، والسّب والبصق وغير ذلك من الإهانات المختلفة.. أما الأوساط النقابية الطبية، فلم تُبد حتى الآن قناعتها بالموقف الداعي إلى عسكرة المستشفيات معتبرة أن الأسلحة لا تشكل المشهد اليومي في المستشفيات بل التصرفات غير الحضاريةوالشتائم والإهانات هي مصدر القلق بالمؤسسات الطبية. والعمل الحقيقي يجب في رأيها أن يكون تربويا وبواسطة أشخاص متخصصين. وتفيد التقارير الميدانية لبعض الباحثين والمختصين بأن حوادث العنف في المستشفيات تتطور بنفس وتيرة تطورها في الشارع، لا سيما في المناطق السكنية التي تسميها الأوساط الحكومية ب"الحساسة". ولها أشكال ودرجات تبدأ من الشتائم إلى القتل مرورا بأعمال السرقة والابتزاز والتهديد. أما التصرفات المنافية للأخلاق، من إخلال بواجب الاحترام تجاه الطبيب والاستفزاز، والتهديد، فهي السائدة في جميع المؤسسات الاستشفائية بفرنسا. وإذا كانت الاعتداءات على الأطباء والطواقم الطبية بشكل عام ( مساعدين، ممرضين، إداريين..) قد انخفضت إلى 680 حالة مُعلنة سنة 2021، بدل 873 حالة سجلتها سنة 2020، وهي أعلى نسبة يحصيها المرصد الأمني للأطباء المحدث سنة 2003 بمبادرة من الهيئة الفرنسية للأطباء، فإن الظاهرة تبقى مع ذلك مثيرة للقلق، وتتطلب تشديد الرقابة والحراسة في المستشفيات، إضافة إلى تشديد العقوبات على الجناة وإطلاق حملة إعلامية توعوية واسعة تتناول الظاهرة من مختلف جوانبها ومسبباتها. وفيما تختلف أحداث العنف وتتفاوت من فئة اجتماعية إلى أخرى، يبقى العنف الكلامي هو الأكثر شيوعا بنسبة 34 % متبوعا بسرقة مواد وأجهزة (22 %)، وتدمير المرافق الطبية (18 %) والاعتداء الجسدي (17 %) والاستفزاز والتهديد (9 %)..والمعتدون هم بشكل عام من أقارب المريض وتتراوح أعمارهم ما بين 30 إلى 40 سنة. أما المعتدى عليهم في المقام الأول، فهمالأطباء تليهم الممرضات ثم رجال الحراسة. وتبقى ساحة الجريمة الأساس هي غرف الاستعجالات التي تفتقر في الغالب إلى الرقابة والحراسة اللازمتين. ويمثل أطباء الطب العام الفئة الأكثر استهدافا بنسبة 63 % متبوعة بفئة المختصين في طب الأعصاب وأمراض النفس والقلب. وتتصدر ضاحية سان دوني الباريسية القائمة من بين المناطق التي ينتشر فيها العنف ضد الأطباء بنسبة 47 %. وتمثل الضواحي الباريسية لوحدها نسبة 73 % من حوادث العنف بكامل التراب الفرنسي. وتفيد التقارير الميدانية أيضا بأن تقليص الاعتمادات المخصصة للمستشفيات كان له بعض التأثير على الأداء المهني للأطباء،وعلى جودة الخدمات التي يتلقاها المرضى بشكل عام. ومن نتائج هذا التقليص أن خلق أجواء من حالة من التوتر في أوساط المرضى وعائلاتهم، انعكس في الثلاث سنوات الماضية بشكل مباشر على الطواقم الطبية التي تعرضت لاعتداءات بالضرب، والسب، والشتم، وبشتى الإهانات،أثناء تأدية واجباتها. وتربط النقابات الطبية استفحال ظاهرة العنف ضد الأطباء بالتساهل في الأحكام القضائية التي لا تتجاوز في حالات عديدةعقوبات بالسجن مع وقف التنفيذ أو السجن لبضعة اشهر فعلية.وتطالب بإلحاح بتبني سياسة "صفر تسامح" تجاه العنفبمختلف أشكاله ضد القطاع الصحي.