توصل موقع “برلمان.كوم” بمعطيات حصرية تهم عدد المقاتلين المغاربة الذين التحقوا بسوريا من أجل القتال، والتي أظهرت أن أغلبية “الجهاديين” كانوا يمتهنون حرفا بسيطة في المغرب قبل التحاقهم بالساحة السورية أو العراقية، مما قد يشكل خطرا حقيقيا على أمن المغرب في حالة عودتهم بالفكر الجهادي الداعشي. ووفق المعطيات التي توصل بها موقع “برلمان.كوم” فإن من بين من المقاتلين المغاربة الذين التحقوا بسوريا من أجل القتال، 311 عاملا ، و184 بائعا متجولا ، و191 تاجرا ، و158 مستخدما ، و101 مياوما ، و135 تلميذا أو طالبا ، و178 صانعا تقليديا ، و43 مأجورا ، و4 فلاحين ، و 3 مهندسين و3 باعة كتب ، و4 أئمة ، و 3 مدراء شركات ، وموظفين اثنين ، وتقنيي إعلاميات اثنين ، و 14 مقيما في الخارج ، وعون سلطة واحد ، ومحاسب واحد ، ومهرب بضائع واحد ، ورجل تعليم واحد ، ومتقاعدين اثنين ، و عسكريين سابقين اثنين ، و187 عاطل . موقع “برلمان.كوم” يحاول في حوار مع الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عاطف بكمزا، فهم أصل ظاهرة استقطاب هذه الفئة البسيطة والفقيرة في غالبية الأحيان ، ومعرفة الدافع الأساسي الذي جعلها تلتحق بساحات القتال في سورياوالعراق. ماهي قراءتكم العلمية لظاهرة التحول من السلفية إلى الداعشية؟ إن أي قراءة علمية رصينة وأكاديمية لظاهرة السلفية والوسط الاجتماعي الذي ينطلق منه السلفيون نحو الممارسة الداعشية، كشكل متطور من أشكال السلفية في الممارسة، يجب ان تنطلق دائما من تحديد عناصر هذه الظاهرة في الميدان. وأمام الأرقام التي نشرها موقع ” برلمان . كوم ” مؤخرا، يتضح الدور الكبير الذي تضطلع به البنية الاجتماعية في صقل شخصية الداعشي وتحديد توجهاته الفكرية والمعرفية لممارسة الفكر السلفي. والجدير بالذكر أيضا أن المدارس السلفية الفكرية تختلف بإختلاف مؤسسيها وواضعي أسسها النظرية وراسمي خطها التفكيري والذي يحدد بشكل مباشر سلوك معتنق كل تيار سلفي على حدة. كما أن الغموض الذي يلف مطلبها ومطامحها السياسية يصعب حصرها في زاوية حركات الإسلام السياسي التي تطمح لممارسة السياسة والوصول إلى مراكز صناعة القرار. لكن أمام الأرقام التي نشرها “برلمان.كوم ” يظهر لبس كبير في فهم سلوكيات الأفراد المنتمين إلى تيار الداعشية، وأي فهم لهذا السلوك لن يتأتى إلا بتحليل عناصر البنية الاجتماعية التي ينطلق من خلالها هؤلاء والتي تحدد توجهاتهم المستقبلية من سلفي فكريا إلى داعشي في الممارسة. وتختلف أساليب التحول بين العامل الاجتماعي والذي تلعب التنشئة الاجتماعية دورا مهما فيها والعامل الاقتصادي المتمثل في الانتماء إلى بنية إجتماعية . ومن بين أساليب التنشئة الاجتماعية التي تؤثر في التوجه السلفي للفرد، تواجده في بيئة سلفية، والتي تفرض عليه الانتماء إجباريا للفكر السلفي، والاطلاع على كتب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وربما كل من ساهم في تطوير الخط الفكري للسلفية، مما يخلق في نفسية الفرد الاستعداد المبدئي والتام ليصير سلفيا، أما التحول نحو الداعشية، فله تأثيرات إجتماعية وأخرى إقتصادية. ومن المؤثرات الاجتماعية، شبكة العلاقات الاجتماعية التي يصنعها السلفي مع إخوانه والتي تؤهله للتواصل أكثر مع من يحمل الفكر السلفي فقط، وأيضا التزواج والتصاهر معهم، وقد يتطور الأمر إلى خلق علاقات اقتصادية مع كل الافراد الذين يحملون الأفكار السلفية التي يؤمن بها السلفي، مما يسهل معه عملية استقطابه إلى داخل التنظيمات العسكرية منها تنظيم داعش، بحيث أن عامل الحميمية المفرطة والانصهار في الجماعة يؤهله أكثر من غيره للقبول باختيارات الجماعة، ثم العامل النفسي المتمثل في العصبية لفكرة الجهاد التي نادت بها السلفية الجهادية والسلفية التكفيرية التي وضع أسسها كل من السيد قطب فكرا وأسامة بن لادن ممارسة، أضف إلى ذلك فكرة خليفة المؤمنين التي تحتل حيزا كبير في فكرة الولاء والبراء التي تؤمن بها التيارات السلفية الجهادية والتي تفرض الخضوع لأوامر القائد الأعلى للمسملين، والمتمثل في أبوبكر البغدادي حاليا عند أغلب معتنقي التيار السلفي التكفيري والجهادي، وبالتالي فأمره بالجهاد في نظرهم أمر مطاع لا يمكن أن يتم عصيانه. والجدير بالذكر أيضا الكم الهائل من فتاوى الجهاد التي تناوب في العقود الأخير شيوخ السلفية على إصدارها والتي تحث المسلمين على الجهاد في سوريا، والتي تعتبر إطارا شرعيا ومشروعا لممارسة الجهاد تحت راية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. –في ذات السياق حصل موقع برلمان.كوم على معطيات ومؤشرات مهمة حول الفئات التي تستقطبها التنظيمات الارهابية حيث أغلبهم ينتمون للفئات الفقيرة ويعملون في مهن بسيطة ، ماهي دلالات هذه المؤشرات ؟ إن أي فهم لهذه الأرقام التي نشرها موقع “برلمان . كوم ” ، والتي تبين بشكل جلي ومما لا يترك مجالا للشك ، دور البنية الاجتماعية في تحديد سلوك السلفيين الجهاديين والتكفيرين كما يصطلح عليهم إعلاميا للانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. فالبنية أو الطبقة الاجتماعية تلعب الدور الرئيسي في تحديد الشخصية السلفية، فالانتماء مثلا الى فئة اجتماعية فقيرة تعاني من الناحية الاجتماعية، وترى سبل الترقي الاجتماعي بعيدة عن التحقق في ظل نظام اجتماعي قائم على التوزيع غير العادل للثروات، هو محدد يلعب دورا رئيسيا في توجيه هذه الفئات الاجتماعية نحو اعتناق الفكر السلفي باعتباره السبيل للتغيير والاصلاح، وتحقيق الرقي الاجتماعي. كما أنه يسهل على الحركات السلفية استقطاب هؤلاء بشكل رئيسي. ويمكن إستقراء هذا من خلال المهن التي يزاولها المقاتلون الذين التحقوا بسورياوالعراق . فأغلب هؤلاء المقاتلين كانوا يمتهنون حرفا بسيطة قبل التحاقهم بالساحة السورية العراقية( 311 عاملا ، و184 بائعا متجولا ، و191 تاجرا ، و158 مستخدما ، و101 مياوما ، و135 تلميذا أو طالبا). وهذه الأرقام لها دلالة واضحة على التحول الحاصل في بنية السلفية، التي يلعب العامل الاجتماعي دورا كبير في تحديد مسار أفرادها، فتركز المهن مثلا في التجارة والمياومة والاشتغال في القطاع غير المهيكل يوضح بصورة جلية الخطاب السلفي الذي يرفض الاشتغال في مؤسسات الدولة، باعتبار أن أموالها حرام ، حسب منظوره . هنا وجبت الإشارة إلى فكرة جد مهمة، هي أن الإشتغال في هذه الإطارات تمنح هامشا أكبر للسلفيين للتحرك بحكم أن القطاع الخاص غير المهيكل غير مراقب بالمغرب، كما أنه يسمح للتنظيمات السلفية بممارسة عمليات الاستقطاب والتجنيد لأفراد من أوساط إجتماعية فقيرة ولهم قابلية لحمل الفكر السلفي كما أنهم ربما ساخطون على سياسات الدولة وتوجهاتها العامة. أما فيما يخص الطلبة والتلاميذ فهنا وجب إستحضار عامل التأثر بوسائل التواصل الاجتماعية وأيضا بالكتب الدينية التي تأتي من المشرق والتي تنشر الفكر السلفي، بحيث أن الاقبال على قراءة هذه الكتب والاستماع إلى الأشرطة الصوتية الخاصة بشيوخ السلفية والذين يتقنون بشكل كبير عوامل الاقناع المعرفي ، تلعب دورا محددا في استقطاب الشباب، خصوصا الطلبة والتلاميذ. من هنا يتضح أن اولئك الذين ينتمون الى البنية الاجتماعية الفقيرة أكثر عرضة للتطرف والتصادم بقوة مع الدولة وأيضا حمل الفكر السلفي والانتماء إلى التيارات المتشددة، مقابل المنتمين الى البنية الاجتماعية المتوسطة الذين يتبنون النظرة الاعتدالية الى الاصلاح والتغيير، وأيضا اعتماد الاساليب السلمية في ممارسة التغيير. – هل للعامل الاقتصادي دور في انتماء هؤلاء إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؟ بطبيعة الحال العامل الاقتصادي له دور محدد أيضا في تحديد سلوكيات السلفيين، وعلى غرار الرواتب السخية التي يحصل عليها المجاهدون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والتي يتم الاصطلاح عليها بالجهاد المدفوع الأجر، وجب الرجوع لفهم الحالة الاقتصادية التي يعيش في إطارها السلفي والتي تدفعه إلى تبني فكر متشدد وأكثر تطرفا من غيره. فحالة السلفي العاطل عن العمل تختلف عن حالة العاطل العادي، فالسلفي يعتبر أن تحسن أموره االاقتصادية مقترنة بتحسن الشروط الاجتماعية والسياسية، وهذا لن يتأتى حسب فهمه إلا في ظل وجود دولة إسلامية قائمة بنفسها توفر له شروط العيش، وأن الأنظمة الحالية كافرة لا يتوجب الاشتغال في ظل مؤسساتها، مما يفرض عليه الإيمان بحتمية الجهاد ودوره في تغيير أموره المادية. كما أن السلفي التكفيري الذي يشتغل في إطار نظام إقتصادي غير مهيكل في نظره هو مجرد مرحلة في إنتظار الفرصة للجهاد ، وهو ما قد يتأتى أخيرا مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. – هل يشكل هؤلاء خطرا على أمن المغاربة في حال عودتهم مستقبلا؟ بطبيعة الحال سيكون هناك خطر كبير خصوصا عدد الأطفال الذين ذكرهم التقرير الأخير، والذي يعتبر رقما مهولا وغير مقبول، وأيضا عدد المغاربة المتواجدين في صفوف التنظيم وعودة هؤلاء إلى أرض الوطن سيجعلهم قنابل موقوتة قابلة للإنفجار في أية لحظة وذلك راجع لعدة عناصر: أولا: الانتقال من مرحلة الجهاد وحلم دولة الخلافة إلى حالة الواقع السابق، والذي كان السلفي قد هرب منه نحو فردوس دولة الخلافة، ليجد نفسه امام نفس التناقضات التي كان يعاني منها، كما أنه سيتحول من وسط إجتماعي إخواني إلى وسط إجتماعي غريب مما سيؤثر بطريقة سلبية على سلوكياته الاجتماعية. ثانيا: الانتقال من حالة ميدانية تشهد العنف والقتل إلى حالة أخرى تشهد السلم، وبعيدا عن صخب الجهاد والاقتتال، وهو ما سيجعله عرضة للعزلة الاجتماعية في وسطه، وربما صعوبة الاندماج مرة أخرى. ثالثا: الانتقال من حالة مادية ميسورة في ظل دولة الخلافة التي توفر اجورا للمجاهدين وتمويلا للتحرك والجهاد، إلى حالة مادية ضعيفة وفي موقف البحث عن عمل، وصعوباته خصوصا في المغرب. المغرب في هذه الحالات سيجد نفسه أمام أشخاص لهم أحلام لم تتحقق خصوصا بعد التدخل الروسي في سوريا، وتؤجل تحقق حلم الخلافة الذي بدأت عمليات حصره تتم ميدانيا، وسيكون المغرب أمام خيارات صعبة منها طريقة إعادة إدماجهم في المجتمع، أو إعتقالهم مرة أخرى، وكلها تبقى خيارات صعبة وغير قادرة على المعالجة النهائية لمشكل السلفية الداعشية بالمغرب.