إدانة سليمان الريسوني بخمس سنوات سجنا نافذا في قضية محاولة هتك العرض بالعنف هي إدانة صريحة لفريق دفاعه ومحاميه الذين انسحبوا من المحاكمة، وأوغلوا كثيرا في الطلبات والملتمسات غير المنتجة، وأسرفوا مليا في التصريحات الإعلامية بدلا من المنافحات القانونية، وذلك قبل أن تكون إدانة مباشرة للمتهم نفسه بعقوبة سالبة للحرية. فالمحامي منذور للدفاع عن موكله في جميع مراحل القضية، بما فيها مرحلة البحث والتحقيق والمحاكمة، بل إن المحامي مطالب بالدفاع عن المتهم في جميع مراحل التقاضي سواء أمام محاكم الدرجة الأولى أو الثانية بل حتى أمام محكمة القانون ممثلة في محكمة النقض. لكن ما يحز في النفس هو أن ينسحب فريق الدفاع ويستنكف عن مؤازرة سليمان الريسوني بمسوغات سياسية ومبررات إيديولوجية، ومع ذلك لا يرعوي في أن يخرج إلى الصحافة بعد الحكم في القضية، لممارسة الدفاع السهل ممثلا في القذف اللغوي وتحقير الأحكام القضائية. فمثل هذه الممارسات المشوبة بالإخلال الصريح بأعراف وأخلاقيات مهنة المحاماة هي محصلة طبيعية لمسلسل تسييس مهنة المحاماة من طرف أتباع الجماعات الدينية، الذين يصرفون أجندات عقدية وسياسية بعيدة كل البعد عن المؤازرة القانونية الصرفة. ومثل هذه الممارسات هي نتيجة حتمية أيضا لإسراف بعض ممتهني النضال في تهريب جرائم الحق العام من نطاقها القضائي إلى ساحة المبارزات الفايسبوكية والنزالات الإعلامية المفعمة بالتراشق السياسي. ومن هذا المنظور، فإنه واهم من يعتقد بأن دفاع سليمان الريسوني المنسحب من المحاكمة، ومحيطه النضالي المفترض، كانوا يتطلعون ويشرئبون إلى الحكم عليه بالبراءة أو عند الاقتضاء الاكتفاء بما قضاه في السجن إلى حدود تاريخ كتابة هذه السطور. بل واهم ومتوهم من يظن أن هؤلاء فجعوا في سليمان الريسوني بسبب الحكم عليه بخمس سنوات سجنا نافذا! فمثل هؤلاء كانوا يمنون النفس ترجيحا باستصدار حكم يقضي بإدانة سليمان الريسوني بأقصى العقوبة الجنائية في حدود عشر سنوات سجنا نافذا! فكلما ارتفعت العقوبة الجنائية إلا وزاد نحيب المعطي منجب وارتفعت أسهمه في ساحة المزايدة على الدولة، وكلما أدين سليمان الريسوني بالسجن النافذ إلا وتأجج معه عويل حسن بناجح في الفايسبوك وتصاعدت جذوة زخمه الإعلامي الذي يحلل به الريع الذي يتلقاه من الجماعة، وكلما طال أمد اعتقال سليمان كلما ازداد العمر الافتراضي لنضال زوجته وأقبلت عليها الميكروفونات الإعلامية والزيارات التضامنية المفترضة من محمد زيان وغيره من أطياف المغررين. ومخطئ أيضا من يعتقد أن محامي ما أو مناضل معين انسحب من المحاكمة لأنه لا يرغب في المشاركة في "مجزرة قضائية"، لأن المحارب الصنديد الذي يملك المبادئ ويتسلح بالمعرفة لا ينسحب ولا يتخلى عن نصل سلاحه القانوني ولا يترك موكله وحيدا بدون مؤازرة. فهي إذن أقرب للمناورة والمزايدة بحرية معتقل وحقوقه أكثر منها حرص مزعوم على استقلال القضاء. ومخطئ أيضا من يعتقد أن المعطي منجب وحسن بناجح وباقي الأدعياء أصيبوا ليلة الحكم على سليمان الريسوني بسهاد شديد وشح عنهم الليل بسكون الدجى! فمثل هذه الأحكام القضائية هي المنشودة والمأمولة عند هؤلاء! لأنها تمنحهم وقتا إضافيا للمناورة والتحرك مجددا في وسائط الاتصال والساحة النضالية، وتسمح لهم بالتخابر مع الجمعيات والمنظمات المانحة، بل إن مثل هذه الأحكام هي مناط وجودهم وعلة استمرارهم. فماذا سيكون مصير المعطي منجب إذا تم الحكم ببراءة سليمان الريسوني أو على الأقل إذا أوقف إضرابه عن الطعام؟ وماذا سيكتب حسن بناجح في حسابه الفايسبوكي إن أدين سليمان بما قضاه؟ وماذا سيكتب "الموضوعيون العميقون" إن هي تحققت هذه الفرضية الأخيرة؟ بل ماذا ستكتب بعض المدونات "مرهفات الحس" ممن امتهن مؤخرا الترويج للعاطفة كدليل لإثبات براءة المتهم من عرض الضحية؟ إن محاكمة سليمان الريسوني تكاد تصبح متوالية روتينية في المشهد النضالي المزعوم في الفايسبوك المغربي. فهناك من يبني رصيده المالي والنضالي على حساب حريات المتهمين وحقهم في المؤازرة القانونية، وحال المعطي منجب ومحمد رضى وحسن بناجح ليس ببعيد عن هؤلاء. وللأسف الشديد يأبى بعض سجناء الحق العام إلا أن يسقطوا ضحية مثل هذه المزايدات السياسية، التي تنتهي بهم في السجن مثل حال توفيق بوعشرين وغيره، بينما ينصرفون هم إلى أرصدتهم البنكية وأسِرَّتهم الوثيرة ومضجعهم شبه العائلي ولسان حالهم يقول "هل من ضحية جديدة في سوق الرهان السياسي؟".