على خلفية الاحتجاجات التي تخوضها ساكنة طنجة ضد شركة “أمانديس” ، اعتبر خالد المرابط ، الباحث والمتخصص في التدبير المالي والإداري الترابي ، أن ” المشاكل التي عرفتها مدينة البوغاز في الآونة الأخيرة إثر تداعيات الغلاء المهول في فواتير الماء والكهرباء، المسند تدبير قطاعها إلى شركة أمانديس (التابعة لمجموعة فيولويا) في إطار التدبير المفوض، تستدعي التريث في تبني التدبير المفوض للمرافق الجماعية الأساسية، والمتمثلة أساسا في قطاعات الماء والكهرباء والنقل العمومي الجماعي وتدبير النفايات الصلبة، من طرف شركات أجنبية كبرى. ففي ظل غياب إطار واضح للتعاقد ، ومنصف للمرتفقين ، تعد عقود التدبير المفوض صفقات لتمكين هذه الشركات من رقاب المواطنين، لا سيما في ظل استمرار معدلات الهشاشة الاجتماعية”. وأوضح المرابط في تصريح لموقع برلمان.كوم أن ارتفاع الفواتير له ” انعكاسات مباشرة على مؤشرات الاستهلاك وكلفة العيش خاصة بالمدن الكبرى، وما خروج هذا العدد المهم من المواطنين للشوارع عقب المشاكل التدبيرية الكبرى لقطاعي الماء والكهرباء بطنجة إلا مؤشر على عمق الأزمة واستمرار مسلسل الاختلالات المرتبطة بالأساس التعاقدي وضبط الإطار القانوني للممارسة التي تعجز السلطات العمومية، سواء المركزية المتمثلة في وصاية الداخلية أو الجماعات المعنية، على تدبيرها بالشكل الذي يسمح بالحفاظ على المصلحة العامة أمام جشع الشركات الكبرى”. وأكد ذات المتحدث أن “فشل الجماعات في تدبير هذه المرافق البالغة الحساسية تحول إلى مادة مغرية لكبار الشركات التي تهيمن على تدبيرها مختلف هذه المرافق بالمدن الكبرى، وهو ما يستدعي إعادة التفكير في هذه الطريقة التي قلما كانت لصالح المواطنين بل كانت محل انتقاد وسخط شديد من لدنهم”. وأشار المرابط إلى أن الجانب القانوني لا يقل أهمية عن الانعكاسات والتأثيرات العميقة على السكان ، فالممارسة في مجال التدبير المفوض سبقت بسنوات عديدة الإطار القانوني لسنة 2005، المتمثل في القانون رقم 05-54، كإطار عام لتدبير مختلف المرافق العمومية”، موضحا أن أغلب المقتضيات الواردة في دفاتر التحملات المعتمدة في عقود التدبير المفوض، “يعطي حقوقا مهمة ومغرية للشركات الكبرى، وفي حالة العكس تحجم هذه الشركات عن التعاقد لأنها لا تحصل على الربح الذي تهدف إليه”. وأعطى مثالا على ذلك؛ بما “وقع من أخذ ورد عند الإعلان عن عقود التدبير المفوض التي همت قطاع النظافة بمدينة سلا، والتي أعيدت صياغتها لعدة مرات، لأن صيغتها الأولى لم تقنع مدبري الشركات الكبرى وتحفزها على التعاقد، إلا بعد التعديلات المهمة التي أدخلت عليها”. وأوضح المرابط أن “الغموض القانوني والمؤسساتي يشمل جوانب كثيرة تختلف من قطاع لآخر؛ فالنسبة لقطاع الماء والكهرباء، كما أكد المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير،فإأن عقود التدبير المفوض لهذا القطاع تهم الثغرات القانونية بين الجماعات المعنية والشركات المفوض لها، من جهة، وبين الغموض المؤسساتي بينهما وبين المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، من جهة ثانية. أما بالنسبة لقطاع النظافة، فهناك غموض جوهري يتعلق بالجوانب المالية والتقنية؛ فإضافة إلى اختلال العلاقة التعاقدية بين أطرافها؛ والمتمثل في ضعف الإدارة الجماعية أمام حنكة وخبرة الشركات الكبرى التي تضبط بشكل كبير مجالات التعاقد وغموض البنود المتعلقة بالجوانب المالية وجوانب الرقابة التي غالبا ما تكون محل غموض قانوني وتدبيري، تضاف الجوانب المؤسساتية المتعلقة بإسناد مهام تحصيل الضريبة على الخدمات الجماعية من طرف الخزينة العامة للمملكة، في حين تتولى الجماعة المعنية تسديد مبالغ مهمة للشركات المفوض إليها. “أما قطاع النقل ، يقول المرابط ، فيتميز، هو الآخر، باختلالات مالية وتقنية كبيرة تجعل المدن المتعاقدة غارقة في أساطيل متهالكة للنقل العمومي لا ترقى إلى طموح الساكنة، يضاف إليها المشاكل التقنية المتعلقة بالامتداد الترابي الذي يتجاوز المساحة الترابية للجماعات المعنية وبضعف الحس التعاوني بينها”. وخلص المرابط إلى أن ” الجزاءات التأديبية التي تكون لصالح هذه الشركات، هي بمثابة السيف المسلط على رقاب مدبري الشأن المحلي في حالة حصول نزاع بين المفوض والمفوض له. والأمر الأخطر في مثل هذه التعاقدات هو فتح الباب للشركات الكبرى للتقاضي والتحكيم أمام الهيئات الدولية والتي تخضع لمقاربات أخرى تصب في صالح هذه الشركات المسندة من طرف الدول الكبرى والمهيمنة على مثل هذه النزاعات”.