في ظل حديث البعض عن عودة الدولة في المغرب بطريقة قوية، لاسيما خلال جائحة كورونا التي ضربت العالم، كتب الزميل الصحافي رشيد نيني، أن هذا الكلام لايستقيم خصوصا وأن الذين “يتحدثون عن عودة الدولة في المغرب كما لو أن الدولة كانت نائمة أو غائبة والآن ظهرت وانتبهت”، مردفا أن “جميعهم يطنبون في الحديث عن عودة مظفرة للدولة بمناسبة هذه الجائحة، التي رفعت مستوى التحدي عاليا جدا في وجه جميع دول وحكومات العالم، وكأنهم يتحدثون عن ظهور المهدي المنتظر”. وتساءل نيني في مقال له على صفحته الرسمية بالفيسبوك، أنه عندما كان العالم العربي يغرق في أوحال الفوضى الخلاقة التي صنعوها وسموها في مختبراتهم الجيواستراتيجية “ربيعا عربيا”، كيف يا ترى خرج المغرب من هذا المستنقع بسلام في وقت انهارت حوله أنظمة مثل القش وتحولت إلى دول فاشلة وسيق قادتها نحو السجون أو المقابر؟ أليس لأن الدولة المغربية كانت سابقة للأحداث، ملمة بتفاصيل اللعبة، عارفة لمآلات وتطورات السياقات؟. وزاد بالسؤال، أنه عندما ضرب الإرهاب دولًا تعد من أقوى الدول وأكثرها تقدمًا في العالم لمن لجأت هذه الدول الجريحة في كبريائها لطلب المساعدة للخروج من هذه الدوامة التي دخلتها؟ أليس إلى الدولة المغربية؟ وقبل هذا وذاك، عندما كانت الأنظمة العسكرية تطيح بالملكيات في الدول العربية وتتوج نفسها حاكمة باسم المعسكر الشيوعي تحت ستار جمهوريات من قش، هل سقطت الدولة المغربية في هذا الفخ؟، مردفاً، هل نسيتم كم من محاولة انقلابية فاشلة استهدفت الملكية بالمغرب، كم من جنرال كان يجب أن ينتهي واقفا خلف عمود الإعدام صبيحة العيد وأن يخترق الرصاص بزته العسكرية لكي لا تسقط الدولة بين أيدي عسكريين مغامرين يحركهم سياسيون ولاؤهم للنجمة الحمراء وللحرية التي لديها باب واحد يجب أن تكون يدك ملطخة بالدماء لكي تدقه؟. وتابع نيني، أن الدولة المغربية عاشت الانقلابات والمؤامرات الداخلية، وخاضت الحروب بجيوشها في الصحراء دفاعا عن وحدتها، وحاربت في سيناء والجولان دفاعًا عن فلسطين، وحاربت قبل ذلك مع الحلفاء لصد الديكتاتوريات الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية. وأضاف أن دولة عمرها أكثر من 12 قرنا وليس عن شبه دولة رسم حدودها جوابو آفاق إنجليز حول بئر نفط، أو عن جمهورية تخيلها مقيم عام فرنسي وأطلق عليها اسما وضمها لمقاطعات بلاده قبل أن يمنحها بعدما قضى منها وطره ما يشبه استقلالا”. مشدداً على أن الدولة كانت دائما حاضرة، لكن البعض كان يراها من نافذة مصالحه. وتابع بالقول، أنه رغم المكائد وتراجع البعض عن الدولة التي واجهت خصومها المسلحين بحقدهم الدفين عليها مدعومين بكل ترسانات المؤسسات الدولية الحقوقية التي وضعتها مختلف الإمبرياليات تحت تصرفهم، إلا أنها في الحقيقة حصنت نفسها واستفادت من أخطائها وقوت من قدراتها التفاوضية التي جعلتها طيلة قرون تحافظ على استمراريتها رغم تغير الحقب والظروف والأشخاص. ورغم اختلاف التسميات التي أطلقتها مختلف الحساسيات السياسية، من قبيل الإسلاميون الذين نعتونها ب”العميقة” التي تشتغل ضدهم في الخفاء بعفاريتها وتماسيحها، واليمينيون ظلوا ينظرون إليها كبقرة حلوب خلقت من أجلهم وأجل أبنائهم إلى يوم الدين، واليساريون الذين ظلوا ينعتونها بالرجعية والشمولية ويطالبون بتفكيكها وإعادة بنائها من جديد، وقد جربوا ذلك طوال خمسين سنة فانتهوا مفككين إلى ألف حزب وفصيل، بقيت هذه الدولة متراصة محافظة على دوران أذرعها الجبارة التي تطحن كل من يريد أن يلعب معها. وأوضح أن الدولة المغربية عرفت منذ القديم باسم المخزن، الذي يعني الجهة المكلفة بضمان التموين. مشيرا إلى أن شرعية الحاكم تقاس بمدى قدرته على توفير الأكل للرعايا. مردفا أن فكرة المخزن ليست غريبة على المغاربة، ففي كل بيت هناك مكان نسميه المخيزن وهو تصغير للمخزن الكبير، وفيه تضع العائلة مدخراتها الغذائية. وأورد أن اليوم عندما ضربت الجائحة البلد وأجبرت مئات الآلاف من العمال المياومين البسطاء على البقاء في بيوتهم من يوزع عليهم المواد الغذائية؟ أليس المخزن من يصنع ذلك؟، من يصرف لهم مساعدة شهرية لكي يقضوا بها حاجياتهم الأساسية؟ أليس المخزن؟، من يتكلف مجانًا بعلاج المصابين بالفيروس وتغذيتهم أثناء نقلهم وإيوائهم بالمستشفيات؟ أليس المخزن؟. وأشار إلى أن الدولة هي التي وجدت الحلول “لأصحاب الشركات الكبرى والصغرى والمتوسطة والقطاع غير المهيكل، الصناع والفندقيون والمصدرون وأصحاب المهن الحرة والموظفون… الجميع ينتظر أن تمد له الدولة يدها لكي تنتشله من المستنقع”. وزاد “الذين يعتقدون أن الدولة عادت اليوم عليهم أن يراجعوا ما قاله الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في كتاب ذاكرة ملك عندما سأله الصحافي سؤالا حول القدرات النفطية للجار الجزائري وهل هذه القدرات لا تشكل مصدر إزعاج له، ماذا قال الملك الحكيم؟ قال له التالي : “ما يهمني ليس النفط الذي تتوفر عليه الجزائر بل أوجه استعماله، وفي الوقت الذي يستخرجون فيه البترول فأنا أشيد السدود. وإنني أعرف أن بعض العسكريين الجزائريين سيقولون شامتين “انظروا إليه يزرع الطماطم بينما نحن نزرع أنابيب البترول”. لهؤلاء أقول أتمنى لكم حظًا سعيدًا في اليوم الذي سيكون فيه عليكم أكل شطائر لحم مصنوعة من البترول”. وأكد نيني أن المغرب اليوم يقف على حكمة وتبصر وبعد نظر الملك الحسن الثاني، إذ في الوقت الذي كان فيه جنرالات الجزائر يستعملون عائدات النفط لشراء العتاد لتسليح البوليساريو والمعارضة اليسارية المقيمة عندهم لضرب وحدة المغرب، كانت الدولة المغربية تشيد السدود لحماية الأمن الغذائي المستقبلي للمملكة، وها نحن نرى كيف وجه ابنه الملك محمد السادس الدولة قبل سنة نحو بناء ثلاثة سدود مائية كبرى في الشمال تنضاف إلى 10 سدود كبيرة و60 سدا متوسطا وصغيرا تم إنجازها بالإضافة إلى رصد 115 مليار درهم لتطبيق مخطط مائي يمتد من 2020 إلى 2050. وأضاف أن بناء السدود ضروري لأن الماء هو الحياة، ليس للإنسان فقط بل حتى بالنسبة للدول. حيث الدول تنكمش على نفسها وتغلق حدودها، تظهر أهمية الماء والزراعة والفلاحة والصناعات الغذائية المرتبطة بها. مردفا بالقول: كثيرون هاجموا المخططات الفلاحية التي انخرط فيها المغرب، مثلما هاجموا قبلها مخططات السدود، واعتبروا أن مستقبل المغرب هو الانخراط في الحداثة والخروج من جلباب المجتمع الفلاحي”. واسترسل، “ها هي اليوم الأحداث تؤكد أن الفلاحة، والبحوث العلمية والهندسية المرتبطة بها، هي الأصل. يمكن أن يكون لديك بترول وغاز ومعادن ومفاعلات نووية، لكن هل ستضعها في صحون مواطنيك عندما سيداهمهم الجوع؟”. وختم كلامه بأنه “يمكن للمختبرات العالمية أن تكتشف لقاحًا لفيروس كورونا، لكن أي مختبر في العالم لا يستطيع أن يكتشف لقاحًا مضادا للحسد. وصدق من قال: “قاتل الله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله”.