يُثبت تنظيم العدل والإحسان، لكل من يدعي أنهم قد يشكلون احتياطا استراتيجيا للدولة نفسها، زيف وخطأ هذا التقدير. فالحركة التي لا تُفوت فرصة للحشد والاستعراض بدأت تتحول، بفعل محدودية اختياراتها ونفاذ خطابهاوتَحقق المنفعة الحدّية لتعدادها، من جماعة إلى طائفة حاضنة لأناس يتقاسمون الأفكار ويدينون بالولاء لمرجعيات بدأت صوفية تعيش صعوبة الانتقال إلى مشروع سياسي متكامل حاضن لمشاريع تقدم أجوبه عن الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومشكلات الهويات القاتلة التي تتربص بالمجتمع المغربي وتهدد فكرة الدولة الوطنية بالمغرب. فالجماعة بهذا المعنى لم تحقق الانتقال من مرحلة التنظيم والتربية إلى مرحلة السياسة، وهذا ما تفسره تصريحات بعض قيادتها حول طبيعة النظام تارة وحول العملية السياسية تارة أخرى، وهي تصريحات تعكس خللا سلوكيا وعقم تفكير مغلف بلغة عنيفة لا تختلف كثيرا عن اللغة التي تَعودها مؤسس الجماعة في رسائله الشهيرة. الرهان على الجماعة خطأ في التقدير لأسباب عديدة، أولها أن الوطن يحتاج لوطنية وهو العنصر ليس أولوية في تفكير العدل والإحسان. وهي بذلك لا تختلف عن باقي حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، التي تؤمن بفكرة الدولة- الأمة (عبر-وطنية) ولا تعير اهتماما لفكرة بناء الدولة الوطنية القائمة على التنوع الثقافي والديني واللغوي (الدولة القومية). فالوطنية ضعيفة لدى هذه الجماعات ما يفسر سعي الكثير من تنظيمات الإسلام السياسي إلى ربط علاقات حمائيةمع سفارات فرنسا أو بريطانيا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية كما وقع مع تنظيم الإخوان في مصر مثلا.. السبب الثاني يتعلق بخيار “الفوضى الخلاقة” الذي تنهجه جماعة العدل والإحسان في سلوكها اليومي، داخل الجامعات وفي القطاعات النقابية واحتجاجات المهنيين أو الفئات، كما وقع مع الأساتذة المتعاقدين والطلبة الأطباء، فأينما تسللت الجماعة منعت الحوار وصعدت ضد قوات الأمن وسعت إلى التأزيملضرب السلم الاجتماعي وحافظت على حالة الأزمة في أعلى مستوياتها بحثا عن تحقيق مكاسب سياسية من وراء مطالب مهنية أو اجتماعية. فالجماعة بهذا المعنى تسعى إلى منع الدولة من الحديث إلى المجتمع رغم أنها هي نفسها نشأت وتطورت داخل الدولة وبفعل المجتمع. أما السبب الثالث لفشل خيار الرهان على الجماعة فيكمن في تراجع قوة الجماعة نفسها، فالاستعراض في الشارع أو التجمع أمام المساجد أو الركوب على المطالب الاجتماعية، لم يعد مؤثرا ولا يشكل فعلا احتجاجيا يحقق المكاسب، ما دفع التنظيم إلى العمل الشبكي المنظم على وسائل التواصل الاجتماعي مستفيدا من زخم تنظيمي يملكه في الخارج تؤكد خطابه داخل هذه المواقع أنه يعيش خارج تحولات الجماعة في الداخل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن شبكة الجماعة في الخارج هي ورقة استقواء بالخارج (فكرة الوطنية الضعيفة) أكثر منها امتدادا تنظيميا للجماعة. إن فشل العدل والإحسان في التحول من حركة “ّتربوية” إلى تنظيم سياسي، لم يمنع مشاركتهم في الحياة السياسية بشكل فعلي، فقد شكلوا قاعدة انتخابية تدعم العدالة والتنمية رجحت كفتها في الانتخابات، بل إن بعض المحسوبين على تيار الجماعة دخلوا الانتخابات الجماعية والتشريعية في لوائح “بيجيدي”. وقد تشكل هذه “الانتقالات”،التي تتم بموافقة ضمنية وتنزع عن الجماعة صفة الاحتياطي الاستراتيجي للدولة، فرصة للتنظيم لتجريب خيار أفضل من الاستعراض في الشارع العام والتأزيم مع الدولة، خيار الديمقراطية الذي يحميه الدستور المغربي ويجعل منه منهاجا لا رجعة فيه وعنه. ولنا في درس تونس عبرة كبيرة، فالمجتمع الذي جرب التغيير الجذري بإسقاط النظام، سرعان ما عاد للانتخابات، عاد إلى الخيار الديمقراطي لبناء الدولة