لا سامح الله عبد الإله بنكيران الذي جعل الكثير من المتلهفين والطامعين في الامتيازات والمكاسب يتصرفون كما يتصرف الصبيان أثناء التنافس مع أقرانهم. فعلى نسيج حسن أوريد الذي سلك مسالك الاستفزاز والتشويش، انطلق الثنائي اسماعيل العلوي ومحمد الخليفة في ممارسة التصابي، عساهما يلفتان نظر من يهمه الأمر، كي ينعم عليهما بتقاعد مريح أو بمنصب سامي جديد يعيدهما إلى الواجهة، رغم تقدمهما في السن. وعلى منوال ما جاء في كتاب “عودة الشيخ إلى صباه”، انضم الثنائي المذكور إلى عدة لجان وتنظيمات، شبابية في غالبيتها، تعيد إليهما الحنين إلى الزمن الماضي، وتشعرهما بشيء من الفحولة في ممارسة النضال في الاتجاه المعاكس، بعدما خفتت أضواء شمعتيهما، ونفذت صلاحيتهما في العطاء النافع. وقد أصبح هذان الشخصان مثيرين للشفقة وهما يتنقلان بين اللجان والتنظيمات الشبابية، وهما في ذلك يشبهان الشيخ الذي فقد ذاكرته، أو البعير الذي فقد أمه، أو تاه عن القطيع. فمن لجنة مساندة توفيق بوعشرين الذي مارس رجولته الذكورية على مجموعة من العاملات في مقاولته الإعلامية، إلى لجنة مساندة حامي الدين المتهم بجريمة قتل الطالب آيت الجيد، إلى الاحتكاك بأسوار حزب العدالة والتنمية، أو البكاء على الأطلال البالية في الحوارات الصحفية. وإذ يصعب على كل عارف في علم النفس تشخيص هذين الحالتين المصابتين بالمراهقة المتأخرة، والتصابي المبالغ فيه، فإن خلاصة ما يمكن أن يستنتجه العارف بأمور السياسة، هو أن هذا الثنائي يشعر بكثير من الإقصاء والتهميش في زمن التغيير والتشبيب، ولا يقبلان أن يحرما من الكعكة التي ظلا ينعمان منها منذ نعومة شبابهما. “آحياني على البزولة”. وهاهو الثنائي امحمد الخليفة واسماعيل العلوي يحولان بيتيهما إلى وجهة لشبيبة العدالة التنمية، التي تلقى بعض أعضائها دروسا إضافية للتقوية في ممارسة السياسة. فبتاريخ 24 و25 ماي الجاري، وفي إطار الدورة 15 لما يسمى بالحملة الوطنية لشبيبة العدالة والتنمية، قام وفد جهوي من أعضاء الشبيبة “البيجيدية” بزيارة لمنزلي كل من اسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، الذي لا يستقبل شبيبة حزبه بمنزله، وامحمد الخليفة الإطار في صفوف حزب الاستقلال، والذي لم نسمع يوما أن شبيبة حزب علال الفاسي دخلت بيته. وخلال هذين اللقاءين استعرضا “الشيخان” عضلاتهما اللسانية والخطابية أمام الشباب المتعطش للكلام، وقدما لهم طابقا من المقويات اللازمة للممارسة السياسية، لتقوية العضلات اللسانية، ودمقرطة الحياة الحزبية، إضافة إلى المواعظ التاريخية بخصوص العمل النضالي منذ عهد الاستعمار. حقيقة أن اسماعيل العلوي لم يستكن إلى التقاعد بعد مساره الحزبي والحكومي الغني بالمناصب والكراسي، فقام بمحاولة ظريفة قادته إلى إقليمالرشيدية -علما أنه متجدر من مدينة سلا- ليساهم في تشييد بعض القنيطرات، ليس حبا في التنمية أو عشقا في عيون أبناء الرشيدية، ولكن توددا وتقربا من رئيس الجهة والوزير السابق الحبيب الشوباني، الذي وقع له اعتمادا ماليا مغريا لعله ينفع شيخنا “الكريم” في استخلاص جزء منه كتعويض عن الدروس الإضافية التي تلقاها أعضاء الشبيبة “الباجداوية” في بيته. ولو كانت جدران بيت اسماعيل العلوي تتكلم، لأخبرت بأن الزعيم التقدمي السابق حدث بعض مقربيه بأنه سيعرض منزله للبيع، لأنه- حسب هذه الأخبار- في حاجة إلى المال. ولم يتسن لنا التأكد من صحة عوز وحاجة اسماعيل العلوي، أم أن الأمر مجرد إشارات موجهة إلى الجهات العليا عساها تتدارك البيت قبل بيعه، وتتدارك رب البيت قبل أن يثقب جيبه. أما امحمد الخليفة، وهو العارف من أين تؤكل كتف “الطنجية المراكشية”، فقد تاهت به السبل فأصبح مصيره داخل حزبه يذكرنا بما حصل لبعض المجموعات الغنائية المغربية، كناس الغيوان وجيل جيلالة، حين تفرق أعضاؤها، وذهب كل يبحث عن حال سبيله. فمنهم من التحق بمجموعة غنائية أخرى، ومنهم من قرر الغناء بشكل منفرد، لكن الخلاصة هي أن أحدا لم يعد يطرب كما كان داخل مجموعته الأصلية. وعليه، ننصح امحمد الخليفة بأن يردد غير بعيد عن جامع الفنا، حيث كان يوجد مكتبه أيام كان نقيبا للمحامين: “وااااامحمد يا وليدي…امحمد قالو مات…وكاع لقبيلة تجمعات …وكان امحمد قايد لعزارة.. وكان امحمد يحارب النصارى”، وهي أغنية من ثراثنا لم ينتبه إليها الخليفة وهو يحكي لأعضاء الشبيبة تاريخ النضال ضد الاستعمار.