وجهت الصحافة الفرنسية اتهامات شديدة اللهجة للدولة ولأجهزتها الأمنية بكونها تمارس خرقا فاضحا لحرية التعبير، وتضييقا خانقا للممارسة الصحفية وصلت الى حد استدعاء عدة صحفيين للتحقيق معهم حول تحقيقاتهم وكتاباتهم الإعلامية. وإذا كانت فرنسا تجتهد كثيرا في توجيه اصابع الانتقاد والاتهام الى غيرها بدعوى عدم احترام حرية الصحافة وحقوق الإنسان، فها هي اليوم تتمرغ في أوحال المظاهرات التي تواجهها بالعنف ضدا عن كل الحقوق الانسانية، وهاهي تضيف اليوم الى ملفاتها السوداء فضائح التضييق على الصحفيين، وحقهم في إخبار الرأي العام بما يجري ويدور داخل هذا البلد الأوروبي. ولعل ما يقع حاليا في فرنسا من انحرافات وتجاوزات كافي جدا لسد الأفواه المشرعة ضد وطنها، و الغارقة في ادعاءاتها واتهاماتها ضد المغرب بإيعاز من أجهزة هذه الدولة التي حق عليها القول وسقطت برجليها في الزبى التي حفرتها لغيرها. فقد استدعت مصالح المديرية العامة للأمن الداخلي بفرنسا، في الأسابيع الماضية، ثمانية صحفيين ورئيس إدارة صحيفة “لوموند”، بدعوى الاشتباه في “خرقهم أسرار يجب حمايتها” من خلال تغطيتهم لحرب اليمن وللأسلحة المستخدمة فيها، وكذا تغطيتهم الصحفية لتداعيات قضيةأليكسندر بنعلا، الحارس الشخصي السابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. و تحت عنوان: “هناك شئ ما غير سليم في هذا البلد”، أعلن موقع صحيفة “لوموند” الواسعة الانتشار ان الشرطة الفرنسية متمادية في استدعاء عدد اكثر من الصحفيين، وانها قامت مؤخرا باستدعاء الصحافية فالنتين أوبرتين معدة ومقدمة البرنامج التلفزي “quotidien”، التي كشفت بنفسها أن استدعاء الشرطة لها في فبراير الماضي كان بهدف التحقيق معها حول روبورطاج تلفزي أنجزته عن بيع الأسلحة الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية. كما تم، لنفس الاسباب، استدعاء مهندس الصوت والصحفية المصورة الذين عملا معها قصد التحقيق معهما يومي 11 و 15 أبريل. ومن جهة أخرى، تضيف “لوموند”، فإن صحافيتها، آريان شومان، التي تطرقت في إحدى التحقيقات المكتوبة إلى قضية بنعلا، علمت الثلاثاء 21 ماي أنه تم استدعاؤها للتحقيق معها يوم 29 ماي المقبل حول هذا الموضوع، موردة بالقول أن مدير النشر “لوك برونر” أوضح في افتتاحية له أن هذا “التحقيق يستهدف بالأساس معلوماتنا في ملف ضابط صف في القوات الجوية، شكري واكريم ، رفيق رئيس الأمن السابق في “ماتينيون”، ماري إلودي بواتوت، مشيرة في نفس الوقت إلى أن رئيس إدارة صحيفة “لوموند”، لويس دريفوس، تم استدعاؤه، هو الآخر، للتحقيق معه في نفس القضية. وتابع موقع “لوموند” أن الصحفيين الثلاثة الذين أنجزوا في منتصف شهر ماي تحقيقا حول ملف تصدير الأسلحة الفرنسية المستخدمة في اليمن، تم استدعاؤهم ايضا من اجل الخضوع للتحقيق حول خرقهم لأسرار ترتبط بالدفاع القومي، وهم على التوالي: مؤسسا موقع “Disclose”، “ماتياس ديستل" و"جيفري ليفولسي”، إلى جانب صحافي من إذاعة فرنسا، “بينوا كولومبات”. كما تم استدعاء صحفي آخر، وهو التاسع في ظرف وجيز، وهو المتعاون في موقع Disclose “ميشيل ديسبراتس”، وسيتم الاستماع له يوم 28 ماي كشاهد في قضية استعمال الأسلحة الفرنسية في اليمن. وعلى إثر هذه الاستدعاءات وجهت الصحافة الفرنسية اتهامات شديدة اللهجة للدولة الفرنسية وأجهزتها وذلك بانتهاك حرية الصحافة، ونددت حوالي أربعين مقالة افتتاحية “بهذه الاستدعاءات التي وصفتها ب الترهيب وبعودة مناهج جديدة لخرق الحرية، علما ان كل هؤلاء الصحفيين لم يقوموا سوى بعملهم الذي يتجلى في نشرهم لمعلومات تهم الرأي العام". من جهتها، دخلت النقابة الوطنية للصحفيين (SNJ) على الخط واعتبرت بدورها أن “هناك شيء غير صحي وغير سليم للغاية يحدث هذه الشهور في فرنسا، بحيث نلاحظ أن هناك رغبة في تخويف الصحفيين ومصادرهم، وهذا أمر من شأنه أن يخلق فضيحة مدوية”. أما المتحدثة باسم الحكومة “سيبيث ندياي”، فقد صرحت في لقاء اذاعه راديو “أوروبا1"، كون” الصحفيين يمكن مقاضاتهم مثل الآخرين وأنه من الطبيعي أن تحمي الدولة بياناتها وأسرارها المرتبطة بالأنشطة الخارجية خاصة الدفاعية والعسكرية”، مضيفة أنه “بالنسبة لليمن، فقد تم تسريب مذكرة سرية تعنى بالأمن القومي للبلاد، و من الطبيعي أن تتساءل الحكومة الفرنسية عن مصادر التسريبات وتقلق بشأن أسباب هذه التسريبات لتجنب أي تلاعب أجنبي ممكن”.