قبل أن نحاول الإجابة عن هذا السؤال نرجو من القارئ الكريم أن يربط أحزمة الأمان، وكأننا على متن طائرة تهم بالإقلاع. فرئيس الحكومة الذي نحن بصدده هو الدكتور سعد الدين العثماني الحاصل على الدكتوراه في الطب العام في كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء سنة 1986، ودون أن نفهم لماذا لم يتفرغ لمهنته كي يعالج المرضى ويسطع نجمه في الطب العام، عندنا وثيقة أخرى تقول إنه تابع تعليمه في دراسة الشريعة، وأنه حصل على شهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله من دار الحديث الحسنية بالرباط في نفس السنة التي حصل فيها على الدكتوراه في الطب العام أي 1986. وحسب معرفتنا المتواضعة، فطلبة الطب والصيدلة في مختلف الكليات المغربية يعانون الأمرين كي يتمكنوا من النجاح في اختباراتهم الشفوية والتطبيقية، يعني “ما كا كينجموش حتى ياكلو بخاطرهم” فكيف لهم بمتابعة الدروس في كليات أخرى وبشكل مواز… فإما أن سعد الدين العثماني أسعده الله بعبقرية خاصة وإلهام استثنائي، وإما أن الأكمة وراءها ما وراءها، وبالتالي يجب أن نحدد أي أكمة نقصد؟ هل كلية الطب والصيدلة أم كلية الشريعة؟ وسيبقى السؤال مطروحا في انتظار جواب شافي، لأنه ليس هو هدف مقالنا هذا. ورغم كل هذه الغرائب فقد التحق سعد الدين العثماني بعد ذلك بالمركز الجامعي للطب النفسي بالدار البيضاء سنة 1994، وحصل على دبلوم التخصص النفسي، ليواصل بحثه الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حتى حصل على دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية 1999، مرة أخرى ها نحن نتيه في عالم هيامي أو سريالي، ينقلنا من العلوم الطبية إلى علوم الشريعة، ومن الطب النفسي إلى الدراسات الإسلامية، وكأن صاحبنا كان يملك جوازا أبيض يسمح له بالتنقل بكامل الحرية بين مختلف الكليات والجامعات والمعاهد والمراكز المغربية.. فسبحان الله القادر على كل شيء. لكن العبقرية التي تفتقت لدى سعد الدين العثماني في الكليات والمعاهد لم يظهر لها أي أثر داخل الحكومة المغربية التي يرأسها حاليا، إذ لا يمكن أن نخفي شعاع الشمس بالغربال، فالأمر يتعلق بأضعف حكومة يقودها أضعف رئيس، وسبحان الله القادر على كل شيء. فالله تعالى الذي وهب للأستاذ الدكتور سعد الدين العثماني هذا العقل وهذه الحكمة، التي قادته إلى الطب العام بكلية الطب والصيدلة، ثم ساقته إلى الطب النفسي بالمركز الجامعي للطب النفسي، فعرجت به نحو دار الحديث الحسنية، ليجد نفسه بعد ذلك أمام كلية الآداب والعلوم والإنسانية، قبل أن يصبح وزيرا للخارجية، فينتهي به المطاف رئيسا للحكومة، لم يهب له لسانا واضحا كي يشرح لنا أسرار العديد من قراراته الغريبة، ومدوناته الكثيرة التي أثارت غضب المواطنين. ومن قرار إلى آخر لم يستطع الدكتور سعد الدين العثماني أن يفسر للمغاربة ما معنى أن يترأس اجتماعا حكوميا عاجلا واستثنائيا من أجل تدارس نقطة واحدة؛ وهي تمديد التوقيت الصيفي في المغرب!! ولماذا يا ترى لم يتم تمرير هذا القرار أثناء المجلس الحكومي الذي يترأسه كل يوم خميس؟. ثم أن الأسئلة من كثرتها تتناثر في كل جانب، ولكن رئيس حكومتنا لا يقوى على الجواب، فما معنى أن يترأس المجلس الحكومي، ويوقع على المرسوم المتعلق بالتوقيت، ثم يسمح لحزبه بطرح أسئلة على وزير هو بمثابة المستشار في ديوانه؟ ما معنى هذا العبث الواضح وهذه السكيزوفرينيا الحكومية؟ فعوض أن يجتمع العثماني مع برلمانيي وأعضاء حزبه، ويمدهم بالخبر اليقين حول السر الكامن في توقيعه المريب على مرسوم حكومي، يبدو الزعيم وكأنه قال لهم اذهبوا عند بنعبد القادر فلديه الرد المتين!! امولاي عبد القادر الجيلالي! والله إنها متاهة تضع فيها هذه الحكومة المواطنين، وكأنها تنبؤهم صراحة أن أجلها أصبح يقترب، وأن داء الزهايمر يعصف بآخر ما تبقى لديها من ذاكرة صالحة للتواصل والإقناع. والآن ها هي الحكومة تذهب أبعد من ذلك وهاهي تخلط الحابل بالنابل، لتصدر قرارات جديدة ستكون لها حتما آثار سلبية وعامة وخاصة بالنسبة للتوقيت الإداري والمدرسي، كل هذه اللخبطة والشخبطة، من أجل أن نرتبط ب”ماما” فرنسا وفق توقيت جرينيتش زائد ساعة أو حواليها، علما أن الأقدار الجغرافية وضعتنا في نفس الخط الذي توجد فيه إنجلترا وهو خط جرينيتش، وعلما أن الصين واليابان لا يعبآن بكل توقيتات العالم، ومع ذلك فنجاحهم الصناعي والتجاري والدبلوماسي منقطع النظير. هل يعتقد العثماني أن المغاربة سيصدقون ما جاء في دراسة الوزير المنتدب المكلف بالإدارة؟ هل يعتقد أن المغاربة سيصدقون قصة اقتصاد الماء والكهرباء وكل هذا الحشو الكلامي؟ ألا يعلم أن الفلاح والحرفي والمهني لا يؤمن إلا بساعة جرينيتش ويعتبر كل التوقيتات الأخرى خاصة بالرباط؟ ألا يلاحظ أن السيل وصل الزبا، وأن السكيزوفرينيا الحكومية تستوجب العلاج، وأن فقيهنا وأستاذنا وطبيبنا النفسي والعضوي سعد الدين العثماني عاجز حتى اللحظة عن تشخيص الداء، وتحديد الدواء…فاللهم ارحمنا برحتمك ونحن على ابواب الموسم الفلاحي. وأخيرا، يحكي لي صديق هو اليوم طبيب عام ناجح في إحدى المناطق القريبة من مراكش، أنه كان برفقة الطالب سعد الدين العثماني، في أحد أيام سنوات الدراسة بكلية الطب والصيدلة وأنهما انتقلا تحت إشراف الأستاذ المؤطر لهما، إلى حيث توجد إحدى الفنانات اللواتي كن يرافقن المبدع محمد رويشة في أغانيه، وأن تلك السيدة كانت تعاني من تعب نفسي كبير أثر على بعض أعضائها، لكنها ما إن رأت العثماني حتى صرخت في وجهه “واش شاداك الخلعة، واش ما نعستيش البارح، مال وجهك اصفر؟” فمن كان المريض ومن هو الطبيب يا ترى؟ المؤكد أن الجواب يملكه القارئ وأن القصة الحقيقية لما قالته الفنانة الشعبية يذكرها سعد الدين العثماني بالكامل.