جاء الخطاب الملكي المفتتح للدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة لوضع حد للغط والتغليط والسخرية التي وجه بها الإعلان عن صدور مشروع القانون رقم 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية، إذ جاء في النطق الملكي أن “الخدمة العسكرية تقوي روح الانتماء للوطن. كما تمكن من الحصول على تكوين وتدريب يفتح فرص الاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام.” وهو مفهوم أوسع من المفهوم الذي أتت به المادة الأولى من هذا القانون الدي اختصر الهدف منه في مساهمة الجميع في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية. والخدمة العسكرية الإجبارية بالمغرب ليست حديثة العهد بل تعود، من حيث بداية تقنينها، إلى ما يفوق الخمسة عقود، حيث صدر بشأنها المرسوم الملكي رقم 13766- المؤرخ في 9/6/1966، أي بعد عشر سنوات من صدور الظهير الشريف رقم 138 56.1. الصادر في 25/6/1956 بإحداث القوات المسلحة الملكية. وقد تم إلغاء قانون الخدمة العسكرية سنة 2007، وكانت مدتها آنذاك 18 شهرا. وعاد الحديث عنها بعد مصادقة المجلس الوزاري ليوم الإثنين 20/8/ 2018 على مشروع هدا القانون إثر مصادقة المجلس الحكومي عليه في اليوم ذاته. وقامت القيامة في مواقع التواصل الاجتماعي حول أسباب نزول عودة هذه الخدمة الإجبارية، وتوزع النقاش بين من تناولها بشكل كاريكاتوري ساخر وبين تفسيرات تباينت وتباعدت إلى حد خلق نوع من الضبابية لدى المواطن البسيط: هل هذه الخدمة نعمة أم نقمة، أم نعمة في طيها نقمة، أم نقمة في طيها نعمة؟.. وهناك من ذهب بعيدا في تفسيره بربطها بالحراك الاجتماعي القائم ووصفها بأنها “أداة في أيدي المخزن لاحتواء الشباب الغاضب”، بل بلغ التشاؤم حيالها حدا يصفها بمحاولة للقضاء على مستقبل شباب انطلق في بناء مساره المهني “المدني” سواء في صفوف الوظيفة العمومية أو الجماعات المحلية أو القطاع الخاص، من حيث قطع هذا المسار بواسطة هذه الخدمة، رغم أن مشروع القانون رقم 44.18 ينص بشكل واضح في مادته 14 على أنهم “يحتفظون بحقهم في الترقي، والتقاعد، والمكافأة والاحتياط الاجتماعي في إطارهم الأصلي، كما يستفيدون من تأمين الوفاة والعجز والمساعدة الطبية والاجتماعية، كما هو الشأن بالنسبة للعسكريين النشيطين. وتتحمل الدولة الحصص أو المساهمات المتعلقة بهذه الحقوق. وفي نهاية خدمتهم العسكرية، يتم إعادة إدماجهم في إطارهم الأصلي”. فيما البعض الآخر يعتبرها ردا لاعتبار الواجب الوطني والوطنية الصادقة وإخراج الشباب من ظلمة الاتكالية وهشاشة الإرادة والانتظارية القاتلة وتشبيبا لصفوف القوات المسلحة الملكية. وهكذا وبعد أن كانت هذه الخدمة مجمدة بسبب ضعف الإمكانيات وغياب معايير للانتقاء وارتفاع التكلفة ومحدودية الطاقة الإيوائية والتأطير، عادت بشكل أحدث ضجة لدى جميع فئات المجتمع، ذلك أن الأمر يبدو غير هين، إذ يتعلق أساسا بفئة هشة تعاني التهميش، وحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط نجد أن نسبة 6،34% من فئة الأعمار ما بين 18 و24 سنة مشكلة من شباب مهمشين لا يستفيدون من التمدرس ولا من أي تكوين، وهي نسبة مهمة من الساكنة تقدر بحوالي 4،1 مليون نسمة. وحسب الإحصائيات ذاتها نصف تعداد هذه الشريحة لايتوفرون على دبلوم وربعه أميون و80% غير نشيطين. وبعيدا عن هذا النقاش الشعبي المتأرجح بين الجدية والاستهتار، بقيت الضبابية تلف هذا القانون الجديد دون أن يقوم المسؤولون المختصون بتنظيم حملة توضيحية لتقريب الشباب والأسر المغربية عامة من فوائد هذه الخدمة الوطنية على البلاد وعلى العباد، وفتح هده المسألة على نقاش عمومي، وفي انتظار موقف البرلمان من عودة هذه الخدمة، يبقى علينا استقراء أسباب نزول هذه العودة في مشروع القانون رقم 44.18 المستند على مقتضيات الفصل 38 من الدستور الذي يقضي بأن يسهم المواطنات والمواطنون في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية، وكدا في الخطاب الملكي الأخير.