على امتداد عقد ونصف تقلد محمد بوسعيد خمسة مناصب وزارية في خمس حكومات مختلفة، واضطر إلى ترك مقعده الوزاري في مناسبتين. هذه خلاصة مسار بوسعيد الذي ازداد في 26 شتنبر 1961 بفاس. بدأ مسيرته بعيدا كل البعد عن السياسة، إذ تخرج من المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس (تخصص الهندسة المدنية) سنة 1986. مباشرة بعد ذلك، اشتغل بوسعيد مستشارا في البنك التجاري المغربي حتى سنة 1992، قبل أن يتولى مهمة مدير عام مساعد لشركة للانتاج وتجارة المنتوجات الكيميائية لسنتين متواليتين. مسلسل الارتقاء سيستمر في مسار بوسعيد بعد ذلك، ليتولى ما بين سنة 1994 و1995 مهمة مسؤول بمديرية المقاولات الكبرى بالبنك المغربي للتجارة والصناعة. بروز إسم بوسعيد بالساحة السياسية سيبدأ في سنة 1995، حين انتُخِب عضوا بالمكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار. وبالموازاة مع نشاطه الحزبي كان يحرص بوسعيد على تطوير معرفته بخبايا العمل الحكومي، إذ تقلد في ظرف ثلاث سنوات فقط (1995 – 1998) منصب رئيس ديوان لكل من وزير الأشغال العمومية، ووزير الفلاحة والتجهيز والبيئة. ومن سنة 1998 إلى 2000 شغل بوسعيد مهمة مدير البرامج والدراسات بوزارة التجهيز، قبل توليه ما بين 2001 و2004 منصب مدير المؤسسات العمومية والمساهمات، فمديرا للمقاولات العمومية والخوصصة بوزارة المالية والخوصصة. خلال هذه الفترة تمكن بوسعيد من أن يصنع لنفسه إسما داخل حزبه وداخل الحكومات المتعاقبة، ليتمكن سنة 2004 بالظفر بأول منصب وزاري له، وتولى حقيبة وزارة تحديث القطاعات العامة، في حكومة إدريس جطو. في سنة 2007، تم تعيين حكومة جديدة يترأسها الأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي الفهري، وكان حزب “الحمامة” من بين أحزاب الأغلبية. هذه المعطيات استغلها بوسعيد وتمكن من الحفاظ على مكانه في الحكومة، من خلال وزارة السياحة والصناعة التقليدية. لكن مغامرته مع الحكومة الجديدة لم تستمر إلى نهاية الولاية الحكومية، إذ عصف به تعديل حكومي بداية سنة 2010. بعد تركه الحكومة، تم تعيين بوسعيد في شهر مارس من نفس السنة، في منصب الوالي على جهة سوس ماسة درعة، عامل على عمالة أكادير إداوتنان، ثم واليا على جهة الدارالبيضاء الكبرى، عاملا على عمالة الدارالبيضاء، وذلك في ماي 2012. لكن سرعان ما سيعود بوسعيد مرة أخرى إلى الحكومة، من باب تعديل حكومي آخر. ففي سنة 2013، قرر حزب الاستقلال، الذي كان ضمن الأغلبية آنذاك، الخروج من الأغلبية والاصطفاف في المعارضة، وهو ما اضطر الأمين العام للعدالة والتنمية آنذاك، ورئيس الحكومة السابقة عبد الإله بنكيران إلى فتح الباب أمام حزب التجمع الوطني للأحرار من أجل إنقاذ الحكومة التي فقدت أغلبيتها البرلمانية. وكان بوسعيد من بين الوزراء الذين اقترحهم حزب التجمع الوطني للأحرار، فتم تعيينه في العاشر من أكتوبر 2013 وزيرا للاقتصاد والمالية. بوسعيد أعيد تعيينه من جديد على رأس ذات الوزارة سنة 2017، إبان الولادة العسيرة لحكومة سعد الدين العثماني، لكنه أعفي من مهامه كوزير للاقتصاد والمالية من طرف الملك بعد سنة وثلاثة أشهر من توليه لهذا المنصب. قرار الإعفاء، الذي صدر في بلاغ للديوان الملكي، جاء في إطار تفعيل مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي يحرص الملك أن يطبق على جميع المسؤولين مهما بلغت درجاتهم، وكيفما كانت انتماءاتهم، وفق ما أكده البلاغ. صيغة البلاغ طرحت عددا من التساؤلات حول ضعف أداء الوزارة التي كان يشرف عليها بوسعيد، إذ كشف تقرير لوالي بنك المغرب عن مكامن ضعف الاقتصاد الوطني، وكشف أن المملكة بحاجة إلى إقلاع اقتصادي حقيقي. التقرير أماط اللثام عن مجموعة من العراقيل التي تتعرض لها الاستثمارات الأجنبية داخل المغرب، في الوقت الذي يُتطلب من الحكومة بذل مجهودات أكبر من أجل استقطاب مزيد من الاستثمارات وتحقيق الإقلاع الإقتصادي. حين يقف المرء أمام قصة بوسعيد، يتبين أن مسار الرجل طبعه الصعود والنزول. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا الآن، هل سينهض بوسعيد مرة أخرى بعد هذه السقطة الأخيرة؟