عام الحزن، كان من أحلك المحطات التاريخية التي طبعت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعزى ذلك إلى تكالب الأحداث المؤلمة والشدائد، التي حلت به صلى الله عليه وسلم، خصوصا وأن هذه السنة تزامنت مع وفاة كل من أم المؤمنين خديجة، وأبي طالب. فقد نشأ الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في بيت عمه أبي طالب، الذي تكفل بحمايته من بطش قريش وأذاها، ولطالما دافع عنه ودفع عنه أذى المشركين. لكنّ قريشاً أخذت تضيق على النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى كتبوا تلك الصحيفة الظالمة، وحبسوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في شعب أبي طالب ثلاث سنوات إلى أن سعى بعض الناس في نقض هذه الصحيفة فرجع بنو هاشم وبنو المطلب إلى مكة. وما إن خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من شعب أبي طالب حتى تتابعت عليه المحن والأحزان.. فقد مات عمه أبو طالب، الذي كان يدافع عنه وينصره.. فعن علي- رضي الله عنه- قال: أخبرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بموت أبي طالب، فبكى ثم قال: «اذهب فاغسله وكفنه وواره، غفر الله له ورحمه». ولم تكن المصيبة في موته فحسب، بل كانت المصيبة في أنه مات كافراً مع أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يتابعه بالدعوة حتى آخر لحظة من عمره. ولم يمهل القدر سيد قريش ورئيس مكة الذي ساد بشرفه لا بماله فمات في السابع من رمضان سنة عشرة للبعثة النبوية الشريفة وعمره آنذاك ست وثمانون سنة. وتكالبت قريش ونالت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأصابته بعظيم الأذى بعد فقدان الحارس الأمين والناصر لدين الله سيد البطحاء أبو طالب، وتوالت الأحزان والآلام على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه في نفس السنة فقد زوجته خديجة أم المؤمنين. إضافة إلى ذلك، لو تتبعنا أبو طالب في أخلاقه وأفعاله وسيرته وسلوكه وتربيته قبل البعثة، لوجدناها هي نفس السيرة والسلوك والأخلاق والأفعال التي كان عليها النبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي نفسها تعاليم الدين الإسلامي الجديد المستمدّة من دين إبراهيم.