خلال هذه السلسلة الرمضانية، سيغوص "برلمان.كوم" بقرائه في عالم شخصيات طبعت تاريخ المغرب المعاصر في مجالات متعددة، الفن والرياضة والفكر والسياسية والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى المال والأعمال. "برلمان.كوم" وليقربكم أكثر منها، ارتأى تقديم نبذة عن تلك الشخصيات التي سلط الضوء على حياتهم وأهم أعمالها، والأحداث التي أدخلتهم سجل التاريخ المغربي المعاصر من بابه الواسع. وفي هذه الحلقة، سنقدم معطيات وبعض الجوانب من حياة الراحل علال الفاسي الذي يعد واحدا من أكبر علماء و أدباء ومفكري العصر الحديث بالمغرب، إلى جانب كونه زعيما سياسيا ساهم في تأسيس الحركة الوطنية التي كان لها دور كبير في استقلال البلاد. المولد والنشأة ولد علال ابن المفتي العالم عبد الواحد بن عبد السلام بن علال الفهري الفاسي يوم 20 يناير من سنة 1910 بمدينة فاس، واشتهرت عائلته بآل الفاسي الفهري، وكان علال يحظى باهتمام وعناية كبيرة من طرف والده لأنه كان ولده الوحيد. مساره الدراسي تلقى علال الفاسي تعليمه الأولي بالكتّاب على يد الفقيه محمد الخمسي، ليلتحق بعد ذلك بالمدرسة العربية الحرة بفاس القديمة لتعلم مبادئ الدين وقواعد اللغة العربية، وفي سنة 1920 التحق علال الفاسي بجامعة القرويين، حيث تتلمذ على يد علماء كبار أمثال الفقيه محمد بن العربي العلوي، والقاضي أحمد بن المأمون البلغيثي، والقاضي عبد الله الفضيلي، والفقيه الشيخ أبي شعيب الدكالي، وغيرهم، إلى أن حصل على الإجازة وشهادة العالِمية. المسؤوليات والمهام شغل علال الفاسي منصب وزير للدولة المكلف بالشؤون الإسلامية سنة 1960، ثم انسحب من الحكومة مع باقي الأعضاء من حزب الاستقلال عام 1962. عين علال الفاسي مقررا عاما في لجنة مدونة الفقه الإسلامي، وأستاذا بكلية الشريعة التابعة لجامعة القرويين، وبكليتي الحقوق والآداب لجامعة محمد الخامس ودار الحديث الحسنية بالرباط. انتخب بعد ذلك عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، وبقي رئيسا لحزب الاستقلال وأمينا عاما له في الفترة 1960-1967. توجهاته الفكرية والسياسية أدرك علال الفاسي أن لا خلاص للأمة العربية والإسلامية من قبضة الاستعمار سوى بالعودة إلى التشبث بالمبادئ والقيم المثلى للدين الإسلامي وتصحيح أخطائها عبر الانفتاح على باقي الحضارات والثقافات، ويعتبر كتابه “النقد الذاتي” من أهم مؤلفاته التي تتضمن رؤيته الشاملة لإصلاح الوطن والأمة. مساره السياسي واجه علال الفاسي مخططات الاستعمار بقوة انسجاما مع قناعاته الفكرية والسياسية، وتمكن من أن يكون أحد أعمدة الحركة الوطنية، ومن قادتها البارزين، تصدى للظهير البربري، والذي كانت تسعى فرنسا من وراءه إلى التمييز بين المغاربة الأمازيغ والعرب، بحيث لا يخضع الأمازيغ للتشريع الإسلامي المتعلق بظام الأسرة والميراث، مقابل تدريسهم الأمازيغية والفرنسية في التعليم، بهدف تجزئة المغرب لغويا وسياسيا. واعتقلت القوات الفرنسية علال الفاسي بسبب دوره البارز في إسقاط هذا المخطط الاستعماري لتفرج عنه بعد ذلك، و تقرر منعه من التدريس. فانصرف إلى جامع القرويين يلقي الدروس العلمية الليلية عن تاريخ الإسلام. حاولت فرنسا اعتقال علال الفاسي عام 1933 فسافر إلى إسبانيا وسويسرا، والتقى بالأمير شكيب أرسلان وعدد من الزعامات التحررية في العالم العربي والإسلامي. بعد أن عاد إلى المغرب عام 1934 لم يقبل أن يكون وزيرا للعدل، رافضا العمل تحت مظلة الاستعمار، وأسس أول نقابة للعمال عام 1936، وكتلة العمل الوطني السرية عام 1937 (النواة الأولى لحزب الاستقلال). غضب الاستعمار الفرنسي من علال الفاسي فنفاه إلى الغابون في الفترة 1937-1941، وبعدها إلى الكونغو لغاية عام 1946 حيث عاد للبلاد وأسس حزب الاستقلال. ومن أجل حشد الدعم الدولي لاستقلال المغرب والدفاع عن قضيته، سافر علال الفاسي إلى عدد من الدول العربية والأوروبية، لكن فرنسا منعته من الدخول إلى المغرب عام 1949، فأقام في مدينة طنجة لكونها يومئذ منطقة دولية. وفي سنة 1953 دعا الشعب المغربي للثورة ضد فرنسا بعد نفيها الملك محمد الخامس عام 1953 إلى جزيرة مدغشقر. وبعد عودة الملك من المنفى وحصول المغرب على الاستقلال عام 1956، رجع علال الفاسي للمغرب عام 1957 وقاد حزب الاستقلال، وتولى وزارة الدولة للشؤون الإسلامية عام 1961، ثم استقال عام 1963 مع باقي أعضاء الحزب في الحكومة وخرج إلى المعارضة. مؤلفاته رغم انشغاله بالنضال السياسي أيام مقاومة الاستعمار وبعد الاستقلال، استطاع العالم والزعيم السياسي أن يؤلف كتبا عديدة تزيد على الثلاثين في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى مئات المحاضرات والمقالات والمذكرات والخطب السياسية والقصائد الشعرية. ومن بين أشهر مؤلفاته: النقد الذاتي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، دفاع عن الشريعة، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، وصحراء المغرب المغتصبة، الإسلام وتحديات العصر. وتوفي علال الفاسي يوم الاثنين 19 ماي 1974، في العاصمة الرومانية بوخارست، وهو في مهمة دبلوماسية على رأس وفد من حزب الاستقلال.