ضربة جديدة للنظام الجزائري.. جمهورية بنما تعمق عزلة البوليساريو    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    وهبي يشارك في انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب    كأس إفريقيا للسيدات... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة الكونغو والسنغال وزامبيا    الصحف الصينية تصف زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالمحطة التاريخية    نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة    التعادل يحسم ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعداد و تحضير مشروع قانون المالية
نشر في برلمان يوم 02 - 05 - 2014

تعتبر المالية العامة فرع من فروع القانون العام، وتعرف بكونها العلم الذي يعنى بدراسة القواعد المنظمة للنشاط المالي للدولة والهيئات العامة للحصول على الأموال اللازمة لإنفاقها في سبيل إشباع الحاجات العامة وذلك بتنظيم النفقات العامة والإيرادات العامة تنظيما يتفق والأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تهدف لها الدولة.
وترجع أصول الفكر المالي إلى المفكرين القدامى في الحضارات الأولى (الفراعنة – الإغريق) بالرغم من أن الشؤون الاقتصادية والمالية البحتة لم تشغل أذهان أولائك المفكرين ، فقد أخذت كثير من الحكومات القديمة إلى جانب اعتمادها على ما يفرض على الشعوب المغلوبة تنظيم بعض الضرائب غير المباشرة التي تتكون عناصرها الرئيسية على الرسوم التي تفرض على ثقل ملكية الأرض وعلى المعاملات التجارية المختلفة .
إلا أن المالية في مفهومها الحديث لم تظهر إلا بعد الصراع التاريخي الطويل الذي شهدته إنجلترا، فلقد أبرزت الحركات الشعبية التي قامت في هذه الدولة خلال القرنين السابع والثامن عشر أهمية المالية العامة، وأدت هذه الحركات إلى ظهور مزيد من الأبحاث في هذا المجال، كما كان للثورة الفرنسية الأثر الكبير في تطور القواعد المالية وظهور الأصول النظرية لعلم المالية العامة،[1] حيث تم تقرير عدم شرعية أي ضريبة لم تأذن بفرضها وجبايتها الجمعية الوطنية التأسيسية في عام 1789.
وقد تكرس نفس المبدأ وذلك بشكل واضح في شرعية حقوق الانسان والمواطن التي أكدت على أن من حق الشعب مباشرة أو بواسطة ممثليه أن يتأكد من ضرورة فرض الضرائب وأن يوافق عليها بمبدأ الحرية، ويراقب استعمالها، ويقرر أساسها ونسبتها، وطريقة جبايتها، ومدتها (المادة 14).
أما في المغرب، فإن تطبيقات المالية العامة لم تظهر إلا في بداية القرن العشرين، ذلك أن نظامه المالي ظل مستمدا من النظام المالي الإسلامي، ولم تعرف أول ميزانية بالمفهوم الحديث إلا في سنة 1910، وهي ميزانية جهوية همت بعض مناطق المغرب.
وبعد فرض الحماية على المغرب عملت المديرية العامة للمالية التي أنشأت في يوليوز 1912 وضمت مصلحة للميزانية وأخرى للأملاك المخزنية على وضع أول ميزانية عامة للملكة برسم السنة المالية 1913 – 1914 في شكل وثيقة مرقمة من حوالي 60 صفحة، تضمنت تقديرات الموارد والنفقات المتعلقة على التوالي، بالمغرب الشرقي وغرب المغرب والقروض التي أضيفت إليها تقديرات ومصاريف المصالح الإدارية المركزية.[2]
أما في عهد الاستقلال فقد صدرت أول ميزانية عامة تشمل المغرب الموحد سنة 1958، وكان أول قانون تنظيمي للمالية سنة 1963 حيث أصبح بموجبه يتم وضع مقدرات الميزانية بالدرهم بدل الفرنك الفرنسي (الأقاليم التي كان يسيطر عليها المستعمر الفرنسي) أو البسيطة الحسنية (الأقاليم التي كان يسيطر عليها المستعمر الإسباني).[3]
بعد ذلك جاء القانون التنظيمي لسنة 1972 الذي تم تعديله بموجب القانون التنظيمي رقم 7-98 الذي أصبح يعطي أهمية قصوى للتوازن المالي والاقتصادي. كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون التنظيمي 14/00 الصادر بالظهير رقم 1.00.195 بتاريخ أبريل 2000.[4]
وبالرجوع إلى النصوص القانونية والتنظيمية، يظهر بأن قانون المالية يمر بأربعة مراحل أساسية (مرحلة التحضير، الترخيص، التنفيذ ومرحلة الرقابة)، وتستوجب عملية التحضير الذي هي موضوع هذه الدراسة، إتباع إجراءات معينة واحترام مبادئ هامة.
وبالرغم من كون هذه العملية مشتركة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلا أن أغلب الدول أجمعت على إسناد عملية إعداد المشروع إلى السلطة التنفيذية، وذلك لأسباب تاريخية وفنية عملية،
يبقى أن نشير إلى أن معرفة تحضير مشروع القانون المالي تثير انتباه الكثيرين، نظرا لما يكتسيه الموضوع من أهمية بالغة لارتباطه بحياة الأفراد داخل المجتمع، لذلك فالبحث في هذا الموضوع سينير-لا شك-طريق من يهتم بالقوانين المالية بدءا بتحضيرها، وتبيان الجهات المتدخلة في هذه العملية، وكذا المساطر المتبعة في ذلك.
من هذا المنطلق يمكن صياغة الإشكالية المحورية التالية : ما هي الخطوات والترتيبات الأساسية التي من خلالها تصبح الميزانية العامة أداة فعالة في تحقيق الأهداف المسطر لها من قبل الحكومة؟
ومحاولة منا للإجابة على الإشكالية المطروحة حاولنا تقسيمالموضوع إلى مبحثين اثنين، الأول يتطرق لمعرفة الجهات المتدخلة في إعداد مشروع قانون المالية، في حين خصص المبحث الثاني لمعرفة مسطرة تحضير مشروع قانون المالية.
المبحث الأول : الجهات المتدخلة في إعداد مشروع قانون المالية
ولئن تعددت أنظمة تحضير الميزانية إلا أننا نجد أن حق تحضير و إعداد قانون المالية على السلطة التنفيذية وحدها فعلى السلطة التنفيذية تقع مسؤولية تحقيق أهداف المجتمع الاجتماعية و الاقتصادية و من الناحية العملية فإن السلطة التنفيذية أقدر من السلطة التشريعية على تحضير و إعداد الميزانية ، فهي بمالها من أجهزة حكومية و إمكانيات فنية أدرى و لا شك بمقدرة القطاعات و الفئات المختلفة على تحمل الأعباء المالية.
ولذلك فإن المادة 32من القانون التنظيمي المتعلق بالمالية تنص على أن الوزير المكلف بالمالية هو الذي يتولى تحضير مشاريع قوانين المالية وذلك تحت سلطة الوزير الأول.
وحيث أن كلا من وزير المالية والوزير الأول (رئيس الحكومة وفق الدستور الجديد) ينتميان بطبيعة الحال للحكومة, فإن الذي يهم من هذا التنصيص في هذه المرحلة من التحليل هو أن الجهاز التنفيذي هو الذي خول له القانون مسؤولية تحضير قانون المالية وليس جهاز آخر. واللافت للنظر هو الدور المركزي الذي يحظى به وزير المالية ووزارته بطبيعة الحال على هذا المستوى، وبصورة عامة تظل السلطة التنفيذية هي المختصة في جميع الأحوال بتحضير وإعداد الميزانية لأنها هي من يسأل على تنفيذها
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأخيرة تشارك بأكملها في التحضير فحتى مع إيلاء المغرب أهمية كبيرة لوزارة المالية (المطلب الأول) في عملية الإعداد ، إلا أن هذه الأخير لا يحضرها بمفرده بل يشاركه في ذلك كل الوزراء الآخرين (المطلب الثاني) : فكل وزير يضع التقديرات المتعلقة بوزارته ويقدم بشأنها اقتراحات لوزير المالية . وأن نفس هذا الوزير يعتبر مشاركا في التحضير الجماعي للميزانية ككل حينما تتقدم حكومته بكاملها بالتصريح الحكومي عند أول توليها مقاليد التدبير، إذ لا يعتد به إلا عبر ترجمته إلى أرض الواقع.
المطلب الأول : وزارة المالية
تتوفر وزارة المالية على أجهزة إدارية متخصصة في الميدان المالي، وتتكلف عمليا بتحقيق التوازن الاقتصادي والمالي العام. لذلك منحها المشرع مهمة تحضير مشروع قانون المالية ويأتي على رأس هذه الأجهزة وزير المالية (الفرع الأول)، وتساعده على ذلك مجموعة المصالح المختصة (الفرع الثاني)
الفرع الأول : وزير المالية
يكلف القانون الوزير المكلف بالمالية بتحضير مشروع قانون المالية وذلك تحت سلطة الوزير الأول وفي ذلك تنص المادة الأولى من مرسوم 401.98.2 الصادر بتاريخ 26 أبريل 1999 والمتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية على ما يلي : “وفقا لأحكام المادة 32 من القانون التنظيمي المشار إليه رقم 98.7 يتولى الوزير المكلف بالمالية تحضير مشروع قانون المالية تحت سلطة الوزير الأول,,,,”
ومن هذا المنطلق فإن اختصاص إعداد مشروع القانون المالي يرجع أساسا إلى وزارة المالية، أي أن الدور الأساسي في الإعداد يعود إلى وزير المالية، حيث أنه يحتل وضعا متميزا في الحكومة ذلك أن الفصل الأول من المرسوم رقم 539.78.2المتعلق بشغل واختصاص وتنظيم وزارة المالية ينص على أنه “يتولى وزير المالية إعداد السياسة المالية والنقدية وسياسة القرض والمالية الخارجية للدولة ويتتبع تنفيذها وفق النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها…..”[5]
وبالوقوف على مدلول المادة المذكورة (أي المادة 1 من المرسوم المنظم لوزارة المالية) يتبين لنا الدور الكبير والصلاحيات الواسعة المخولة لوزير المالية، حيث أن له الخق في إعداد مشاريع القوانين المالية وتنفيذها وحق السهر على استخلاص الموارد العمومية ومراقبة عمليات تحصيلها وسلطة الإشراف على أداء النفقات العمومية وصلاحية تحديد أسس السياسة الجبائية والجمركية الوطنية والإشراف على تطبيقها، وحق التوقيع بالعطف على كل المراسيم التي يكون لها أثر مالي، وامتياز منح موافقته على كل مشاريع القوانين والأنظمة التي يهيئها باقي الوزراء في تدبير شؤون وزارتهم إن كان لها انعكاس مالي مباشر أو غير مباشر، حيث يجب أن تذيل سلفا هذه المشاريع بتأشيرة وزير المالية طبقا لنص المادة 33 من مرسوم 26 أبريل 1999 المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية.
وبما أن كل النصوص الوزارية تكون لها انعكاسات مالية مباشرة أو غير مباشرة (كالنصوص المتعلقة بعمليات التوظيف أو بالصفقات العمومية، أو بإنجاز الدراسات….)، فإن هذه المسطرة تمكن وزير المالية من الاطلاع على جل المشاريع والقرارات التي يتخذها باقي الوزراء.
ويزداد دعم سلطات الوزير المكلف بالمالية بعدة أدوات أخرى تبرز مدى تفوق سلطته المالية والسياسية في مواجهة باقي أعضاء الحكومة : فهو يتمتع بحق مراقبة مقترحات باقي الوزراء من أجل الالتزام بالنفقات، وذلك بواسطة جهاز مراقبة الالتزام بالنفقات حيث يمثله مراقب داخل كل وزارة يعهد له بدراسة مقترحات الالتزام بالنفقات داخل هذه الوزارة، ويقوم بمسك محاسبة التزاماتها بالإنفاق، ويراقب مدى شرعية عملياتها الإنفاقية قبل أن يقع الالتزام بها، ويبعث بنتيجة هذه المراقبة في إطار بيان شهري إلى المراقب العام يبين فيه الاعتمادات المفتوحة للآمر بالصرف، أو لمن ينوب عنه، والنفقات المؤداة خلال نفس هذا الشهر من تلك الاعتمادات، ليتولى المراقب من جانبه إخبار الوزير المكلف بالمالية بمحتوى هذه البيانات الشهرية، فيكون بإمكان هذا الأخير نتيجة لذلك تتبع تطور عمليات إنفاق باقي الوزراء وبالتالي تحديد احتياجاتهم الحقيقية قبل أن يتوصل بمشروع طلباتهم النهائية.[6]
الفرع الثاني : المصالح المتخصصة التابعة لوزارة المالية
تساعد وزير المالية من أجل القيام بالمهام المنوطة به العديد من المصالح المتخصصة التابعة لوزارته، وفي مقدمتها مديرية الميزانية التي تقوم بدور محوري في إعداد مشاريع قوانين المالية تؤازرها في ذلك باقي المديريات الأخرى، ويتعلق الأمر بمديرية الخزينة والمالية الخارجية، الخزينة العامة للملكة، مديرية الضرائب، إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
مديرية الخزينة والمالية الخارجية : تتولى مهمة تحقبق توازن المالية العامة وتعبئة جميع المساعدات الداخلية والخارجية اللازمة لهذا الغرض وتباشر عمليات الخزينة وتقوم بإصدار الاقتراضات وتوظيفها وتشرف على تسيير الدين العام الداخلي والخارجي…..
الخزينة العامة للملكة : وتسهر على تنفيذ الميزانية أي تحصيل الموارد العامة ودفع النفقات العامة بالإضافة إلى اختصاصات أخرى وتلعب دورا هاما في التحضير الجيد لتقديرات مشروع القانون المالي من خلال تجميع ومركزة الحسابات المتعلقة بتنفيذ القانون المالي وتعتبر أداة هامة لتقييم الموارد من حيث كونها المسؤولة عن التحصبل.
مديرية الضرائب : ويعهد إليها بتحضير مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضرائب المباشرة والرسوم المماثلة لها والضريبة على القيمة المضافة وحقوق التسجيل والتنبر فهي تمارس دورا هاما في الميدان الجبائي.
إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة : ويعهد إليها بدراسة وإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالجمارك والرسوم الداخلية على الاستهلاك وكذا بتنفيذ النصوص التشريعية والتنظيمية في هذا الميدان وتعمل على تطبيق القوانين والأنظمة في ميدان مراقبة التجارة الخارجية والصرف والضرائب على المنتجات والخدمات وفقا للشروط والحدود المعينة في النصوص الجارية على هذه الميادين مما يؤهلها للمساهمة في تقدير الموارد الجمركية التي يتضمنها القانون المالي.[7]
بالإضافة إلى المصالح المتخصصة التابعة لوزارة المالية فإن بقية الوزراء تشارك وزير المالية في إعداد وتحضير قانون المالية وذلك بصفة فردية أو جماعية وهذا ما سيكون موضوع المطلب الثاني.
المطلب الثاني : المجلس الوزاري
الفرع الأول : رئيس الحكومة
تدعيما لمؤسسة رئيس الحكومة وانسجاما مع التحولات السياسية والدستورية التي شهدتها بلادنا في السنين الأخيرة من جهة، “وحتى لا تبقى هناك هيمنة لوزارة المالية”[8] في مجال تحضير مشروع القانون المالي من جهة أخرى. فقد تم التنصيص في إطار القانون التنظيمي لقانون المالية الجديد على تحضير مشاريع قوانين المالية تحت سلطة رئيس الحكومة.[9]
وتبرز هذه السلطة على مستويين، هما التوجيه والتحكيم
فرئيس الحكومة باعتباره مسؤولا دستوريا، عن وضع السياسة الحكومية وعن تنسيق مختلف النشاطات الوزارية (الفصل 89- 90 – 92) يتوفر على نظرة شمولية، وليس فقط قطاعية، تؤهله لتحديد الاختيارات والأولويات الاقتصادية والاجتماعية وماتستلزمه من تكييفات لأدوات المالية العامة (ضرائب، رسوم، قروض، نفقات…) تحقيقا للتوازنات الاقتصادية والاجتماعية والمالية المرجو بلوغها.
من هذا المنطق فإن رئيس الحكومة يعد بمناسبة الشروع في إعداد مشروع قانون المالية، رسالة تأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات وفي ضوئها تشرع وزارة المالية ومختلف الوزارات والمصالح الحكومية في تحضير المشروع المذكور.
وترفق هذه الرسالة التوجيهية عادة ما تسمى “رسالة التأطير” “lettre de cadrage” التي تحدد الأغلفة المالية التي يتعين على مختلف القطاعات الحكومية الالتزام بها عند إعداد مقدرات ميزانياته القطاعية برسم السنة المعنية.
كما يتولى رئيس الحكومة، خلال مختلف مراحل إعداد مشروع القانون المالي، التحكيم بين وزير المالية وباقي الوزراء في شأن الخلافات التي قد تنشأ حول الغلاف المالي المخصص لكل وزارة، أو حول عدم مطابقة مقترحات إحدى الوزارات للتوجيهات الحكومة المتضمنة في الرسالة التوجيهية للوزير الأول.
وأخيرا فإن رئيس الحكومة يرأس المجلس الحكومي الذي ينعقد لبحث مشروع القانون المالي. وتتسم المناقشات عادة داخل المجلس، الذي تستغرق أشغاله في الغالب ثلاث اجتماعات أو أكثر، بالحدة، إما لكون بعض الوزاراء يعتبرون أن الموارد الموضوعة رهن تصرفهم غير كافية أو لأن بعض المقتضيات القانونية المقترحة لا يتحقق حولها الاتفاق. وغالبا ماتقضي هذه المناقشات إلى الوصول إلى حلول توافقية وإلى إغناء المشروع وإعادة صياغته بشكل يحظى بالإجماع، ولكن دون المساس بتوجيهاته العامة وتوازناته الأساسية.[10]
الفرع الثاني : مجلس الوزراء
ينص الفصل 92 من الدستور المراجع “يتداول مجلس الحكومة، تحت رئاسة رئيس الحكومة في “…مشاريع القوانين، ومن بينها مشروع قانون المالية، قبل إيداعها بمكتب مجلس النواب دون إخلال بالأحكام الواردة في الفصل 49 من هذا الدستور ”
كما تنص المادة 64 من المرسوم المتعلق بالمحاسبة العمومية على اعتبار الوزراء آمرين بالصرف بحكم القانون فيما يتعلق بمداخيل ونفقات وزارتهم، حيث يباشرون مهام الالتزام بنفقات المصالح التابعة لهم، والسهر عليها والأمر بأدائها، كما يتم استخلاص مداخيل تلك المصالح تحت إشرافهم.
ونتيجة لما تقدم يظهر أن كل وزير أدرى بتقدير الاعتمادات التي يتطلبها تسيير المصالح الخاضعة لسلطته خلال كل سنة مالية، والأجدر بتوقع قيمة المداخيل التي يمكن استخلاصها بارتباط مع أنشطة هذه المصالح، فكان طبيعيا نتيجة لذلك أن يعهد لكل وزير – في نطاق احترام التوجيهات والتوصيات العامة، كما يتم الاتفاق عليها داخل المجلس الحكومي، وكما ترد بها رسالة الإطار- بتحضير ميزانية المصالح المركزية والمصالح الخارجية الخاضعة لنفوذه.[11]
وطبقا لنص الفصل 49 من الدستور الذي ينص على أن المجلس الوزاري يتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية، فإن المجلس ينعقد من أجل تحديد مشروع القانون المالي، مبدئيا، قبل 20 أكتوبر من كل سنة، برئاسة جلالة الملك الذي يستفسر الحكومة حول بعض جوانب المشروع ويبدي ملاحظاته وتعليماته بهذا الصدد.
ولما كان جلالة الملك هو الذي يرئس مجلس الوزراء (الفصل 48 من الدستور) ويعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. كم أنه يعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها (الفصل 47 من الدستور)، ويمكنه أيضا وفق نفس النص الدستوري أن يعفي عضو أو أكثر بمبادرة من رئيس الحكومة أو بناء على استقالته، لكل ذلك يستنتج أن “الملك له الكلمة الفصل أو النهائية في تحديد أو توجيه إعداد مشروع قانون المالية”
وإثر مصادقة المجلس الوزاري على مشروع القانون المالي يطبع بالمطبعة الرسمية ويرسل لرئيس الحكومة قصد إيداعه بمكتب أحد مجلسي البرلمان، وذلك قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير كما تنص على ذلك الفقرة 1 من المادة 33 من القانون التنظيمي رقم 7.98.[12]
المبحث الثاني : مسطرة تحضير مشروع قانون المالية
إن تحضير الإطار العام لمشروع القانون المالي يعتمد إستراتيجية محكمة تتوقف عليها مالية الدولة في السنة المالية المقبلة ، وبهذا الإطار تفتح الحكومة عمليا مسطرة تحضير مشروع القانون المالي ، وتقوم بهذه العملية مديرية الميزانية بمساعدة مديرية الدراسات والتقديرات ، وتعتمد مديرية الميزانية في عملها على طلب الاعتمادات من طرف الوزارات ومناقشة الاقتراحات المقدمة من طرفها.
فبعد أن توجه رسالة التأطير إلى مختلفي الوزراء وكتاب الدولة في غضون أكتوبر من كل سنة ، و بتعبير أدق تتم دعوة الآمرين بالصرف إلى توجيه اقتراحاتهم بشأن الموارد و النفقات ، سواء منها نفقات التسيير أو نفقات الاستثمار ، و توجيهها إلى مديرية الميزانية قبل نهاية الشهر السادس
بعد ذلك يتكلف كل مفتش للمالية تابع لمديرية الميزانية بملف وزارة أو أكثر، ويتفحص ما تضمنته المقترحات ويتأكد من احترامه للتقلبات والتوجيهات المنصوص عليها في رسالة التأطير، وللاطار الشكلي المحدد للمقترحات (تبريرات، مستندات وملحقات..) وذلك قبل تحديد تاريخ لمناقشة اقتراحات كل وزارة على حدة في إطار لجنة مختصة تضم مدير الميزانية، والمسؤول الذي أسندت له دراسة وتقييم ميزانية الوزارة المعنية وممثل عن هذه الأخيرة، وتبدأ الاجتماعات لمناقشة الاقتراحات المتعلقة بالموظفين ثم المعدات ثم النفقات المختلفة، ويتم كل هذا في مناقشة فرع بعد آخر. وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق بخصوص موضوع النفقات الجديدة – وهي كثيرة الحدوث- ترفع المسألة على مستوى أعلى حيث يعد أعضاء اللجنة تقريرا بهذا الصدد لوزير المالية يرتكز عليه في مناقشته مع الوزير المعني بالخلاف وإذا لم يحصل اتفاق على هذا المستوى ترفع المسألة أمام رئيس الحكومة الذي يحاول التوفيق بين الموقفين، وإذا لم يتم التوصل إلى حل يبت في الأمر في المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك والذي له صلاحيات واسعة في هذا الشأن. ومع نهاية المفاوضات بشأن المقترحات المالية يمكن للحكومة أن تحدد المبالغ القصوى للاعتمادات المتعلقة بكل وزارة وبالتالي نكون أمام صيغة مشروع القانون المالي.
لكن قبل أن نتطرق لصيغة مشروع القانون المالي في المطلب الثاني، نلقي أولا نظرة على طرق تقدير الموارد والنفقات العامة في مطلب أول.
المطلب الأول : طرق تقدير المالية العامة
تسعى السلطة التنفيذية حين إعداد وتحضير الميزانية أن تكون تقديراتها مطابقة للواقع بقدر الإمكان، حتى تتمكن من تنفيذ السياسة المالية للدولة دون حدوث أي اضطرابات متعلقة بزيادة النفقات ونقص الإيرادات عما هو متوقع و يتم إعادة تقدير النفقات والإيرادات في الميزانية بعدة طرق.
الفرع الأول : طرق تقدير النفقات العامة
أ‌- الطرق النظرية المعتمدة في تقدير النفقات العامة
تتجلى أهم هذه الطرق في :
* الطريقة الكلاسيكية : التقدير المباشر :
تستعمل هذه الطريقة من قبل الموظفين المختصين في الهيئات المختلفة تبعا للحاجات المنتظرة مع مراعاة الدقة بمعنى أن يكون هذا التقدير واقعي وبعيد عن المغالاة حتى يمكن تطبيقه في أرض الواقع ويطلق على المبالغ المقترحة للنفقات “اعتمادات” ولا يجوز للسلطة التنفيذية أن تتجاوزها أثناء التنفيذ الفعلي، وإن دعت الضرورة لتجاوز هذه الاعتمادات عليها الحصول على موافقة مسبقة من السلطة التشريعية.
وتقسم هذه الاعتمادات عادة إلى اعتمادات محددة وأخرى تقديرية.
يقصد بالاعتمادات المحددة تلك التي تمثل الأرقام الواردة بها الحد الأقصى لما تستطيع الحكومة إنفاقه دون الرجوع للسلطة التشريعية وتعد هذه الطريقة الأساس في اعتماد النفقات وتطبق بالنسبة للمرافق القائمة بالفعل والتي يكون لها خبرة في تقدير نفقاتها المستقبلية، مما يعني عدم تجاوزها للاعتمادات المخصصة لتغطية هذه النفقات. ومثالها أجور ومرتبات الموظفين وفوائد وأقساط الدين العمومي
أما الاعتمادات التقديرية فيقصد بها النفقات التي يتم تحديدها على وجه التقريب وهي تطبق عادة على المرافق الجديدة التي لم يعرف نفقاتها على وجه التحديد، ويجوز للحكومة أن تتجاوز مبلغ الاعتماد التقديري دون الرجوع إلى السلطة التشريعية، على أن يتم عرض الأمر عليها فيما بعد للحصول على موافقتها وهذه الموافقة شكلية.
ويمكن بطبيعة الحال الاسترشاد بأرقام النفقات العامة الواردة بالموازنات السابقة مع مراعاة ألا تكون منطوية على إسراف أو متضمنة لبعض النفقات العارضة أو الاستثنائية، كما ينبغي على معدي الموازنة أن يأخذوا في اعتبارهم نتائج الدراسات والأبحاث المتعلقة بالأحوال الاقتصادية المحلية والدولية السائدة، والتغيرات المتوقع حدوثها خلال السنة المالية القادمة، لذلك فإن تقديرات النفقات التي تتولى الوزارات والهيئات العامة إعدادها تتم مراجعتها في وزارة المالية، التي تراعي وجود معدلات للإنفاق وتستشهد بالإنفاق الفعلي في السنتين الأخيرتين، كما أن هناك مراجعة أخرى لتقديرات النفقات تتم في اللجنة الفنية المختصة في السلطة التشريعية.
* الطرق الحديثة
o نظام تخطيط وبرمجة الميزانية
ظهر نظام تخطيط وبرمجة الميزانية : Planning and Programming Budgeting System (P.P.B.S) في الولايات المتحدة الأمريكية على يد روبير ماكنمرا الذي قدم إلى الكونجرس ميزانية وزارة الدفاع لعام 1963 وفق هذا النظام الجديد، وذلك قبل أن يقوم الرئيس جونسون بتعميم تطبيقه على مختلف الإدارات الفيدرالية ابتداءا من عام 1965.
إعداد الميزانية حسب هذه الطريقة يستلزم تحديد الأهداف الإستراتيجية التي تتوخى الإدارة الوصول إليها، ثم البحث عن السبل الكفيلة ببلوغ تلك الأهداف بما يلزم من الكفاءة والنجاعة والمردودية (توظيف تقنيات البحث العلمي لاختيار أفضل الطرق)، وأخيرا توزيع الأهداف والوسائل إلى وحدات/أقساط وبرمجتها في الميزانية السنوية.
ورغم الطابع العلمي لهذا النظام ومساهمته في عقلنة الاختيارات الموازناتية فقد اضطر الرئيس نيكسون إلى التخلي عنه في عام 1969 نتيجة معارضته من طرف الكونجرس والإدارة الأمريكية. لقد كانت نتائج تطبيقات هذا النظام مخيبة للآمال.[13]


o طريقة التسيير بالأهداف
ظهرت تطبيقات طريقة التسيير بالأهداف Mangement By Objectives (M.B.O) لدى شركة جنرال موتورز، قبل أن تعتمدها الحكومة الأمريكية كبديل للنظام السابق بيانه
وتقوم هذه الطريقة على أسس رصد الأهداف، وتحديد الأولويات، ووضع جدول زمني للتنفيذ في إطار الميزانية السنوية للدولة, إن هذه الطريقة أقل تعقيدا وأكثر واقعية ووضوحا من الأولى. كما أنها تسمح بمطابقة الأهداف المبرمجة والاعتمادات المرصودة لإنجازها، وتفادي التبذير وهدر المال العام.
o ميزانية قاعدة الصفر
اعتمدت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جيمي كارتر طريقة جديدة لوضع تقديرات الميزانية تسمى “ميزانية قاعدة الصفر Zero Base Budgeting (Z.B.B) وتستوجب هذه الطريقة مراجعة مستمرة ومنتظمة للأهداف والوسائل، وإعادة توزيع دائم للموارد المتاحة، ليس بناء على مرصدات ومخصصات الميزانية السابقة، بل في ضوء أهمية واستعجالية وأولوية النشاطات والبرامج المقترحة من طرف المصالح الحكومية في كل سنة على حدة.
فالاعتمادات الواردة في ميزانية سنة سابقة لا تعتبر مكاسب نهائية يحتفظ بها من طرف الإدارات التي حصلت عليها، ولا تنتقل من سنة إلى أخرى بطريقة تلقائية. وإنما يتوقف مدى اعتمادها مجددا في الميزانية على مدى وجاهة التبريرات المفصلة التي يتقدم بها كل مسؤول حكومي لبيان جدوى وأولوية الأنشطة والبرامج التي يطلب تمويلها.
لقد كان الدافع الأساسي وراء إقرار هذه الطريقة هو محاربة إهدار الموارد المالية وضمان حسن استخدامها وتوجيهها ضمن مسار إنفاقي يحقق أهداف التنمية الشاملة, ينضاف إلى ذلك أن هذه الطريقة تطرح أمام مراكز اتخاذ القرار فرصة أفضل للإختيار بين عدد أكبر من البدائل، ولا تنطلق من مبدأ أن الأنشطة القائمة يجب أن تستمر، بل هي قابلة للإلغاء، والتعديل باستمرار، مع إمكانية خلق أنشطة جديدة أو توسيع نطاق أنشطة قائمة.[14]
o نظام ترشيد اختيارات الميزانية
يعتبر نظام “عقلنة اختيارات الميزانية” Rationalisation des choix Budgétaires (R.C.B) النسخة الفرنسية لنظام تخطيط وبرمجة الميزانية الأمريكي “PPBS” إنه يوظف أدوات التحليل العلمي والمقاربة الرياضية والكمية لوضع معايير موضوعية تتأسس عليها اختيارات الميزانية.

ويستوجب هذا النظام اتباع المراحل التالية في تقدير النفقات العمومية :
* تعريف الأهداف.
* تحديد الوسائل.
* المقابلة بين الأهداف والوسائل.
* وضع برامج / بدائل متنوعة وإخضاعها للدراسة وفق تقنيات حسابية متعددة : تحليلات على أساس “كلفة / فعالية”، “كلفة / امتيازات” …وانتقاء أجودها.
* الحسم في في الاختيارات (اتخاذ القرارات) ووضع برنامج عمل متعدد السنوات لكل قطاع حكومي أو مؤسسة حكومية وتوزيعه إلى أشطر وبرمجتها في الميزانيات السنوية.
* التدبير.
* مراجعة الأهداف والبرامج في ضوء ملاحظة النتائج المحققة.[15]
ب‌- الطريقة المعتمدة في تقدير النفقات العامة
تتكون نفقات الميزانية العامة من نفقات التسيير التي يجري في إطارها رصد فصلين لكل وزارة : فصل للموظفين وفصل للمعدات وللنفقات المختلفة، ومن نفقات الاستثمار حيث يرصد لكل وزارة فصل واحد، ومن النفقات المتعلقة بخدمة الدين العمومي التي يتم رصدها في إطار قانون مالية كل سنة في فصلين يتضمن الأول منهما النفقات من فوائد وعمولات، والثاني النفقات المتعلقة باستهلاكات الديون العمومية المتوسطة والطويلة الأجل.
وتختلف التقنية المعتمدة في إعداد الاعتمادات بحسب طبيعة كل نفقة، فبالنسبة للنفقات المتعلقة بأجور ومرتبات الموظفين، فإن تقديرها يتم بشكل مباشر من طرف كل وزارة بتعاون مع وزارة المالية بالاستناد على عدد موظفي وأعوان الوزارة المعنية بالأمر، حيث تكون المرجعية في تقدير هذه الاعتمادات لقانون مالية السنة الجارية مع تصحيح هذا التقدير من أجل الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات والمستجدات، ولمراعات الحقوق أو المصالح المكتسبة خلال السنة المالية الجارية.
أما تقدير الاعتمادات المخصصة لأداء الدين العمومي المتوسط والطويل الأجل، فإنها لا تطرح مبدئيا أي إشكال حيث يتم تسجيل مخصصات الفصلين المرصودين لأداء هذه الديون طبقا لما تتوقعه جداول استخدامها التي يتم بموجبها تحديد المدة التي سيتم خلالها أداء هذا الدين وتحديد قيمة المستحقات في إطار تلك الجداول. ونتيجة لذلك، فإن تسجيل هذه المخصصات في إطار قانون مالية السنة يتم بالاعتماد على ما تقضي به هذه الجداول.
وفيما يتعلق بنفقات الاستثمار، فإن تقدير الاعتمادات الخاصة بأداء نفقات كل وزارة لا يطرح من جانبه مشكلة كبيرة، لأنه يتم تسجيل مخصصات هذه الفصول بالاستناد على أحكام المشاريع الاستثمارية المراد إنجازها، والتي سبق البرلمان التصويت عليها حينما صادق على مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعليه فإن قسطا من هذه الاعتمادات يتم الترخيص به في إطار ترخيصات في برامج تحدد المبلغ الأقصى من الاعتمادات المأذون للآمرين بالصرف بالالتزام بها من أجل تنفيذ برامجهم الاستثمارية، وبالتالي فلا يتم في قانون مالية السنة والحالة هذه سوى العمل على تسجيل اعتمادات الأداء الضرورية لتنفيذ الجزء السنوي من البرنامج الاستثماري.
أما تقدير المقتضيات الجديدة للسنة المقبلة والتي لا توجد مرجعية يعتمد عليها من أجل تحديد ما سيتطلبه إنجازها من اعتمادات، فيتم الاستئناس بالعديد من المؤشرات التي تهم حالة الاقتصاد الوطني (كمعدلات نموه ومتطلبات سوق الشغل …)، واحتياجات كل وزارة خلال السنة المقبلة (حجم احتياجها إلى التوظيف، وإلى المعدات والتجهيزات)..
وعموما، فإن تقدير حجم هذه المعطيات يعتمد على مؤشرات ليست أكيدة، الأمر الذي يجعل البعد السياسي أكثر حضورا وأكثر أهمية من المعطى التقني والرقمي.[16]
الفرع الثاني : طرق تقدير الإيرادات العامة
من حيث المبدأ، فإن تقدير الدخل يبدو أكثر بساطة من تقدير النفقة العمومية نظرا أولا لتمركز عمليات الإعداد في مختلف مراحلها تقريبا، الأمر الذي يسمح بتجنب الدخول في مفاوضات مع أجهزة أخرى من أجل الوصول إلى التسويات الممكنة بشأن إقامة التقديرات النهائية، كما يحدث غالبا في مجال إعداد النفقة العمومية.
ثم إنه من جهة ثانية ليس هناك ما يبرر وجود مبالغات في تقدير الدخول كما هو حال النفقات، لأن الدخل العمومي كيفما كانت طبيعته يفقد خصوصيته بمجرد دخوله إلى خزينة الدولة، إذ سيستعمل بعد ذلك في تمويل النفقة العمومية كيفما كانت طبيعتها دون السماح بالتخصيص المباشر لدخل معين إلى نفقة معينة.
ومن جهة ثالثة، فإن قيم وحجم الدخول كما يتم توقعها برسم ميزانية كل سنة لا تعتبر لا بالحد الأقصى الذي يتعذر تجاوزه ولا بالحد الأدنى الذي يتطلب الأمر وجوب الوصول إليه، بل تبقى مجرد تقديرات قد تحقق بنفس المبالغ التي قدرت لها في بداية السنة أو بمبالغ تقل أو تتجاوز ذلك.[17]
إلا أنه بالرغم من هذه المعطيات، فإن تقدير الإيرادات يثير صعوبات فنية كبيرة وذلك لسبب عدم توفر كل العناصر التي يمكن الاعتماد عليها للقيام به، فحصيلة الضرائب على الأرباح يتطلب أولا تحديد الأرباح التي بإمكان المكلف بالضريبة تحقيقها ،كما أن تقدير الضرائب غير المباشرة يتطلب تحديد حجم الاستهلاك خلال السنة المعنية بالأمر، وطبيعة هذه الاستهلاكات، وإن عدم معرفة هذه المعطيات ليحول دون إمكانية إجراء تقدير ملائم للدخل الجبائي .
إن تقدير الإيرادات بدقة يقتضي الإلمام بكافة المتغيرات الاقتصادية المؤثرة في حجم الدخل الوطني، ومن ثم حصيلة الضرائب المحصلة لحساب الدولة وهناك أربعة أساليب لتقدير الإيرادات العامة هي:
× طريقة التقدير المباشر: ترمي هذه الطريقة بصفة أساسية إلى التنبؤ باتجاهات كل مصدر من مصادر الإيرادات العامة على حدة وتقدير حصيلته على هذه الدراسة المباشرة.
وفي هذه الطريقة تترك الحرية لمحضري الميزانية في تقدير الإيرادات المنتظر تحصيلها على أساس إجراء تحليل مباشر لواقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال العام المقبل.
× طريقة السنة قبل الأخيرة: بمقتضى هذه الطريقة يتم تقدير الإيرادات العامة للموازنة الجديدة على أساس إيرادات السنة قبل الأخيرة، فمثلا إذا أردنا تقدير إيرادات ميزانية السنة (2014) ستعتمد على إيرادات السنة الأخيرة التي عرفت نتائجه (2012)ا، دون إجراء أي تغيير إلا في الحالات الاستثنائية (فرض ضريبة جديدة مثلا).
× طريقة الزيادة أو النقص النسبي: تقضي هذه الطريقة بأن يدون في مشروع الميزانية الجديدة أرقام الإيرادات وفق آخر سنة مالية منقضية بعد زيادتها بمعدل محدد إذا كان من المتوقع ازدياد النشاط الاقتصادي أو بعد تخفيضها بمعدل محدّد إذا كان هبوط النشاط الاقتصادي هو الأمر الأكثر توقعا.
× طريقة التقدير الوسطي: حسب هذه الطريقة يتم تقدير الإيرادات للميزانية الجديدة على أساس متوسط الإيرادات المتحققة فعلا خلال فترة سابقة (ثلاث سنوات عادة).
المطلب الثاني : وضع صيغة مشروع القانون المالي
تشتمل الميزانية العامة على جزئين يتعلق الأول بالموارد، والثاني بالنفقات
الفرع الأول : صيغة الموارد العامة
تشتمل موارد الميزانية العامة على :
* الضرائب والرسوم
* حصيلة الغرامات
* الأجور عن الخدمات المقدمة والأتاوى
* أموال المساعدة والهبات والوصايا
* دخول أملاك الدولة
* حصيلة بع المنقولات والعقارات
* حصيلة الاستغلالات والمساهمات المالية للدولة وكذا القسط الراجع للدولة من أرباح المؤسسات العمومية.
* المبالغ المرجعة من القروض والتسبيقات والفوائد المترتبة عليها.
* حصيلة الاقتراضات.
* الحصائل المختلفة.[18]
الفرع الثاني : صيغة النفقات العامة
تشتمل تكاليف الدولة على :
* نفقات الميزانية العامة.
* نفقات ميزانية مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة.
* نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة.
أ‌- نفقات الميزانية العامة.
وتشتمل على :
أولا : نفقات التسيير
* مخصصات السلطات العمومية.
* نفقات الموظفين والأعوان والمعدات المرتبطة بتسيير المرافق العمومية.
* النفقات المتعلقة بالتكاليف المشتركة بما فيها نفقات الدين العمري.
* النفقات المختلفة المتعلقة بتدخل الدولة ولا سيما في المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
* النفقات الطارئة والمخصصات الاحتياطية.
ثانيا : نفقات الاستثمار
* المخصصات المرصودة للنفقات الناتجة عن تنفيذ مخططات الموافق عليها من لدن البرلمان.
* النفقات غير المقررة في مخطط التنمية والمبرمجة في قانون المالية للحفاظ على الثروات الوطنية أو إعادة تكوينها او تنميتها.
يمكن أن تدرج بعض نفقات الموظفين والأعوان غير المرسمين في نفقات الاستثمار بشرط ألا تتعلق إلا بمستخدمين معينين لتنفيذها عن طريق الوكالة.
ثالثا : نفقات الدين العمومي
تشتمل النفقات المتعلقة بالدين العمومي على النفقات من فوائد وعمولات والنفقات المتعلقة باستهلاكات الدين المتوسط والطويل الأجل.[19]
ب‌- نفقات ميزانية مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة.
تعتبر “مصالح الدولة مسيرة بصورة مستقلة” مصالح الدولة غير المتمتعة بالشخصية المعنوية والتي تغطى بموارد ذاتية بعض نفقاتها غير المقتطعة من الاعتمادات المقيدة في الميزانية العامة. ويجب أن يهدف نشاط المصالح المذكورة أساسا إلى إنتاج سلع أو تقديم خدمات مقابل دفع أجر.
تحدث مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة بمقتضى قانون المالية الذي تقدر فيه مداخيلها ويحدد به المبلغ الأقصى للنفقات التي يمكن اقتطاعها من ميزانيتها.
تقرر عمليات ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة ويؤذن فيها، وتنفذ طبق نفس الشروط المتعلقة بعمليات الميزانية العامة، ما عدا في حالات استثنائية منصوص عليها في قانون المالية.[20]
ت‌- نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة.
تحدث الحسابات الخصوصية للخزينة بقانون المالية وينص القانون على مداخيل هذه الحسابات ويحدد المبلغ الأقصى للنفقات التي يمكن أن تقتطع منها. غير أنه يجوز في حالة الاستعجال والضرورة الملحة أن تحدث خلال السنة المالية حسابات خصوصية جديدة للخزينة بموجب مرسوم تطبيقا لأحكام الفصل 45 من الدستور. ويجب عرض هذه الحسابات الخصوصية الجديدة على البرلمان بقصد المصادقة في أقرب قانون للمالية.
و تشتمل الحسابات الخصوصية للخزينة على الأصناف التالية :
* الحسابات المرصدة لأمور خصوصية التي تبين فيها المداخيل المرصدة لتمويل صنف معين من النفقات والاستعمال المخصص لهذه المداخيل. ويمكن أن تزود هذه الحسابات بحصيلة رسوم أو أداءات من الميزانية أو مداخيل خاصة؛
* حسابات الانخراط في الهيئات الدولية التي تبين فيها المبالغ المدفوعة والمبالغ المرجعة برسم مشاركة المغرب في الهيئات الدولية، ولا يجوز أن تدرج في هذه الحسابات إلا المبالغ المقرر إرجاعها في حالة الانسحاب؛
* حسابات العمليات النقدية التي تبين حركات الأموال ذات الأصل النقدي؛
* حسابات التسبيقات التي تبين فيها المبالغ المدفوعة في شكل تسبيقات قابلة للإرجاع تنجزها الدولة من موارد الخزينة وتمنح لأجل المصلحة العامة، وتستحق فوائد على هذه التسبيقات التي تساوي مدتها سنتين أو تقل عنهما ؛
* حسابات القروض التي تبين فيها المبالغ المدفوعة في شكل قروض تنجزها الدولة من موارد الخزينة وتمنح لأجل المصلحة العامة، وتستحق فوائد على هذه القروض التي تتجاوز مدتها سنتين؛
* حسابات النفقات من المخصصات التي تبين عمليات متعلقة بصنف خاص من النفقات يتم تمويله من مخصصات الميزانية.[21]















خاتمة :
بعد أن يتم تحضير وإعداد مشروع قانون المالية يحال إلى البرلمان من أجل المصادقة عليه، في هذه المرحلة يمر المشروع بإجراءات مسطرية قد تكون معقدة ، ينص عليها الدستور بالإضافة إلى القانون التنظيمي للمالية الذي يحيل عليه هذا الدستور، ثم النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، في البداية يجب أن نشدد على أهمية الإيداع، إذ على الحكومة أن تحترم آجال الإيداع المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية، حتى يتسنى للبرلمان المصادقة على مشروع قانون المالية في الوقت المحدد قانونا، أي قبل 31 دجنبر من السنة المالية، وذلك للحيلولة دون اللجوء إلى المسطرة الاستثنائية، وهي قيام الحكومة باستصدار مرسوم فتح الاعتمادات في حال عدم تصويت البرلمان على مشروع قانون المالية، أو عدم صدور الأمر بتنفيذه بسبب إحالته إلى المحكمة الدستورية.
فما هي هاته الإجراءات؟ وما هو مجال الاختصاص المالي للبرلمان في ظل الدستور الجديد ؟ وكيف تعامل المشرع المغربي مع مجموع الإشكالات القانونية المطروحة في هذا الاتجاه ؟ خصوصا منها “الفيتو المالي” التي تتمتع به الحكومة فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 40 من القانون التنظيمي المذكور على ما يلي : “تطبيقا لأحكام الفصل 51 من الدستور، يتم بقوة القانون حذف أو رفض المواد الإضافية أو التعديلات الرامية إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود”.
فهذه الفقرة تحيل على الفصل 51 من الدستور المراجع حيث كان في ظل هذا الفصل للحكومة أن ترفض كل تعديل يخل بالتوازن المالي ، هذا الفصل الذي يسميه البعض “الفيتو المالي”، ويمكن للحكومة أن ترفض هذه التعديلات دون أن تقدم بيان الأسباب الداعية لهذا الرفض، لكن مع الدستور الجديد فإن الحكومة مطالبة ببيان الأسباب اثر رفضها للمقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إما إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود وذلك حسب الفقرة الثانية من الفصل 77 من دستوري 2011 ، وهذا دليل آخر على التناقض الموجود بين القانون التنظيمي القديم المتعلق بقانون المالية والدستور الجديد لسنة 2011.
وما يؤكد هذه الهيمنة نص المادة 35 منالقانون التنظيمي حيث تشير إلى أنه في حالة لم يتم في 31دجنبر وفقا لأحكام الفصل 50 من الدستور، التصويت على قانون المالية للسنة أو صدور الأمر بتنفيذه بسبب إحالته إلى المجلس الدستوري فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح بالميزانية المعروضة بقصد الموافقة.
فريدي عبد الهادي
أشرف كلاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.