في تطور مفاجئ في مسار محاكمة ناشر يومية ” أخبار اليوم”، قرر القضاء الدولي الحكم ببراءة توفيق بوعشرين من كل الجرائم المنسوبة إليه فيما يتعلق بالاتجار بالبشر والاغتصاب والتحرش الجنسي وهتك العرض بالعنف، وتعويضه ماديا عن كافة الأضرار المادية والمعنوية التي طالت سمعته واعتباره الشخصي، وتحميل الدولة المغربية والمطالبات بالحق المدني الصائر مع الإجبار في الأدنى. كما قضت هيئة المحكمة الدولية بتعويض قراء افتتاحيات توفيق بوعشرين بدرهم رمزي عن كل عدد لم يكتب فيه عموده اليومي الشهير، مع إدانة الضحايا والمصرحات والشاكيات من أجل الإهانة والتبليغ عن جرائم يعلمن بعدم حدوثها واختلاق سيناريو الاغتصاب الوهمي، والحكم عليهن بسنة حبسا نافذا موقوف التنفيذ، وتعويض مادي يتم تحديده بالتراضي مع الضحية توفيق بوعشرين. وبالرغم من أن منطوق هذا الحكم القضائي الدولي جاء في صالح توفيق بوعشرين، ومنسجما مع مطالب هيئة دفاعه، إلا أن المحامي البريطاني ديكسون والنقيب محمد زيان قررا الطعن فيه بالاستئناف أمام المحكمة الأوروبية، على اعتبار أنه لم يحكم بإدانة الدولة المغربية بالعقوبة السالبة للحرية، بوصفها المسؤولة عن استهداف الخط التحريري لتوفيق بوعشرين، كما أنه (أي الحكم القضائي) لم يقض بتحميل المسؤولية الجنائية لبعض دول الخليج التي كانت متواطئة في الزج بناشر جريدة “أخبار اليوم” في هذا الملف. تصوروا معي هذا السيناريو الافتراضي الذي يحتكم إلى الخيال أكثر من المنطق العقلي والقانوني. ولكم أن تتصوروا كيف سيكون مصير نعيمة وأسماء ووداد وخلود والأخريات؟ هل سنقول لهن عذرا لقد انتهى دوركم في مسلسل البحث عن إدانة بوعشرين؟ وهل سيقول لهن القضاء المغربي إنني “غير مختص نوعيا وترابيا بسبب غياب السيادة الوطنية وعدم أهلية القضاء للبت في القضايا التي يترافع فيها المحامي البريطاني المستر ديكسون”. وما عسانا أن نقول لباقي ضحايا الاغتصاب مستقبلا” عذرا لا يمكن قبول شكايات الاغتصاب… لأن هناك اجتهادا قضائيا دوليا سابقا يقضي بتبرئة المغتصب وإدانة الضحية، على حد تعبير فَقِيه المقاصد أحمد الريسوني”. أي منطق عبثي هذا الذي تكهن به فنجان الاجتهاد والتنجيم عندما يربط بين قضية الصحراء المغربية والانفصالي الكاطالاني وملف بوعشرين! فإذا كان كلام المحامي محمد زيان ونظيره البريطاني مستساغا، على الأقل من زاوية تبرير الأتعاب، لأنهما يحاولان التأثير في هيئة المحكمة عبر ماكينة الدعاية الإعلامية بسبب صعوبة الوضع القانوني لموكلهما، فإن الذي يبقى عصيا على الفهم والمنطق، هو تماهي أقلام مغربية مع هرطقات وترهات تحاول أن تضرب في العمق السيادة الوطنية والشرعية القضائية للمحاكم المغربية. فنظام “المحميون الجدد” الذي ينادي به المحامي زيان ونظيره البريطاني، وتتخوف من تكراره بعض الأقلام المغربية هو عهد قد أفل وولى إلى غير رجعة، وليس هناك حاليا أي نظام قضائي دولي يسمح لمغتصب من الإفلات من العقاب، أو يمكنه أن يمنع الضحايا من الاقتصاص قانونا من مغتصبهن. وليست هناك أية “لجنة اتفاقية” تابعة لمجلس حقوق الإنسان أو لهيئة الأممالمتحدة بإمكانها التدخل في شؤون السلطة القضائية لأية دولة بغرض منعها من محاكمة متهم بالاغتصاب. فالسيادة الوطنية للمملكة المغربية هي أكبر من أن تتأثر بمحاكمة شخص ما، كيفما كان حجمه ووزنه، وهي أقدس من أن يزايد عليها محمد زيان وديسكون وغيرهما، وهي أبقى ما بقي المغرب حتى ولو تنبأ الفنجان السالف الذكر بأيام عجاف للمغاربة، فقد قيل قديما “كذب المنجمون ولو صدقوا”. لكن ماذا عن الفتح المبين الذي جاء به المحامي البريطاني والذي زعم فيه “انتفاء الأمر القضائي الموجب لاعتقال بوعشرين”؟ والذي على ضوئه ادعى “بأن الاعتقال كان تحكميا ويسوغ الركون إلى لجنة الاعتقال التعسفي التابعة لمجلس حقوق الإنسان”. ألا يوجد في ملف قضية بوعشرين أمر قضائي مذيل بتوقيع الوكيل العام للملك بالدار البيضاء يقضي بإيداع المتهم بالسجن على ذمة محاكمته؟ ألا تخول المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية المغربي للوكيل العام للملك صلاحية الأمر باعتقال المتهم وإحالته على هيئة الحكم للبت في الجنايات المنسوبة إليه، كلما اعتبرت النيابة العامة بأن القضية جاهزة للحكم؟ ألا يعتبر هذا الأمر القضائي سندا تنفيذيا مبررا للاعتقال؟ ألا تعتبر النيابة العامة سلطة قضائية مخول لها قانونا اعتقال المتهمين في إطار المحاكمة؟ الجواب طبعا… بالإيجاب! فلماذا يكذب المحامي البريطاني، ويزايد النقيب زيان، وينذر المنجمون السلطات المغربية بالثبور وويلات الأمور؟ إنها في الحقيقة مجرد زوبعة في فنجان… وأيا كانت الجهة صاحبة الاختصاص للبت في هذا الملف القضائي، سواء كانت هيئة قضائية وطنية أو حتى دولية كما يتوعد بذلك المحامي البريطاني، فإننا نطالب باحترام مرتكزات المحاكمة العادلة التي تحترم قرينة البراءة من جهة، وعدم الإفلات من العقاب من جهة ثانية، مع احترام كافة الضمانات والشكليات التي تنهض كحائل ضد التجاوز والتعسف سواء في حق الضحايا أو المتهمين.