فوجئت هذا الصباح بتداول مقال مطول وقعه زميلنا المحترم الأستاذ خالد الإدريسي بعنوان: “متابعة النقيب زيان وظهور الملامح الأولية لدولة القضاة”. ودفعني الفضول إلى قراءة مضمون المقال لأفهم ماهي دولة القضاة هذه, وكيف تكون. وياليتني ما قرأت… زميلي المحترم يعتبر أن السلطة القضائية أصبحت قوية جدا منذ استقلالها, وأنها في طريقها للهيمنة على المهن القضائية وفي مقدمتها المحاماة ثم على باقي القطاعات. ولكي يقنع الأستاذ الإدريسي القراء بحقيقة ادعائه: سرد ثلاثة وقائع اعتبرها دليلا على هيمنة السلطة القضائية واستفرادها بالسلطة. ويتعلق األمر ب: * اعتقال أحد المحامين بورزازات دون داع, وإلزامه بتقديم اعتذار مذل لشخصه ولمهنة المحاماة (ذ.لمرابطي)؟ * الحكم ابتدائيا على محامي (ذ. البوشتاوي) بالحسيمة بحكم قاس بسبب موقفه من “حراك الريف”، * متابعة النقيب زيان على هامش تقديمه شكاية يتهم فيها نائبا للوكيل العام بالتزوير. وقبل إبداء الرأي في موقف الأستاذ خالد الإدريسي مما سماه “دولة القضاة”, لابد من التذكير بحقيقة القضايا الثلاث التي توبع من أجلها محامون… والتي ليست هي القضايا الوحيدة التي يتابع فيها محامون، سواء بعد استقلال السلطة القضائية أو قبل استقاللها. – ففيما يتعلق بقضية ورزازات، فهي متابعة تتعلق باستعمال العنف ضد قاض خلال ممارسة مهامه داخل حرم المحكمة. وحتى لا أمس بحقوق زميلنا ذ. لمرابطي في الدفاع عن نفسه أمام القضاء بالشكل الذي يختاره، أكتفي بالإشارة بفخر واعتزاز إلى موقف الأستاذ لمرابطي نفسه وموقف هيئة المحامين بمراكش الذي كان غاية في النبل والحكمة. . لأنه من شيع العظماء أن يعتذروا عن أخطائهم، وهذا يزيد من عظمتهم ويرفع من قدرهم.. وال يشكل إذلالا لهم أو لمهنتهم النبيلة، القائمة على احترام تقاليد العدالة وأعرافها الراسخة، وفي مقدمتها احترام القضاء وأحكامه. كما أنها مناسبة للتنويه بموقف القاضي “المعتدى عليه” الذي لم يتردد في قبول الاعتذار والتنازل عن شكايته، وهو ما اعتبر مساهمة في الحفاظ على لحمة الجسم القضائي بجناحيه القضاة والمحامين… أليس المحامي جزء من القضاء؟. – وأما قضية الأستاذ البوشتاوي، فحسب علمي، فإن المتابعة لا صلة لها بموقفه من الحراك، وإنما باتهامات بممارسات مخالفة اد لأعراف المهنة تتعلق باستمالة الزبناء وبادعاءات كاذبة.. وهي مجرد اتهامات لا يمكن أن تمس بقرينة براءة زميلنا، الذي مازالت أمامه فرص أخرى للدفاع عنها (البراءة) أمام محكمة الاستئناف وأمام محكمة النقض. – وأما بيت القصيد الذي كان السبب المباشر لكتابة المقال من طرف ذ. الإدريسي، فهو متابعة الأستاذ النقيب زيان، التي يعزوها كاتب المقال لتقديمه شكاية بالتزوير ضد أحد قضاة النيابة العامة في ملف الصحافي بوعشرين.. وهذا بدوره غير صحيح لأن النقيب زيان نفسه صرح لوسائل الإعلام ان المتابعة تتعلق بما سبق أن صدر عنه من تصريحات نسبها للزفزافي بشأن تورط إلياس العماري في قضية تمس أمن الدولة. وهي التصريحات التي كان الزفزافي قد انكرها وعزل النقيب من النيابة عنه في القضية الجارية أمام محكمة الاستتئناف بالدار البيضاء. وفي رأي كاتب المقال أن متابعة محام كان نقيبا ووزيرا سابقا، يعد “ضربا لاستقاللية المحامي وحصانته في العمق”. ومن هنا نبدأ تعليقنا على ما كتبه الأستاذ الإدريسي، مستغربين أن تحول صفة الوزير أو النقيب السابق أو الحالي دون إجراء متابعة قضائية في حقه بسبب أفعال ارتكبها إذا كانت تكتسي صبغة جرمية. ونستغرب أكثر لإقحام حصانة الدفاع في هذا الموضوع الذي ارتكب خارج قاعات المحاكم وبعيدا عن المرافعات القضائية، وتم الترويج له علنا عبر وسائل الإعلام والوسائط الاجتماعية .. إلا إذا كان صاحب المقال يشجع على الإفلات من العقاب !!! وهذا أمر آخر… يدفعنا المقال كذلك للتساؤل هل مجرد تحريك الدعوى العمومية في حق بعض المحامين يعد جريمة تؤشر لهيمنة القضاة؟ أم أن الأمر ينحصر في الاحتكام للقانون والتسليم بنفاذه في حق الجميع… لا فرق بين وزير وغفير!!.، هل من المناسب أن نؤاخذ النيابة العامة لمجرد أنها أقدمت على تحريك الدعوى العمومية في حق بعض المحامين من زملائنا؟ .. أم أن العتاب يجب أن يتم في حقها إذا عزفت عن تحريك الدعوى متى تعلق الأمر بمخالفات للقانون؟؟، وهل من المنطقي أن نلوم القاضي فقط لأنه أصدر حكما بإدانة محام، أم أن الأولى بالعتاب هو المحامي الذي يكون قد خالف القانون؟؟.، هل نتحدث عن “دولة القضاة” لمجرد أن النيابة العامة حركت متابعة في حق شخص يتمنع بنفوذ معنوي أو مادي، أم نطمئن لذلك لأن القانون يطبق على الجميع.. ؟؟، هل إن ما صدر عن الزميل النقيب – إذا كان صحيحا- يشرف مهنة الدفاع أم يسيئ لها؟؟، وإذا كان يسيئ لها، فهل بادرت هيأة المحامين المختصة بتحمل مسؤوليتها في البحث والمساءلة… أم أن “النقباء السابقين” فوق القانون؟ إذا صح ما تناقلته وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية من أخبار حول تصرفات السيد النقيب زيان خلال الجلسة الأولى من محاكمة السيد توفيق بوعشرين، واعتدائه على زملائه من المحامين بالضرب والسب وكذلك بانتزاع الميكرو من يد أحدهم ومنعه من الكلام، هل هذه أفعال تشرفنا كمحامين؟؟. وإذا كانت المحكمة ضعيفة ولم تتحمل مسؤوليتها في وقف هذه التصرفات (كما هو الحال في هذه الواقعة، إذا كانت صحيحة)، فهل من المنطقي أن تكون هيأة المحامين ضعيفة كذلك؟؟ .. وهل من المعقول أن ينبري الأستاذ الإدريسي للدفاع عن زميلنا النقيب من باب أنصر أخاك.. ؟؟؟. نقول هذا لنعلق على مطالب زميلنا كاتب المقال الرامية إلى استقلال المحاماة عن سلطة القضاء… فكيف يمكننا أن ندعو لتخليص المهنة من رقابة القضاء في الوقت الذي لا نستخدم فيه نحن المحامون، المساطر التأديبية الممنوحة لهيآت المحامين من أجل ضبط وتخليق المهنة. هل يجوز أن نطالب بمنع القضاء من محاسبتنا في الوقت الذي نمتنع فيه عن محاسبة أنفسنا، رغم أن نقابات المحاميين تتوفر على السلطة اللازمة لذلك… ؟؟. هل يجوز أن نطالب المشرع – من أجل منح فرص عيش للمحامين المبتدئين- بغرض احتكار ممارسة حق التقاضي على المحامين حتى بالنسبة للقضايا البسيطة وغير المعقدة؟ .. هل المحاماة أصبحت مهنة للاسترزاق؟ . أم أن نبلها أسمى من ذلك ولا يتعارض مع حقوق المواطنين في الدفاع عن أنفسهم بانفسهم متى كانوا قادرين على ذلك.. ؟؟. هل نجرم زبناءنا الذين يشتكون من تصرفات بعض الزملاء المنافية لأخلاقيات المهنة وأعرافها الشريفة، أم نلقي اللوم على المشرع لأنه أراد أن يوفر الوسائل التقنية لضبط المخالفات؟. الأستاذ خالد، وزميلي المحترم، لا أشك أن هدفك من وراء الدفاع عن زميلنا النقيب زيان هو إعلاء لشأن مهنة الدفاع ودفاع عن كرامة أعضائها الموقرين،، ولكنني اختلف معك في الوسيلة. فإذا وجد بيننا -لا قدر الله- محامون “منحرفون” أومحامون “يمارسون النصب” أومحامون يخونون الأمانة. .. فهل العيب على هؤلاء المحامين أم العيب على القضاء لأنه حرك المتابعات أو أصدر أحكاما في حقهم؟.. اعتقد أنه يجب أن نحصن بيوتنا قبل أن نرمي الناس بالحجارة. أقول لك هذا في الوقت الذي أعلم فيه أن الأغلبية الساحقة من المنتسبين للمهنة شرفاء..ولكني أعتقد ان عدم تطبيق القانون على الأقلية التي تنتهك القانون وتحالف الأعراف المهنية، سيؤدي إلى تشويه سمعة جميع أعضاء هيئة الدفاع المحترمين. وفي الختام اسألك زميلي العزيز.. هل الأمثلة التي تفضلت بذكرها تعبر عن وجود “دولة للقضاة” أم أنها مؤشر “لدولة القانون” الذي يطبق على الجميع دون مراعاة لمراكز ومواقع النفوذ. وهذا مؤشر يجب أن يخلق لنا الاطمئنان، بدل أن يدعونا إلى الخوف والارتياب. ثم كيف يفعل القضاة؟ ألا يجب أن يحر كوا المتابعات ويصدروا الأحكام؟. أليس من الأفضل للمصلحة العامة أن يحكم القضاة بالقانون على الجميع.. أم جعلهم تحت نفوذ جهات أخرى تستعملهم متى شاءت.. ضد من تشاء؟.. إن المؤشرات تدل أننا نلج باب دولة القانون والمؤسسات.. وفي رأي المتواضع، أن هيئآت الدفاع يجب أن تساند السلطة القضائية في هذا البنيان.. سيما وأن المحاماة جزء من القضاء.